[esi views ttl="1"]
رئيسية

اليمنيون في غوانتانامو.. حكومة متناقضة وجهود سعودية محرجة

حظيت عودة الشيخ محمد المؤيد ومرافقه محمد زايد باستقبال مهيب وحافل وسط فرحة غامرة بالعودة المحمودة من السجون الأمريكية. وفاجأ قرار السلطات القضائية الأمريكية بالافراج عن المؤيد ومرافقه زايد العديد من اليمنيين، فرغم هشاشة التهم الأمريكية الموجهة اليه منذ البداية، الا ان السنوات التي قضاها المؤيد ومرافقه في السجون الأمريكية، إلى جانب تقدم سنه والانباء المتتابعة عن تدهور صحته، كانت قد اصابت المعنويات لدى كثيرين في عودته حيا إلى ارض الوطن، في مقتل.

وكعادة وسمت الحياة السياسية في اليمن منذ سنوات، لم تفوت بعض الوسائل الاعلامية هذه الفرصة في البحث عن محاولات لتوظيف الحدث الانساني سياسيا. وتسائل البعض، ماذا لو اتجهت دوائر الضوء الاعلامية إلى بقعة أخرى حالكة السواد، والمتمثلة بالمعتقل الأمريكي سيء الصيت "غوانتانامو"؟ حيث لايزال هناك أكثر من مائة سجين يمني في ظروف انسانية صعبة.

وقد يكون الشيء المؤلم في هذه القضية الانسانية هو ان مئات السجناء اعيدوا إلى ديارهم من غوانتانامو في السنوات الاخيرة، لكن 14 شخصا منهم فقط كانوا من اليمن، من بينهم اثنين عادا كجثة هامدة بعد ادعاء الادارة الأمريكية بانهما انتحرا في السجن. والآن فان اكبر مجموعة من السجناء الـ202 الباقين تقريبا في غوانتانامو هم اليمنيون وعددهم نحو 104 معتقلا. وتؤكد مصادر متعددة انهم باتوا العقبة الرئيسية في اغلاق المعتقل بعد ان تعهد الرئيس الأمريكي باراك اوباما باغلاقه مع نهاية العام الجاري.

وخرجت علينا مصادر أمريكية واعلامية بتصريحات اخيرة لتؤكد مجموعة حقائق وفرضيات مؤلمة منها ان اليمنيون هم العدد الاكبر من بين المعتقلين. و إلى ذلك، لاتزال هناك معلومات متضاربة بشأن طلب الحكومة اليمنية أموال أمريكية لبناء مركز تأهيل للمعتقلين العائدين بصنعاء، وان ذلك هو ما ادى إلى توقف المفاوضات بين الحكومتين اليمنية والأمريكية بشأنهم، بالاضافة إلى ما يثار بشأن مقترح أمريكي أخر يقضي بنقل المعتقلين اليمنيين إلى السعودية لاعادة تأهيلهم هناك.

وفي الاسبوع الماضي، اعادت وسائل اعلامية الجدل الذي تكرر في الاونة الاخيرة إلى الواجهة مرة اخرى.

وتحت عنوان "مصدر مسئول ينفي مزاعم الصحوة نت حول المعتقلين اليمنيين في غوانتانامو"، اشار المصدر المسؤول إلى ان اليمن جددت وبإصرار ولأكثر من مرة مطالبتها الولايات المتحدة الأمريكية تسليمها جميع المعتقلين اليمنيين في السجون الأمريكية سواء في غوانتانامو أو في أي مكان آخر وعودتهم إلى بلادهم.

منوها بأن اليمن كانت قد أعلنت في وقت سابق عن إعداد برنامج متكامل لإعادة تأهيل من سيتم تسلمهم من خلال مركز خاص تم تجهيزه لهذا الغرض وذلك بهدف إعادة تعليمهم وتأهيلهم نفسيا وعمليا وماديا والعناية بهم وتسوية أوضاعهم الحياتية والعمل على إدماجهم في المجتمع بحيث يصبحوا عناصر صالحة لأنفسهم ولشعبهم ووطنهم.

ورغم ما يحسب للحكومة اليمنية من اثارة موضوع معتقلي غوانتانامو في ظروف استثنائية بعدما ترددت كثير من الدول والمنظمات الحقوقية عن اثارة القضية، بحسب المحامي محمد ناجي علاو. لكنه اتهم الحكومة بالفشل. وذكر علاو في ندوة مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية يوم الاثنين الماضي ان الحكومة "لم تنجح في إدارة المفاوضات مع الطرف الأمريكي حول إعادة تأهيل المعتقلين بعد الإفراج عنهم." وانها ايضا "لم تتقدم ببرنامج عملي محدد ومتكامل يشمل الجهات التي ستقوم بالتأهيل، والأنشطة التأهيلية، ولا حتى التقديرات المالية للقيام بعملية التأهيل، الأمر الذي حدا بلجنة المحاميين الإمريكيين المكلفة بملف القضية ترجيح خيار تأهيل المفرج عنهم في السعودية بدلا من اليمن."

