[esi views ttl="1"]
arpo28

رمضان في اليمن: اقتصاد منهك... وكساد في السّياسة والصّحافة

المتأمّل في الأوضاع يجد كثيرًا من الضبابية، لكنّ رمضان يأتي كلّ عام ليضفي جزءًا من السّكون على اليمنيّين سياسيًّا، وينسى الجميع في السلطة والمعارضة معاركهم على أرض الصحف وشاشات الأخبار ليهنأوا بقليل من النوم خلال النهار ومضغ القوت في الليل بعيدًا عن الواقع الحقيقي وصراخ الشارع بسبب الارتفاع المتكرّر للأسعار.

يبدو على أمّ رشاد ملامح السخط اليوم، وهي عائدة من إحدى البقالات الكبيرة التي تعرف بأنّها الأرخص في العاصمة، لكنّ الحال ليست كما عهدتها. تقول أمّ رشاد إنّ "القمح ارتفع سعر كيسه من 4200 ريال إلى 6000 ريال يمني خلال شهر، والسكر من 1900 إلى 2500 للكيس الصغير (10 كغ) وكذلك الأرز والزبادي والزيت، أمّا التمر فلا تتحدّث عنه".

"كلّ شيء ارتفع، لم يعد لمالنا قيمة، أصبح الحديث عن الراتب مجرّد وهم". هكذا تقول أم رشاد مستفهمة عن الوضع في الأرياف كيف يكون، على اعتبار أنّ الأسعار تكون في الأرياف مضاعفة بسبب المواصلات كون الطرق وعرة وأكثر من 60 في المئة من سكّان اليمن يعيشون في الريف.

هذه إحدى صور رمضان في اليمن، إلى جانب الصورة السياسية القاتمة، لكنّ الحديث في الوضع المعيشي ينسي الناس الحديث عن أي من أمور السياسة، فيما الساسة بدأوا بنفض غبار كراسي قاعة "معهد الميثاق" ليفتحوا باب الحوار بين السلطة والمعارضة.

هذا الحوار يحاول سباق الزمن للّحاق بموعد الانتخابات البرلمانيّة في إبريل - نيسان المقبل، لكنّ الأمر لا يهمّ أمّ رشاد التي تريد أن يفطر أولادها الخمسة من دون أن تفكّر بكيفيّة توفير ثمن ملابس العيد. أم رشاد لا تعلم لماذا سافر الرئيس إلى لندن، ولا تعلم لماذا قتل ضابط في الأمن السياسي في محافظة لحج التي تشتعل بما يسمى الحراك الجنوبي، ولا تعلم كيف سيؤول الحال في محافظة صعدة خلال الأيام المقبلة.

شهر التهدئة

يقول الصحفي اليمني سمير جبران ناشر صحيفة "المصدر" و"المصدر أونلاين" ل إيلاف إن "رمضان يأتي كل عام ليهدئ من الأوضاع الساخنة، وهذه المرة يحدث ذلك في صعدة أمّا في الجنوب فهذا الأمر لا يظهر، بالرغم من أن العام المنصرم شهد معارك ضارية في صعدة.

ويضيف جبران "هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة من حيث الأوضاع الاقتصادية المتردّية، وهي أوضاع أشدّ صعوبة من الأعوام السابقة". ويتحدّث سمير عن قضية الجنوب موردًا أنّها ربّما لن تهدأ وكلّ ما في الأمر الفارق أنّ الحراكيين غيّروا فقط الأنشطة والفعاليات من النهار إلى الليل". وحول الحوار بين السلطة والمعارضة فيرى "أننا ربما نشهد بطءًا في هذا الجانب على موضوع الانتخابات وإقامتها في وقتها المحدد".

أما بالنسبة إلى زيارة الرئيس إلى لندن فقد "كانت زيارة مفاجئة لكن على ما يبدو أن ترتيباتها كانت من قبل من دون أن يتم الإعلان عنها والدليل استقبال رئيس الوزراء البريطاني لصالح ويبدو أنها متعلقة بكثير من الملفات الداخلية، وملف الجنوب بالتأكيد سيكون حاضرًا، باعتبار أنّ بريطانيا لا يمكن أن تغيب عنها المسألة لاعتبارات تاريخيّة تتعلّق بالاستعمار البريطاني في اليمن الذي استمرّ لمدة 138 عامًا، وتاليًا فإنّ الأوضاع في الجنوب لا بدّ من أن تكون حاضرة إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية".

ويعتقد سمير جبران أنّ "تأثيرات ارتفاع سعر صرف الدولار ستكون قاسية على المواطن في اليمن، كون أسعار السلع مرتبطة بسعر الدولار وهذا ما حدث فعلاً، فبمجرد ارتفاع سعر الصرف ارتفعت أسعار المواد الغذائية، لكنّ ما خفّف من الوضع هو إقبال شهر رمضان بعد استقرار سعر الصرف من بعد ارتفاعه، وبالتأكيد لم يخفف من الوضع الاقتصادي على الناس ولكنه خفف من حالة الهلع التي كانت قد اجتاحت الناس قبيل شهر رمضان بأيام، حيث كان الأمر قد وصل إلى حد رفض بيع محلات الجملة للسلع وإغلاقها أمام الناس، وهذا كان مؤشّرًا خطرًا جدًّا على سوء الوضع ونشر الهلع والرّعب أمام الناس".

كساد حتى في الصحافة

وحول مبيعات صحيفته التي تعدّ إحدى أبرز الصحف المستقلة يقول جبران إنّهم يشكون كل عام من "تراجع مبيعات الصحف في رمضان، وهذا ما حدث خلال هذا الأسبوع فنسب التوزيع تتراجع بنسبة تصل إلى 30 في المئة.

يضيف: "الناس خلال شهر رمضان يتّجهون إلى مشاهدة القنوات الفضائيّة خصوصًا أنّ هذا العام يأتي في اليمن في ظلّ وجود خمس قنوات فضائية محلية غالبيتها خاصّة تتنافس على الجمهور إلى جانب انصراف الناس إلى مسائل العبادة والهموم المعيشية واختلاف أجواء رمضان، وخفوت حدة السياسة الأمر الّذي يجعل الناس ينصرفون إلى هموم أخرى لكن تظل هناك نسبة قراء موجودة إضافة إلى وجود المواقع الإلكترونية التي أخذت نصيبها من القراء وألاحظ من خلال موقعنا فإنّ عدد القراء لم يتأثر بدخول شهر رمضان كما هي الحال قبل رمضان".

فاكهة وجوّ يعوّضان عن هذه الأزمات

تعيش اليمن خلال هذا الصيف أفضل أيام السنة خصوصًا المحافظات الجبليّة وأبرزها العاصمة صنعاء التي تشهد أمطارًا شبه يوميّة تلطّف الأجواء وتجعلها من أفضل الأجواء في المنطقة على الإطلاق.

هذه الأجواء جعلت الناس يتنفّسون قليلاً بعيدًا من الأجواء الاقتصاديّة والسياسيّة الخانقة الأمر الّذي اعتبروه هبة إلهية للتخفيف من الضغط اليومي. وتزدان العاصمة بكمية كبيرة من الفواكه الموسمية أبرزها فاكهة الرمّان والتي تشهد كسادًا في الأسواق حيث يصل سعر الكيلو منه إلى أقلّ من نصف دولار.

كما تتوافر فاكهة الخوخ بكثرة وبأسعار زهيدة إضافة إلى الموز والبطيخ والتين المنتشرة في كلّ الأماكن. أما العنب فهو قصة هذه الأيام، حيث بدأت الأصناف اليمنية الشهيرة بالتدفق على أسواق المدن الرئيسة ويتوقع أن يشهد هذا الموسم تدفقًا كبيرًا لأصناف العنب خصوصًا بعد فتح الطرقات إلى محافظة صعدة التي تشتهر بأصناف هذه الفاكهة إلى جانب الرمّان والبرتقال والتفّاح وغيرها من الفواكه.

كما تنتشر فاكهة التين الشوكيّة على نطاق واسع في المدن اليمنيّة إضافة إلى الأرياف، لكن هناك مناطق تعيش على محصول هذه الفاكهة أبرزها منطقة غيمان الواقعة على بعد عدة كيلومترات شرق العاصمة صنعاء بالقرب من مسقط رأس الرئيس اليمني علي عبدالله صالح.

زر الذهاب إلى الأعلى