[esi views ttl="1"]
arpo28

الموقف الأمريكي من التمرد الحوثي في اليمن.. محاولة للفهم

دخلت حرب صعدة منذ أكثر من أسبوعين بعدا اقليميا واضحا، ومازالت تطوراتها مفتوحة على كل الاحتمالات. وبات البعد الدولي أكثر حضورا أيضا، لكنه يأتي هذه المرة على واقع شديد التناقضات وكثير المتغيرات التي تمر بها المنطقة.

وإذ يتحدد البعد الدولي هنا بالموقف الأمريكي من حرب صعدة وتطوراتها المقلقة، فهذا الموقف، ظل على مدى سنوات الحرب الماضية خاضعا للتحليلات والتفسيرات المتعددة. غير ان هناك شبه اجماع في أوساط المراقبين على ان الادارة الأمريكية رفضت حتى الآن اصدار بيان أو موقف صريح يساند الجهود اليمنية الحكومية في صعدة ويدين الحوثيين.

بل وعلى العكس من ذلك، دعت البيانات الأمريكية أكثر من مرة طرفى الحرب في صعدة إلى وقف إطلاق النار، كما انتقدت الحلول العسكرية، ورفضت إدراج جماعة الحوثيين في قائمة التنظيمات الإرهابية.

ورغم ان واشنطن كانت أول من نبه اليمن لظاهرة الحوثيين وهي ما زالت في المهد ومنذ ان كانت شعارا يطلقه أنصار الشباب المؤمن في الجامع الكبير وفي أزقة صنعاء القديمة، مرددين شعار "الموت لأمريكا.. الموت لاسرائيل"، وقبل ان تتفاقم المشكلة وتتخذ تلك العمليات العسكرية العنيفة والابعاد الاقليمية الحالية، وقبل ان تبرز قضايا "الحراك الجنوبي" وتتفاقم الاوضاع الاقتصادية. الا ان جميع المحاولات اليمنية الرسمية لاقناع الادارة الأمريكية بالدعم المطلوب أو بموقف مساند، باءت بالفشل.

وآخر هذه المحاولات، كانت خلال الاسبوعين الماضيين. ففيما كان المتابعون يترقبون الموقف الأمريكي من التطور الذي اضطر حليفتهم التقليدية في المنطقة للدخول في المواجهة مع الحوثيين، لكن موقف واشنطن جاء دون مستوى التطور وحجم الحدث على أقل تقدير. وكعادة أمريكية رافقت معظم البيانات الصادرة بخصوص الحرب في صعدة، أعرب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إيان كيلي عن قلق بلاده حيال توسع النزاع على طول الحدود بين السعودية واليمن. وهو المصطلح الأمريكي الذي تكرر أكثر من مرة، سواء في البيانات الصادرة عن السفارة الأمريكية بصنعاء أو في تصريحات المسؤولين الأمريكيين.

على ان المفاجئ في الامر، هو تأكيد مسؤول أمريكي لشبكة سي ان ان الاخبارية من ان بلاده لا ترى وجود أي رابط بين إيران وما قام به الحوثيون من تصعيد على الحدود اليمنية السعودية. وبعد أن أصدرت صنعاء ايحاءات خاطئة للمراقبين، وذلك في البيان الرسمي الذي تحدث عن توقيع الجانبين اليمني والأمريكي على اتفاقية للتعاون العسكري، الا ان واشنطن بددت هذه الايحاءات بالنفي.

ومن شأن هذه المواقف الأمريكية الاخيرة ان تعيدنا إلى نقطة البداية، وصولا إلى نظريات "الفوضى الخلاقة" و"مشروع الشرق الاوسط الكبير" والحديث المثار حول ابعاد التحالف الأمريكي الإيراني في المنطقة، وبالتالي دفع الكثيرين إلى اثارة المزيد من التساؤلات والشكوك حول سياسة واشنطن الجديدة في المنطقة.

ويقود هذا التوجه، فريق من المراقبين والمحللين السياسيين، حيث يذهب هؤلاء بالعلاقات الأمريكية الإيرانية إلى مناطق بعيدة عن سياسة المصلحة وفرض الامر الواقع كما المتغيرات الكثيرة في المنطقة وحتى شبه اليومية. وبناء على ذلك، تكون الدلائل والشواهد حاضرة بكثرة في سياق "نظرية المؤامرة" على العالم العربي والاسلامي.

وبالنسبة لما يجري في الحدود الشمالية لليمن، يرى أصحاب هذا التوجه ان أمريكا لم تكن بعيدة يوما من الايام عن احداث صعدة خاصة وأنها مستهدفة بشعار جماعة الحوثيين والذي يدعو بالموت لها ولحليفتها الاستراتيجية، اسرائيل، وترجع بعض المصادر سبب اندلاع المواجهات العسكرية بين القوات الحكومية والحوثيين صيف العام 2004م إلى ذلك الشعار.

وطبقا لهؤلاء، فانه كان من المفترض على الولايات المتحدة الأمريكية ان تقف وراء الحكومة اليمنية في حربها ضد الحوثيين. لكنهم يشيرون إلى حدوث عكس ذلك تماما استنادا على ما توفره البيانات والتصريحات الأمريكية الصادرة على خلفية الاحداث في صعدة، أو بناء على قراءتهم لتلك البيانات والتصريحات.

وتذهب دراسة صادرة عن مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث إلى أبعد من ذلك بالقول انه " من الغريب جدا أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال سفارتها في اليمن عملت على شراء الأسلحة من القبائل وأسواق السلاح المنتشرة وفي صعدة بالذات تحت ذريعة إنهاء معالم التسلح في البلاد، دون أن توضح مصير تلك الأسلحة."

وتشير الدراسة التي تناولت الموقف الأمريكي في البدايات الاولى للمواجهات العسكرية في صعدة، إلى ان البعض يرى بأن تلك الاسلحة قدمت عبر وسطاء للحوثي وأتباعه، بدليل وجود أسلحة متطورة وكميات من الذخيرة بل اكتشاف مخازن لها في صعدة.

وتضيف "إن أمريكا لم تكن في يوم من الأيام عدوا للحوثي، كما لم يكن الحوثي وأتباعه أعداء لها، وهذا ما أكده يحيى بدر الدين الحوثي." واوردت قوله في حوار مع قناة العربية بتاريخ 26/4/2005م، إن " مأزق السلطة اليمنية المتمثل بضرورة تسليم إرهابيين يمنيين إلى الولايات المتحدة دفعها إلى اختلاق عدو وهمي لأمريكا لذر الرماد في العيون." كما اوردت اتهامه للحكومة اليمنية بأنها شجعت بادئ الأمر شقيقه حسين على توجيه انتقادات ضد واشنطن، وعملت على إيجاد مناخ محرض في هذا الاتجاه.

وفي التطورات الحالية، تنقل جريدة الجريدة الكويتية عن مصادر دبلوماسية في واشنطن القول ان الحكومة الأميركية تنظر بريبة إلى الادعاءات التي تتحدث عن تورط إيراني مباشر في الحرب التي يخوضها الحوثيون ضد الحكومة اليمنية وضد الحدود السعودية من جهة أخرى. كما تشير إلى تشكيك المسؤولين الأميركيين في ما اسمته ادعاء اليمن بأنه اعترض سفينة محملة بأسلحة إيرانية.

وفيما اوضحت مصادر الصحيفة ان المسؤولين الأميركيين لايخفون القلق من أن يكون الرئيس علي عبد الله صالح هو من يحاول تأزيم الوضع بجره الإيرانيين إلى المشاركة في الحرب، في محاولة منه لإثبات ما يدعيه. اضافت الصحيفة " صحيح أن هذه المناورة قد تمنحه الدعم الذي يحتاج إليه ليخمد ثورة الحوثيين الراهنة، ولكن يبقى الأهم أن تفكر صنعاء في اليوم التالي، فواشنطن غير مقتنعة بأن ثمة حل عسكري لصراع الحوثيين الحالي."

واذا كان من المعروف للكثير من الباحثين أهمية تثبيت استقرار اليمن سياسيا وأمنيا ضمن إطار الذهنية السياسية الأمريكية كي لا يستفيد تنظيم القاعدة وهو العدو الرئيسي للنظام العالمي. لكن يبدو ان اليمن اخل بهذه القاعدة، بل وسعى إلى اثارة مخاوف الأمريكيين في هذا الصدد، كما تدلل على ذلك العديد من الشواهد.

لكن وفي اطار توسيع دائرة الخوف العالمي من تنامي ظاهرة الإرهاب لتشمل حركة الحوثيين في صعدة. يرى متابعون ان جميع المحاولات اليمنية فشلت سواء في الإطار الأمريكي أو الإطار الأوروبي الذين تكرر رفضهم في العديد من المناسبات السياسية إدراج حركة الحوثيين ضمن قائمة الحركات الإرهابية.

ويقول الدكتور زيد بن علي الفضيل ان هذا "يعني إدراك السياسي الأمريكي على وجه الخصوص لطبيعة الصراع في اليمن، وخلفياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، الأمر الذي لا يزال العديد من كتاب أعمدة الرأي المحليين والإقليميين في غفلة عنه حتى هذه اللحظة."

ومن المعروف أيضا، ان اليمن ظل على هامش السياسة الخارجية الأمريكية، لكن حادثة المدمرة الأمريكية "كول" في ميناء عدن العام 2000م، أدخلت اليمن إلى صدارة الاهتمامات الأمريكية، اذ دخلت علاقات الطرفين في مجالات التعاون الامني ومكافحة الارهاب.

غير ان الشاهد في مناسبات عديدة، تعرض هذه العلاقة للخلل والابتزاز ومحاولات لي الذراع، وأهم من ذلك، عنصر افتقاد الثقة، حتى انه يمكن القول بأن الاوضاع الحالية تمثل أسوأ اختبار للعلاقات بين الطرفين.

وكما يعد "الامن والاستقرار" حاجة ومصلحة يمنية في الاساس، فهو ايضا مصلحة أمريكية، وكثيرا ما جرى التأكيد عليه من قبل واشنطن في مناسبات مختلفة، وعلى اعتبار ان أمن اليمن جزء مهم من أمن المنطقة. وصحيح ان ما يجري حاليا في اليمن أمر مقلق للادارة الأمريكية. لكن مراقبين يؤكدون بأن السياسة الأمريكية تواجه تعقيدات كثيرة، فرغم أهمية ما يجري في اليمن، هناك ما هو أهم بالنسبة للأمريكيين في افغانستان وباكستان والعراق.

مشيرين إلى ان المسؤولين الأمريكيين يدركون منذ البداية ان شعار الحوثيين "الموت لأمريكا .. الموت لاسرائيل" مجرد شعار للتعبئة، رغم شعورهم بخطر توظيفه من جانب طهران.

ومع ذلك، يرى هؤلاء، بأن صنعاء تجاهلت ايضا المطالب الأمريكية بخصوص القاعدة، ودخلت في صراعات جانبية مع مختلف القوى المحلية. وبالتالي، كان رد الأمريكيين، عدم التورط في حرب كانوا أول من نبه المسؤولين اليمنيين إلى شرارتها، حتى وهي، اي الحرب، تدخل في منعطفات اقليمية مثيرة للقلق، خصوصا في ظل الحديث الذي يدور بشأن محاولات جر السعودية إلى ورطة الحرب بعمق، وبغض النظر عن القائم بمثل هذه المحاولات.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى