[esi views ttl="1"]
رئيسية

مأثورات أسفل الجبل!!

"اكتب كأنك من مداد البرق ترسم في الحصى صوراً وتذهب.."
القصة اكتملت.. وبلادي لا تريد أن تكتمل في الذهن.. ثمة صور متناثرة تحتاج إلى ريشة رسام مرهف الحس.. يعلم جيداً كيف يربط بين الأشياء، لكن هذا ليس زمن الرسم بل هو زمن الفيد والهلع.
في أسفل الجبل لم يزل اليمنيون يبذلون جهداً كبيراً لتقليب الحجارة المربعة إلى أعلى والصعود بها إلى قمة مملوءة بالأحجار.. يعترفون جميعاً أن ثمة مشكلة بلا مشاكل.. لكن يخلطون دائماً بين الأعراض والأسباب والنتائج ، مع خلل واضح في تمييز ماهية اللحظة المعاشة ونوعية الإجراء اللازم.

بلا بوصلة يتحرك الجمع اليماني باستمرار حثيث.. لهذا تتعدد الوجهات وتتناقض التفاسير: ثمة من يقسم أننا نعود إلى الخلف، وثمة من يقسم أننا نمضي إلى الأمام.. وأمثلهم طريقة يرجح أننا ندور حيث أنفسنا لنعود دائماً إلى نقطة البداية.. اليمنيون.. منهمكون تماماً في الإعراض عن تحليل المشكلة.. يعيشون بلا ذاكرة، ويتمرسون بلا نبل، يتراجعون بلا خطة، ويتوافقون بلا وفاء.. ويتجادلون بلا مروءة.. ويندفعون بلا يقين.
من المعتاد أن تصادف يومياً مئات المتناقضين تفيض عن كونها دليل ثراء وشارة حرية وبرهان تنوع,, الأمر ليس كذلك في هذه الأيام في اليمن؛ هذا التناقض العنيف ليس مصدره ثراء الرؤى وتثاقف الأذهان، ولكن مصدره الحقيقي هو الفراغ الشاخص و"العدم المنفوخ". في اليمن اليوم لدينا فائض من السياسة ونقص فادح في الفكر والثقافة والأدب.
ليس هذا زمن المقالح، والدكتور العمري، أو المؤرخ راشد أحمد ثابت، المفكر أحمد قائد الأسودي، أالمهندس فضل المعمري، التربوي عبدالفتاح جمال، الفنان أيوب طارش، القارئ يحيى الحليلي، ... إلى آخر المعشر الكريم الذي قلما تذكره الصفحات الأولى في الصحف.. كلهم أحياء.. كلهم صناع حياة.. ولكنهم ليسوا رموز هذه المرحلة التي يتحكم فيها منطق "البزنس" غير المضبوط بأخلاق أو حتى حصافة.
لا يبدو أن اليمني في هذه المرحلة يستطيع العثور على الفارق الجوهري بين التخريب والشجاعة، بين السعي والنهب، بين الصبر والجزع، بين العلم والجهل.. نحن شعب بلا ذاكرة واضحة وبلا هدف مرسوم.. وبلا خطة محكمة.. يقتاتنا الجدل العقيم وتشدهنا التوافه.
"ماض لا يريد أن يذهب، ومستقبل لا يريد أن يأتي".. ويوماً عن يوم، تفقد الكثير من القيم بريقها وينفش الخواء ريشة في ضلوع المحتشدين على لا شيء.
يوماً عن يوم نخسر المزيد من الشغف، ونؤوب إلى منازلنا في الكثير من الأسف.. ذلك أن هذا الشعب لايقدر مفكريه، ولا يكرم علماؤه، ولا يعتز بأحراره، ولا يقرأ ماضيه، ولا يحترس من أعدائه، ولا يبتسم في وجه محبيه.. ويتحطم التعليم أمام عيوننا، وينفرط عقد البلاد بدون أن يتحرك القادرون على الفعل لإيقاف هذا النزيف المخيف.
هذا اللغط الوطني العريض سيقود إلى واقع مختلف عن هذا الذي نعيشه. ومختلف عما كنا نرجو. (أيام كنا نرجو..) فماذا نحن فاعلون؟!
إصلاح الأوضاع بالطريقة الحالية لم يعد مجدياً.. وغياب المفكرين والعلماء والمؤرخين والشعراء والفنانين والخطباء عن ساحة ما يدور.. من شأنه أن يتكفل بإحداث هوة سحيقة تعيدنا إلى خلف الخلف.
نعيش في وضع سيء للغاية، لكن هنالك ما هو أسوأ، مع هذا فإن المهمة الملقاة على عاتق أهل القدرة والتأثير في يمن اليوم، تبدو صعبة للغاية.. لكنها لن تكون أصعب من تلك التي جابهها اليمنيون قبيل ثورتهم العظيمة سبتمبر وأكتوبر.
اليمنيون الآن "في اعتقادي" لا تنقصهم الشجاعة.. ولا تعوزهم رغبة التغيير إلى الأفضل، ولكن تنقصهم الحكمة وتعوزهم الكيفية.. لهذا نحن أحوج ما يكون إلى قرأة فكر الثوار وميراث الأحرار الذين انتصروا على تراكم قرون من التجهيل والتضليل والعجز المقيم.
ينبغي علينا قراءة مأثور الأحرار قبل أن تتطور حالة البلاد التي نعيشها إلى حالة من التنافر الذي يرتقي بدوره إلى طور من العداوة فالإحتراب فالخراب، الموجب تعميم الذل على الجميع الصالح منا والطالح.
عادل الأحمدي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى