[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

العودة ثانية من أطراف الأصابع

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - العودة ثانية من أطراف الأصابع

كانَ قلبي هنا
حينَ كنتُ مقيماً هناكَ
ومذْ صارَ وجهي مقيماً هنا،
صارَ قلبي هناكَ مقيماً؛
كطفلٍ يحدِّقُ في مَلَكوتِ
المياهِ
ويخرجُ منْ ساقِ جُمَّيْزَةٍ
زرعَتْها المواويلُ..
يا مَنْ سيسمعُ صوتَ المقيمِ
المسافرِ محترقاً:
سَفَري كانَ وجهَ الإقامةِ،
وجهُ الإقامةِ كانَ السَّفَرْ.

* * *
أيّها الماءُ مشتاقةٌ كلماتي إليكَ،
ومشتاقةٌ صَلَواتي..
كتابُ العصافيرِ يشتاقُ عينيكَ
يشتاقُ صوتَكَ
يشتاقُ لونَكَ،
تشتاقُ عينُكُ - عَبْرَ المدى - شَجَرَ الذّاكرةْ.

* * *
مَرَّةً غسلَتْ كلماتُ المغنّي بدمعِ التذكُّرِ
وجهي وذاكرتي،
غسلَتْ حائطَ اللَّيلِ،
غادرَني صوتُ مَقْهَىً قديمٍ،
وأدركَني منْ نهارِ الطفولةِ
شمسٌ
وماءٌ،
ووردٌ،
ووجهٌ حملتُ له تعبَ العمرِ
أغْمَدْتُ في مائِهِ لَحْمَ قلبي.
تذكَّرْتُ..
(سيّدتي تجلسُ الآنَ بينَ الزَّمانِ وبيني، وتجلسُ ما بينَنا امرأةٌ.. نخلةٌ،
جلسَتْ، وشربْنا نبيذَ الأحاديثِ، تكتبُنا وتحاورُنا قُبَلٌ ومواعيدُ..
أدْرَكَنا عَسَسُ الرَّمْلِ، أدْرَكَنا...
أَوْثَقُوني وَشَقُّوا فمي.. أَوثقوا للتُّرابِ لساني، وسالَ دمٌ أَخضرٌ،
إنّهُ صوتُها..
صوتُ فاتِنَتي، صوتُ مِصْرَ التَّلَظّي..
رغيفُ الرِّياحِ الطَّليقةِ
والاشتعالْ).
حينَما قَتَلُوني..
خناجرُهم نَسِيَتْ أنها في دمي،
أنّني لا أَعيشُ وحيداً،
لا أعيشُ إذا غادرَتْني
لا أَموتُ إذا سَكَنَتْني،
وحينَ استعادوا خناجرَهم يائسينَ،
خلعْتُ حذائي
وخوفي؛
وَعُدْتُ إلى:
(ها هيَ الآنَ تجلسُ ضاحكةً، ترتدي معطفَ الحرفِ، تجلسُ تحتَ مِظَلَّةِ عشقي، وتمسحُ أشجانَها بالحديثِ عنِ العصرِ.
هذا أنا أتأَبَّطُ قاتَ الجنوبِ، ويفتحُ لي ظِلُّ جُمَّيْزَةٍ صَدْرَهُ، ويقدِّمُ لي قمراً منْ فَطِيْرِ المُشَلْتَتِ.. نشربُ منْ ترعةٍ، ماؤُها الذَّهَبِيُّ بلونِ صعيديّةٍ سَحَرَتْني، ونامتْ بذاكرتي كالجداولِ في الصيفْ).

كانَ قلبي هنا
حينَ كنتُ هناكَ
وقد صارَ وجهي هنا
حينَ صارَ هنالكَ قلبي هناكَ مقيماً،
كطفلٍِ يحدِّقُ في ملكوتِ المياهِ،
ويخرجُ منْ ساقِ جُمَّيْزَةٍ زَرَعَتْها المواويلُ..
يا منْ سيسمعُ صوتَ المقيمِ
المسافرِ محترقاً:
سَفَري كانَ وجهَ الإقامةِ،
وجهُ الإقامةِ كانَ السَّفَرْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى