[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

البحث عن عبلة في مدينة الرَّصاص والرَّماد

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - البحث عن عبلة في مدينة الرَّصاص والرَّماد

يطالعُني وجهُ عَبْلَةَ محترقاً
في جليدِ بكاءِ الزُّنُوجِ،
وفي حَشْرَجاتِ الطُّبولِ
يسافرُ قلبي منَ الماءِ
يخرجُ مرتدياً جِلْدَ أفريقيا..
شَدَّني النفطُ منْ نارِ غَيْبُوبَتي
قالَ:
- قُمْ.. نِمْتُ
- نَمْ.. قمتُ،

سارَ بيَ الصوتُ للغَرْبِ،
بينَ الصَّدَى والصَّدَى،
قَدَماهُ قصائدُنا العربيَّةُ،
كانتْ دماءُ الزُّنُوجِ دليلي على البحرِ،
في غابةٍ منْ نخيلِ الجماجمِ.
هذا المحيطُ مدينةُ أحزانِنا
كم عَبَرْنا إلى اللَّيلِ في كفِّهِ.
صوتُها يتمطَّى منَ القاعِ:
مهجورةٌ فأغِثْني.
ويصعدُ كالغيمِ،
يقطُرُ جمرُ الهوى..
رَسَمَ الجرحُ لونَ القصائدِ منْ زَنْدِهِ،
والرِّماحُ نواهلُ منْ جسدي
والسَّرَدايبُ
والنّاطحاتُ تَمُجُّ الدِّماء:

يا امرأةَ النارْ..
يا نخلةَ أوجاعِ الغابةِ
أبناؤُكِ قتلى في السّاحاتِ
قوافلُ للأَسْرِ الخالدِ
يغتالونَ الموتَ / الخوفْ
يغتالُهُمُ الخوفُ / الموتْ
وغداةَ اجتازوا خلجانَ الدَّمِ
بحثاً عنْ مركبةٍ للفَرَحِ القادمْ
غرقَ الموجُ
انْشَقَّ البحرُ عنِ القتلى..
كانتْ قِيْعانُ البحرِ جماجمْ
والأعشابُ أنيناً أَسْوَدَ.
ها هيَ جُثَّتُنا الموؤودَةُ
تنتفضُ الآنْ..
رَقْصاً،
موسيقى،
زَفَّةْ.

لِعَبْلَةَ في القلبِ
بحرٌ له شاطئانِ منَ الشوقِ..
تغسلُ في الشّاطئِ الأوَّلِ الخوفَ
تغسلُ في الشّاطئِ الآخَرِ الحزنَ،
تمسحُ في مائِهِ رحلةَ الدَّمِ
تكتبُ في مائِهِ رحلةَ الحُلْمِ،
تدخلُ في لونِهِ وردةً
وتغادرُهُ نجمةً
وتعودُ إليهِ لتبحَثَ عنْ لونِها..
فيقولُ لها الموجُ:
يا طفلتي..
أينَما شئتِ في الأحمرِ اغْتَسِلي
أينَما شئتِ في الأخضرِ اغْتَسِلي
أينَما شئتِ في الأزرقِ اغْتَسِلي،
واحْذَري الأصفرَ المتهدِّمَ،
والأبيضَ المتورِّمَ،
والأَسْوَدَ المستديرْ:

وجهُ الوَطَنِ / الصَّحْراءْ
لا..
وجهُ الوطنِ / البحرُ
........
يكونُ الوطنَ / الماءَ
الصوتَ / الماءَ
الحزنَ / الماءْ
وتكونينَ القَلَقَ / التَّكْوينَ
النّارَ،
الأغنيةَ / القُبْلَةْ،
ويكونُ الوطنُ / البُنَّ،
الحِنّاءَ،
السَّيْفَ،
المحراثَ،
الغُصْنَ،
النّافذةَ.. الموجَةْ.

أنا الموجُ،
صوتي جوازي،
وسيفي شهادةُ قومي،
أبي جبلٌ منْ جبالِ الجزيرةِ،
أقدامُهُ في الخليجِ
وعيناهُ في اللاذِقِيَّةِ،
أُمّي بأفريقيا غابةٌ للأرانبِ
طاحونةٌ للبكاءِ.
إلى أينَ؟..
صاحَ رجالُ الجوازاتِ.
قلتُ: أنا النّارُ
والقهوةُ اليمنيَّةُ،
هذا الرَّمادُ الذي حولَ وجهي منَ الغَرْبِ،
والجُرْحِ..
لنْ تقفوا في طريقِ دمائي،
منَ المطرِ ابتدأَتْ رحلتي
عَمَّدَتْني الرِّياحُ،
سأدخلُ في الماءِ
في الصوتِ كيما أعانقَ شَمْسي
وأقرأَ في الجنَّةِ الضّائعةْ:

صوتَ الغابةِ
رائحةَ الجسدِ الأفريقي
لغةَ النهرِ الشَّبِقِ الكَسْلانْ
هذي أمّي
تتوكَّأُ قَرْنَ اللَّيلِ
وتحملُ عيناها كلَّ تجاعيدِ الأرضْ.
أطفالُ الحيِّ قبورٌ تتحرَّكُ في الجسدِ الميِّتْ
الفتيانُ عيونٌ مقفرةٌ وجدائلْ
الفتيانُ رصاصاتٌ تثقبُ وجهَ الحائطِ
مقهى الحيِّ المنبوذْ
صدرٌ يَنْزِفُ بالدَّمِّ / الجَمْرْ
يمضغُ أغنيةً حملَتْها الشُّطآنُ عنِ البَحْرْ
البحرُ رواها عنْ غابتِنا العذراءْ
أغنيةً داكنةً كالقهوةِ
كالكاكولا
كالجسدِ الأفريقي

تعلَّقْتُ بالرِّيحِ
لم أضطربْ،
كانتِ النّاطحاتُ
تحاذرُني،
وتقلِّبُ - مذعورةً -
نظراتِ التَّوَجُّسِ،
تقرأُ جِلْدي
ولونَ قميصي،
تضاريسَ وجهي،
تُقِضُّ مضاجعَ جدرانِها..
سِرْتُ لم يختلجْ قدمي،
حينَ أدركَني الخوفُ خافَ،
قرأتُ بعينيهِ
في الشَّعَرِ الذَّهَبِيِّ،
تواريخَ جيلِ الأسى
تَعَبَ الكادحينَ،
يلوِّحُ لي نابَهُ،
كادَ يشربُ ماءَ وريدي،
سمعْتُ نخيلَ الفراتِ
وماءَ الجنوبِ يحذِّرُني،
وَيَشُدُّ على ساعدي..
(يا هلا... ) ، صاحَ ماءُ الزُّنُوجِ
فطالَعَني ضوءُ (عبلةَ) في صوتِهِ:
أيّها النفطُ لو كنتَ مَمْلَكَتي
لم أبعْ للكهوفِ الرَّماديَّةِ اللَّونِ
وجهي،
ولم تغتربْ في دمي وردةُ المستحيلْ:

جسدي زنزانةُ أفكاري
ضَيَّعَني جِلْدي
قتلَتْني الرَّغْبَةُ في قتلِ الألوانْ
يا صوتَ الأرضْ..
يا واحةَ أحلامِ الشمسِ
ورايةَ أحلامِ الفقراءْ
يا نافذةَ الشوقِ إلى (عَبْلَةَ)
صوتُكِ قافلةٌ سمراءُ الرِّيحِ
وطوقُ نجاةٍ،
وجهُكِ جِسْرُ الآتينَ
إلى مدنِ الإنسانِ / الحُبْ
وَعْدُ المنذورينَ على الدَّرْبْ
مَوّالٌ في نهرِ التّاريخْ
فانْشَقّي عنْ فجرٍ يأكلُ أصنامَ اللَّيْلْ
يزرعُ وَرْدَ الحبِّ / الإنسانْ
يُرْجِعُ (عَبْلَةْ)
ويعيدُ الأُلْفَةَ للألوانْ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى