[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

صوتان

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - صوتان

الصوت الأوَّل:
مُنفرِدٌ في صحراءِ الصَّمتِ
غريبٌ في ساعاتِ الكَرِّ
وفي ساعاتِ الفَرِّ
تحطَّمُ روحي شوقاً
وحنيناً لِديارٍ أعرفُها بالقلبِ
وتعرفُني بالذِّكرى.

الصوتُ الثاني:
مَهْلاً..
وجهُكَ يشبهُ ذئباً يتمطَّى
تتماوجُ في سحنتِهِ الصَّفْراءِ
ثعابينُ الغابةِ..
ها إنّكَ تطلقُ ناراً منْ عينيكَ
دُخاناً منْ شفتيكَ.
لسانُكَ أفعى.
لا شوقَ لمنْ لا يغسلُ بالضوءِ الكلماتِ
ومَنْ يتحدَّثُ عنْ (صنعاءَ)
وينسى (غرناطةْ).

الصوت الأوّل:
أصحو منْ خَدَرِ الخوفِ
على صوتٍ يدفعُني بيديهِ
ثقيلِ الخطواتِ،
يناديني:
كانَ عليكَ لتخترقَ الصمتَ
وتوقظَ ما كانَ يُسَمَّى قلباً
أنْ تعرفَ أنَّ الناسَ
يساوونَكَ في الخوفِ
يساوونَكَ في الموتِ،
وكانَ عليكَ لتعرفَ أكثرَ
أنْ تتألَّمَ
أنْ تتقشَّرَ عيناكَ منَ الحزنْ.

الصوت الثاني:
ما بِكَ؟
هل شَفَّتْ روحُكْ يا هذا،
وأماطَ الخوفُ سِتارَ الرَّغبةِ،
أمْ داهمَكَ الحزنُ ففاضتْ أقداحُكَ
وارْتجَّتْ جدرانُ الجسدِ الخابي؟
ما أشقاكْ،
هل أخطأتَ العنوانْ
أَمْ أخطأكَ العنوانْ؟!

الصوت الأول:
يا وَجَعي..
هل سيكونُ لهذا القلبِ الضّامرِ
أنْ يتحدَّثَ في العشقِ
وعنْ صَبَواتِ الرُّوحِ،
وأنْ يبحثَ للعمرِ الآتي
عنْ جَمْرٍ،
وبدايةِ تقويمٍ آخَرَ،
أمْ يتحدَّثَ عنْ أرقامٍ
لا تخلو منْ إيقاعِ الدَّهْشَةْ؟

الصوت الثاني:
حاولْ أنْ تخرجَ منْ جِلْدِكَ
كي تتحرَّرَ منكَ خطاياكَ،
وأنْ تدخلَ موسيقى الضوءِ
خفيفاً إلاّ منْ شجنٍ
يتوهَّجُ في الأجفانِ
ويهطلُ منْ زمنٍ لا ينساكْ.

الصوت الأول:
مشدوداً كالحبلِ
إلى شُرُفاتِ الأوهامْ
أبحثُ عنْ نفسي
في قاعِ الحُلُمِ الميِّتِ،
لا شيءَ تبقَّى في جسدي
في روحي،
لا غيمةَ في الأُفْقِ،
ولا دمعةَ خلفَ جفوني.

الصوت الثاني:
مستترٌ أنتَ الآنَ بثوبِ الدُّولارِ
ومعتصمٌ بالبنكِ
تقايضُ كَنْزَ الرُّوحِ
وكَنْزُ الرُّوحِ جواهرُ لا تفنى،
بغبارِ اللَّذَّةِ، قلْ لي:
هل ستظلُّ تقايضُ بالرَّغَباتِ الرَّغباتِ؟
وتدخلُ دهليزَ الخوفِ وحيداً؟!
ما أشقاكْ.

الصوت الأول:
لا تحزنْ إنَّ اللَّهَ معكْ
لا تحزنْ إنَّ الشِّعرَ معكْ
لا تحزنْ إنَّ الفقرَ معكْ
لا تحزنْ.. هذا ما قالتْهُ الأرضُ،
وأعطاني منْ أعطى الموتى خبزاً،
وثياباً لا تبلى.

الصوت الثاني:
تترامى فيكَ مفازاتُ اليأسِ
تطاردُكَ اللَّوعةُ
والنَّدمُ الحارقُ والحسراتْ
يا هذا..
نصفُ رغيفٍ يكفيكَ
وجرعةُ ماءٍ منْ نهرٍ أو نبعٍ،
في منعطفاتِ ظلالٍ واسعةِ الرَّحمةِ،
يا هذا تُحْييكْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى