[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

نقوش وتكوينات في جدار اللَّيل الفلسطيني

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - نقوش وتكوينات في جدار اللَّيل الفلسطيني

موحشٌ وجهُ (عَكّا)،
و (عَكّا) مهيَّأةٌ للحصادِ،
وموحشةٌ في العيونِ الصَّباحاتُ
وجهُ التضاريسِ
والكلماتُ،
وجمرُ السَّماواتِ..
موحشةٌ في دمائي الخيامُ،
التواريخُ
لونُ المدائنِ،
موحشةٌ في حقولِ اللُّغاتِ حروفُ الكلامْ.
(الكآبةُ عالقةٌ بالجدارِ
أمَ انَّ الجدارَ بأحجارِهِ عالقٌ بالكآبةْ؟!
المغنّي حزينٌ
أمِ الحزنُ يأتي إليهِ
ويثقبُ جدرانَهُ عَبْرَ صوتِ الرَّبابةْ،
عبرَ صمتِ الأصابعْ
عبرَ صوتِ المدافعْ
عبرَ صمتِ الكلامِ..
الرَّتابةْ).

العصافيرُ تحلمُ بالدفءِ
تحلمُ بالخبزِ والماءِ
والطفلُ - في الشّامِ - يحلمُ بالماءِ
يحلمُ بالخبزِ،
للماءِ لونُ الدِّماءِ،
وللخبزِ لونُ الجماجمِ
لونُ دمِ الأصدقاءِ.
ووجهُ الشَّآمِ تبدَّلَ لا ماءَ
لا خبزَ في جسدِ الشّامِ..
طفلُ المخيَّمِ يسألُ - مذعورةً
ومشوَّهةً في المخيَّمِ عيناهُ،
باردةً كَدَمِ البندقيّةِ كفّاهُ -:
يا شامُ مائدةً كانَ صدرُ الفراتِ
لماذا غدا مقصلةْ؟
(كفنٌ أمْ وطنْ
أمَّةٌ، أمْ غبارْ
عودةٌ أمْ شَجَنْ
ثورةٌ أمْ شِعارْ؟
سوفَ تبقى الجنازةُ - للموتِ بهجتُهُ -
ويموتُ النهارْ!).

يا بديعَ المحيّا..
أنتَ يا وجهَ (عَكّا) المسافرَ بينَ النَّقا
والنُّفودِ،
لماذا يخاصمُني فيكَ وجهي،
يبعثرُني كبقايا المصابيحِ
في مدخلِ الفَجْرِ؟
هل خانني الحبُّ؟
هل خانني الشِّعْرُ؟
ما للقصائدِ لا تستجيبُ لصوتي؟
وما ليَ أصطادُ قافيةً لا تناسبُني
لا تناسبُ لونَ الدِّماءِ
ولونَ البكاءْ؟!
(أنتَ يا وجهَ عَكّا المحاصرَ بينَ النَّقا
والنَّقَبْ..
أنتَ عارُ العَرَبْ
أنتَ مَجْدُ العَرَبْ
أنتَ إنْ لم تعدْ لهباً،
قمراً.. يا لبؤسِ العَرَبْ!).

الغريبُ المسافرُ بينَ الندى والرَّصاصِ
وبينَ الخديعةِ والموتِ والاعتذارِ،
يغادرُ نزهتَهُ ويعودُ إلى نارِهِ
في البراري يسيرُ بطيئاً،
يفتِّشُ عنْ ذاتِهِ في الحطامِ
يفتِّشُ عنْ لونِهِ في الحطامِ
يفتِّشُ بينَ الحطامِ عنِ البندقيّةِ،
يبحثُ عنْ وطنٍ لم يعدْ قائماً
يرقبُ الآنَ ساعتَهُ..
ربما اغتالَهُ الوقتُ
واحترقَتْ بندقيَّتَهُ في دمِ الانتظارِ..
(وقالتْ إذاعاتُهم:
سقطتْ في الدُّجَى البندقيّةْ
سقطتْ في الدِّماءِ الهُوِيَّةْ
غرقتْ في النَّزيفِ القضيّةْ،
وقالَ: احْرُسُوني منَ البحرِ..
لا.. احْرُسُوني منَ الأصدقاءْ).

إنّهُ وجهُ (عَكّا)..
وهذي القرائنُ أجمعُها منْ رفاتِ المنازلِ،
منْ صخرةٍ يحزمُ العشبُ جبهتَها
ويصيرُ صديقاً،
يعاندُ كلَّ السَّكاكينِ..
يشحذُها.
إنّهُ وجهُ (عَكّا) استطالَ بِهِ الحزنُ،
يرحلُ بينَ الزمانِ وبينَ المكانِ
ويصرخُ: منْ أينَ جئتُ؟
لماذا أموتُ؟
لماذا أنا شاردٌ وقتيلٌ هنا
في براري الشَّآمِ،
و (عَكّا) هناكَ محاصَرَةٌ بسيوفٍ
منَ القمعِ؟
وجهي يضيعُ هنا..
أيضيعُ،
ويصنعُ لي طفليَ النَّعْشَ
يصنعُ لي طفليَ القبرَ
يصنعُ لي بيديهِ النهايةَ؟
(إني أضيعُ.. أبيعْ
الشِّتاءاتُ مرّتْ على جسدي
أوغلَتْ في دمي،
وأنا واقفٌ في انتظارِ الرَّبيعْ).

لم يعدْ وطناً..
بعدَ أنْ أدمنَ الذُّلَّ والخوفَ
أقبيةً صارَ للجثثِ المستباحةِ
خارطةً للخواءِ
ومزرعةً لِلُّصُوصِ،
فلا تدفنوهُ،
ارفعوا عَلَمَ الشُّهداءِ
عنِ الجسدِ المتعفِّنِ
عنْ وطنٍ لا يجيدُ اختيارَ الحياةِ أو الموتِ
يأكلُ أبناءَهُ في السَّلامِ،
وأبناؤُهُ يستبيحونَ صورتَهُ في الحروبِ!
ابحثوا في الرِّمالِ القديمةِ
عنْ لغةٍ لا تمارس دَوْرَ النعامةِ
في الحربِ والسِّلْمِ،
عنْ لغةٍ كالنبوَّةِ لا تبردُ الكلماتُ على ساقِها،
لا تخونْ.
(كانَ كتلةَ نارْ
صارَ كتلةَ عارْ
لم يعدْ قطعةً منْ شُعاعِ الضُّحَى
لم يعدْ بَيْرَقاً منْ نسيجِ المطرْ
نضبَتْ لغةُ البرقِ في مقلتيهِ
وماتَ على شفتيهِ حديثُ الشَّرَرْ).
يا شتاءَ الخديعةِ
والقتلِ والعارِ،
إنَّ النِّساءَ اللَّواتي تَطَوَّعْنَ للحبِّ،
يحملْنَ آنيةً منْ دمِ الفَجْرِ
يخرجْنَ منْ خنجرٍ عالميِّ النقوشِ
ويدخلْنَ في خنجرٍ عربيِّ النقوشِ
ويكتبْنَ فوقَ تلالِ المرافئِ
أضرحةً
وقُبوراً
ووجهاً حزينَ الندى،
يتراجعُ عنْ صمتِهِ قائلاً:
إنَّ هذا سؤالُ حياتي..
لماذا تموتُ النجومُ إذا رقصتْ في المرايا؟
لماذا على خنجرِ الأهلِ
تنتحرُ الكلماتُ / الأساطيرُ؟!:

(يافا تقاتلُ يافا،
وماءُ الخليلِ
يقاتلُ ماءَ الخليلِ..
لماذا يموتُ النخيلُ
وتبقى الرِّمالُ؟
لماذا تموتُ الظلالُ
وتبقى الصخور - القبورُ؟
لماذا يبعثرُنا ورقُ الاحتمالِ
ويخلعُنا شجرُ المستحيلْ!).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى