[esi views ttl="1"]
رئيسية

غزة: أبعاد المعركة.. ومحددات الانتصار

بدأت مجزرة صهيونية نازية جديدة ضد أهلنا في غزة. والمجازر هي أسلوب صهيوني نازى أساسي في استخدام آلة الحرب الصهيونية منذ نشأة الكيان الصهيوني – الذي قال مؤسسوه لولا المجازر ما قامت الدولة – وحتى الآن , وهو سيتواصل اعتماده ضد الشعب الفلسطينية طالما بقى هذا الكيان الإجرامي, فالمجازر عنوان الاحتلال الاستيطاني الصهيوني, ومكون أساسي من نظرية قيامه وبقائه.

وفي مواجهة المجزرة, ظهرت مجددا حالة النظام الرسمي العربي , مشلولا عاجزا مغيبا, وليثبت لجمهور العام أن جانبا منه مخترق أمريكيا صهيونيا , و لتجد جماهير الامة نفسها امام حائط سد داخل كل بلد يمنعها من القيام بواجبها في نصرة أهل غزة بالمال و الجهد و التطوع و المشاركة بشكل فاعل , بما يعيد تكرار ماساة الحركة الشعبية داخل دولنا , التى تجد نفسها بين واجبها في نصرة أهل فلسطين وماساة تحول جهدها إلى صراع داخلي ينتهي إلى خدمة العدو ايضا .

وبين هذا وذاك , أعادت السلطة الفلسطينية في رام الله إنتاج موقفها و تكرار دورها , كغطاء للعدوان و الدور و النشاط الصهيوني , بتكرار مقولاتها حول خطا اطلاق الصواريخ , لتحميل حماس المسئولية عن ما يقوم به العدو , اضافة إلى تجديد تلك السلطة خطاب الفتنة الداخلية , مع غطاء من احاديث شكلية فارغة تطالب العدو بوقف العدوان , دون اى تحرك عملى ولو حتى بوقف الاتصالات و التنسيق الامنى مع هذا العدو أو وقف مفاوضات يستثمرها العدو كغطاء لعمليات المجازر الاجرامية الجارية ضد الأهل في غزة .

ما الذى يجرى ضد غزة , ولم جر الان وليس قبل أو بعد هذا التوقيت المحدد ؟ وهل نحن في مواجهة ذلك , في مرحلة إطلاق المواقف أم في حالة إدارة المعركة ؟ وما الفرق بينهما ؟ وما هي أبعاد تلك المعركة الجارية , على الجانب الصهيوني .. و المرامى القريبة منها و البعيدة ؟ وكذا كيف نرى الأنسب في التخطيط والأهداف و السبل لدى قيادة أهلنا في غزة ؟ وماذا عن غزة المقاومة من بعد ؟ هل تنكسر ارادة المقاومة ؟ هل تنتصر غزة ؟ و ما هي محددات انتصارها , أو متى نقول انها انتصرت ؟

التوقيت

في توقيت المجزرة, فنحن أمام " الوقت " و" الظرف ". في الوقت, فقد كان مطروحا على طاولة اتخاذ القرار الصهيوني عدة مواعيد لارتكاب المجزرة الجارية, أهمها توقيت 9 يناير الذى يتوافق مع موعد انتهاء المدة القانونية لمحمود عباس في رئاسة السلطة , وقد جرى طرحه كتوقيت لبدء المجزرة لتحقيق هدف إنهاء ازدواجية السلطة, وتسليم غزة لعباس ليصبح نهجه في الارتباط بالمشروع الصهيوني مسيطرا على غزة والضفة معا . وكان هناك توقيت آخر طرح في حوارات الصهاينة حول الموعد هو يوم تنصيب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة , وقد فكر فيه الصهاينة كنقطة بدء في إرساء قواعد محددة وواضحة للإدارة الجديدة في التعامل مع الكيان الصهيوني والشرق الأوسط, تقوم على استثمار حالة الانكفاء على مشكلات الداخل الأمريكى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا - التى من البادى ان تلك الادارة الجديدة ستغرق فيها -لارساء قاعدة اعتماد الكيان الصهيوني "مديرا" لمنطقة الشرق الأوسط, وتسخير القدرة الأمريكية تحت الهيمنة الصهيونية في تلك المنطقة.

لكن الصهاينه توصلوا إلى التوقيت الجارى , على أسس متعددة – يبدو أن أطراف في سلطة رام الله كانت مؤثرة في تحديد بعضها – منها ضرورة تغيير الأوضاع في غزة قبل حلول موعد 9 يناير , ليأتي الموعد بلا مشكلات تهدد وضعية شرعية عباس وتمثيله في التفاوض , ولقطع الطريق على تطوير حماس أوضاعها السياسية في الضفة بعد انتهاء "ولاية" عباس , كما اختارت القيادة الصهيونية هذا التوقيت بعد ما تنامت حركة إرسال سفن بحرية محملة بالاحتياجات الانسانية لسكان القطاع, وقبل وصول سفينة إيرانية حتى لا تدخل "إسرائيل" وإيران في مشكلات مباشرة – أو في حرج متبادل - , وكذا جاء اختيار التوقيت بعد ما حدث تصعيد في لهجة الخلاف بين حماس وبعض الاطراف العربية التى كان لحماس علاقة طيبة بها . وفي كل ذلك يجب الوضع في الاعتبار أن العمليات جرت في يوم السبت الذي هو يوم إجازة في الكيان الصهيوني والذي سبق ان استثمرته مصر خلال حرب 73 .

وفي " الظرف " , فنحن أمام ثلاثة ابعاد :

أولها يتعلق باستثمار حالة الارتباك في الوضع الدولي .

وثانيها يتعلق باضطراب و تعثر الموقف العربى.

وثالثها يتعلق باضطراب الوضع الفلسطيني ودخوله في مرحلة إنتاج وضع جديد , أرادت القيادة الصهيونية أن تكون فاعلة في تحديد مساراته .

في أمر استثمار الصهاينة لحالة الارتباك الدولى , فالبادى ان الصهاينه قرءوا خريطة الصراعات الدولية المضطربة , فوجدوا تعدد المشكلات الدولية السياسية المتفجرة من حشد القوات على الحدود الباكستانية الهندية إلى الأوضاع في أفغانستان إلى تنامي الصراع الروسى الأمريكى , كما وجدوا العالم " محشور " في الأزمة الاقتصادية التي أربكت كل الدول, وهو ما وجدوه فرصة سانحة للقيام بمعركة في "منطقة" صغيرة بالمقارنة بالمشكلات الدولية الأخرى.

وفي أمر استثمار الصهاينة لحالة التبعثر العربى , فالبادى ان الصهاينة وجدوا الانغماس العربي والإقليمي في المشكلة اللبنانية , و تدهور العلاقات بين اطراف عربية كانت مثلت نقطة يتماسك عندها الموقف العربى , وتعدد المناطق العربية المتفجرة (العراق والصومال) إضافة إلى انشغال الدول العربية بالاوضاع الاقتصادية المتدهورة , فرصة للقيام بتلك العملية مع ضمان اقل رد فعل عربى عليها .

الخطة الصهيونية

في الخطة الصهيونية , فقد اعتمدت القيادة الصهيونية فكرة المباغة لغزة , كما هي اعتمدت فكرة نقل المعركة إلى ارض الخصم , لتوفير الوقت اللازم لتحقيق اهدافها .

في مسالة مباغتة غزة , فقد شهدنا تحركا مفاجئا للقيادة الصهيونية باتجاه سوريا , اذ كان لافتا قيام اولمرت بزيارة إلى تركيا , وسط ضجيج سياسي وإعلامي صهيوني حول توفر الفرصة لحل المشكلة مع سوريا , استمر لنحو اسبوع , قبل بدء المجزرة في غزة . وخلال هذا الضجيج جرى الحديث عن رفع درجة التفاوض من غير المباشر إلى المباشر . كانت خديعة صهيونية وقد قراها رئيس الوزراء التركى على هذا النحو , لذلك قرر الغاء استضافة تركيا للمفاوضات الصهيونية السورية . كما شهدنا تحركا " سلاميا " اخر للقيادة الصهيونية باتجاه لبنان , أو لنقل مناورة اخرى في هذا الاتجاه , اذ سبق مجزرة غزة أحاديث في الإعلام الصهيوني , وتحركات سياسية صهيونية مع قوات اليونيفيل المعززة المنتشرة على الحدود بين الارض المحتلة عام 48 و لبنان , تحت يافطة بدء الاستعداد للانسحاب من قرية الغجر .

لكن من كان يقرا التحركات الصهيونية , لاشك كان يدرك ان الخطة الصهيونية للعدوان على غزة قد دخلت طور تجهيز المسرح السياسى و الاعلامى للتنفيذ . لقد وزعت القيادة الصهيونية أوراقا في مجلس الأمن الدولي, تظهر فيها كدولة معتدى عليها من قبل حركة حماس في غزة , التي تطلق الصواريخ على " البلدات الصهيونية " في الجنوب . كما وجه اولمرت نداءا هو الأول في نوعه في تاريخ الصراع الصهيوني الإسلامي على ارض فلسطين , خاطب فيه الشعب الفلسطيني في غزة بلغة المصالح المشتركة بين الصهاينة والفلسطينيين في مواجهة " عدو مشترك " لهما هو حماس , فيما وصف بأنه سابقة في تصرفات الاحتلال تجاه الشعب الذى تحيله , بتوجيه نداء له للتحالف بين الشعب و الاحتلال ضد المقاومة!

لكن الأمر البارز في الخطة الصهيونية , كان هو فكرة نقل المعركة إلى أرض الخصم العربي. لقد أكثرت الصحف الصهيونية من الترويج لمقولة الغطاء العربى للعدوان على غزة , وتحدثت بعض الصحف صراحة عن طلب عربى من القادة الصهاينة بانهاء وجود ظاهرة حماس وسيطرتها على غزة , وهو ما تناقلته اجهزة اعلام عربية – ليست بريئة القصد والتوجه. صارت تروج له , حتى وصل الأمر ببعض القيادات التى تشعر باحتقان من ضعف الموقف الرسمى العربى , لترديد ذات الأمر الذي يصب في المصلحة الصهيونية .. تماما في تلك اللحظة.

الأهداف الصهيونية

في التعرف على ماهية و اتجاهات اهداف الخطة الصهيونية , فنحن امام سلسلة متنوعة من الاهداف منها المباشر و القريب ومنها البعيد ومنها الضمنى ومنها الصريح . و بصفة عامة – ولعدم الاطالة – يمكن تلخيص الاهداف الصهيونية كما يلى :

1- رسم مسارات الأحداث في داخل الأرض المحتلة عام 67 , باضعاف كلا المتصارعين , اذ استهدفت توجية ضربة " مجهضة " لحماس و قوتها وسيطرتها على غزة , و لفكرة المقاومة و جدواها وقدرتها , كما هي استهدفت جعل السلطة الفلسطينية موحدة تحت قيادة عباس , الذى يصبح في حال إطاحة حماس ( قوة وقدرة ) , أشد ولاء وارتباطا بالكيان الصهيوني هو و السلطة ذاتها , باعتبار ان الكيان الصهيوني يصبح في تلك الحالة صاحب الفضل على تلك السلطة في استعادة سيطرتها على غزة .

2- ترميم ما اصاب قوة ردع الجيش الصهيوني من عطب في فلسطين و لبنان وفي مواجهة غزة و في المنطقة كلها , اذ لم يتمكن هذا الجيش منذ سنوات طوال من تحقيق اى انتصار , بما اضعف قوته وسطوته داخل المجتمع الصهيوني وجعله في حالة تراجع , بنفس القدر الذى فقد هيبته وسطوته في المنطقة .

3- اعادة التماسك النفسي للمجتمع الصهيوني الذي تعرض منذ اندلاع الانتفاضة وحتى الان إلى حالة من التفكك و الانقسام و الاضطراب , اصبحت تهدد ببقاء الكيان الصهيوني , بعدما تبدت ظواهر جديدة , اهمها حاملوا الحقائب الجدد - كما يسمون في الكيان الصهيوني - وهم صهاينة حصلوا على جنسيات في دول غربية بعد ايداع اموالهم هناك وصاروا جاهزون للمغادرة إذا تدهورت الأوضاع في داخل الكيان اكثر من ذلك , وظاهرة تراجع الهجرة إلى فلسطين المحتلة وتنامى الهجرة العكسية , اضافة إلى فقد ثقة الصهاينة في حكوماتهم و مؤسسات الدولة .. الخ .

4- لكن الهدف الاهم و الابعد , أو لنقل الهدف الاستراتيجى للصهاينة من مجزرة غزة , قد تمثل في الوصول بالأوضاع في غزة إلى درجة من التفجير الكبير والخطير , لتنتهي إلى ما انتهت اليه اوضاع الصراع ضد لبنان في حرب يوليو 2006 , بوضع قوات دولية داخل الحدود اللبنانية . الصهاينة يستهدفون في نهاية مطاف تطورات هذا العدوان , و جراء ارتكاب تلك المجزرة , تحريك الوضع الدولى – و لذلك جرى الاهتمام قبل العدوان بالتقدم بطلبات حماية اسرائيل من صواريخ حماس – باتجاه ارسال قوات دولية , تنهي الارتباط بين الكيان الصهيوني وغزة بصفة شاملة , وتدفعها نحو مصر و تبعد غزة عن المساهمة الجهادية في تحرير فلسطين , بعد ما وصلت القيادة الصهيونية إلى خطا خطة فك الارتباط مع غزة من طرف واحد , التى جعلت غزة في صراع متواصل مع الكيان الصهيوني , وتسببت في تكثيف الضغوط على القيادة الصهيونية المسئولة عن كل مجريات الحياة في غزة .

5- ومن بعد , ووفق قراءة الموقف الصهيوني , فإذا نجحت الخطة يكون الكيان الصهيوني قد ضمن السيطرة على الضفة , بصفة شاملة وصار الطريق مفتوحا امامه لانفاذ خطة طرد الفلسطينين من عرب 48 باتجاه الضفة , بعد صياغة شكلية لدولة فلسطين هي اقرب لحظيرة خلفية للكيان الصهيوني , تؤدى دورها الوظيفي المحدد لها , في السيطرة على الشعب الفلسطينى واجهاض حركة المقاومة , واستقبال عرب 48 , لتحقيق " نقاء " الدولة الصهيونية كدولة " يهودية " , ولذلك صرحت وزيرة الخارجية الصهيونية – قبل المجزرة - بان اعلان الدولة الفلسطينية سيحقق الطموحات الوطنية للعرب في داخل "إسرائيل".

إدارة المعركة.. والانتصار

في الإدارة الصهيونية للمعركة , راينا البداية بالغة القسوة في القصف الأولى , كما شهدنا تركيزا صهيونيا في النشاط والدعاية على فكرة استهدافها لحماس و مقراتها و بنيتها التحتية , كذلك جرت محاولات حقيقة لنقل المعركة إلى الطرف العربى , من خلال التركيز على الدور المصري في محاصرة غزة , وعلى زيارة ليفنى وتصريحاتها في القاهرة , وهو ما اتاح الفرصة لإيران و مولوها للضرب على ذات الوتر , لحرف المعركة عن الوجهة بالاساس مع العدو المجرم القاتل .

اكن الاهم هنا هو ادارة المعركة الفلسطينية . وفي نمط و طريقة الادارة الاستراتيجية للمعركة على الطرف الفلسطينى و العربى والاسلامى , يبدو الامر مرتبطا بطبيعة الاوضاع الراهنة و بالاهداف المحددة من خوض تلك المعركة , وهو ما سيترتب عليه تحديد طبيعة الانتصار فيها , اذ ليس هناك " انتصار عام " في مثل تلك المعارك بل " انتصار محدد " .

وفي طبيعة الأوضاع فلدينا اشكالية انعزال غزة على المستوى العسكرى و الاقتصادى وعلى صعيد الحيز الجغرافي للمعركة , كما لدينا المشكلة العامة التى تتمثل في تفوق العدو عددا وعدة وعلى نحو لا يوجد فيه وجه للمقارنة على المستوى العسكرى .. الخ .

ولذلك فان الاهداف المحددة لخوض تلك المعركة من الطرف الفلسطيني, هي في تحقيق الصمود وعدم تمكين العدو من انفاذ اهدافه (قراءة اهداف العدو وإفشالها) , وفي كسر الحصار المفروض على غزة , ويشمل ذلك بطبيعة الحال , اعلى قدر من المحافظة على عوامل القوة للمقاومة (أفراد أو قيادة) , كما يمكن القول أن النصر في تلك المواجهة يتحقق ايضا بإنهاء حالة التفاوض بين سلطة رام الله و الصهاينة وإفشال مشروع السيطرة على الضفة .

وفي إدارة المعركة فان الامر يقوم على " الاقتصاد في استخدام قوة المقاومة – ليتحقق الصمود الطويل – وعدم الوقوع في فخ القتال حتى نفاذ القوة والقدرة , كما يقوم على تحريك الضفة نحو حالة تصعيدية ضد الكيان الصهيوني – على أن تكون في ذات الوقت ضاغطة على السلطة – ليتحقق هدف اشغال العدو لمنعه من التركيز على الضفة , وكذا تحريك الجماهير العربية ضد العدو الصهيوني لا ضد النظام الرسمى العربى أو دولة من دوله كما هو الحادث ضد مصر – مع توعية الحركة الجماهيرية بمخاطرة فكرة وصول قوات دولية , و العمل لفتح العاير بكل الوسائل و الطرق الممكنة , وتوسيع رقعة المواجهة لتشمل الولايات المتحدة , التى سيكون الضغط عليها فاعلا في هذا التوقيت بالذات.

المصدر: موقع المسلم

زر الذهاب إلى الأعلى