( تكلفة عملية التأهيل)

وفي حين تؤكد المصادر اليمنية الرسمية غير مرة رفضها لهذا المقترح، تتضارب المعلومات بشأن طلب الحكومة اليمنية مبالغ مالية من واشنطن مقابل تأهيل المعتقلين العائدين في مركز تقرر تشييده بصنعاء. ورددت مصادر أمريكية واعلامية مختلفة ان اليمن رفضت استلام معتقليها قبل الحصول على 100 مليون دولار لقاء تكلفة عملية التأهيل. وبالرغم من نفي المصادر اليمنية الرسمية اكثر من مرة لذلك، لكن التصريحات الرسمية تشير إلى مبلغ 11 مليون دولار كتكلفة لعملية التأهيل، وان ذلك جاء بالاتفاق مع الحكومة الأمريكية، وتنفي مسألة وجود اشتراطات يمنية لتسلم المعتقلين.

يأتي ذلك، بخلاف تصريحات اعلامية نسبت لنائب وزير الخارجية محيي الدين الظبي، اشار فيها إلى حاجة اليمن إلى مائة مليون دولار. ونقلت جريدة الشرق الاوسط عنه القول ان " إعداد برنامج إعادة التأهيل سيكون طويلا ومكلفا وسيتطلب تعاونا، وأن الأميركيين كانوا محبطين لسماع ذلك." اما صحيفة يمن تايمز، فقد نسبت اليه قوله "من غير المعقول أن تدفع اليمن ثمن غلطة الولايات المتحدة الأمريكية."

الامر الذي دفع حقوقيون إلى استنكار هذه المواقف اليمنية المتناقضة. واعتبر المحامي خالد الانسي ان ربط الحكومة اليمنية بين استلام معتقليها والحصول على دعم مقابل ذلك نوعا من التناقض في مواقف الحكومة التي تتحدث أحيانا عن فرض شروط عليها تتعارض مع سيادتها وأمنها، حسب قوله.

وبحسب الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات هود، فانه يوجد نحو 104 معتقلا يمنيا في سجن غوانتانامو. اما عدد السجناء المفرج عنهم فيقدرون بنحو 19 شخصا. ويعد كرامة خميس سعيد خميسان احد هؤلاء السجناء المفرج عنهم. لكن المنظمة الحقوقية نشرت على موقعها الالكتروني قبل ثلاثة اسابيع تقول "بعد أن تلقى كرامة خميس سعيد خميسان براءته في فبراير 2006 بعد سجن استمر قرابة الثلاث سنوات في سجن غوانتانامو تم تقييد حريته مرة أخرى في16 مارس 2009 من قبل الأمن السياسي وإيداعه في حجز الأمن السياسي بمدينة الغيظة بمحافظة المهرة دون مسوغ قانوني."

كما ان عبد السلام الحيلة وهو أحد اليمنيين الذين لا يزالون معتقلين في جوانتانامو، تلقى أنباء وفاة والدته ونجليه وأخيه مؤخرا، وحذر من محاولة لاغتياله بزعم الانتحار والانهيار النفسي. وهذا ليس ما يؤلمه، بل موقف الحكومة تجاه ابنائها المعتقلين. ففي تسجيل صوتي نقلته منظمة هود على موقعها الالكتروني، أبدا الحيلة غضبه من بقاءه سنوات طوال في السجن، ومن تساهل الحكومة في استلامهم، وقال "هذولا يحتقروا الحكومة اليمنية: المحققين والمترجمين والمحامين يقولوا هذه حكومة شحاته.. كل ما نقلهم استقبلوا ابنائكم يقولوا جيبوا لنا 10 مليون دولار.. يشحتوا باسمكم." وأضاف الحيلة غاضبا "أذلونا وأذلوا أنفسهم".

وسخر مما اعتبره تأجيل ترحيل المعتقلين بسبب ملايين من اجل بناء مركز تأهيل يحتوي على مدرسة ومرفقات أخرى، بالقول "لو يكلم الناس ( الرئيس علي عبد الله صالح) و كل واحد دفع ألف ريال من اليمن كان صلح ألف مدرسة ولا إحنا بحاجة الأمريكان ولو كل قبيلة تغرم بمليون في نص يوم عتوصله ملايين الريالات."

وقبل نحو اسبوعين، اعاد الحيلة في اتصال هاتفي جديد مع اسرته، التأكيد على هذه المواقف. وفيما ارجع فشل اتفاق التسوية بين الحكومة الأمريكية واليمنية إلى أشياء في نفس الاخيرة. قال " نحن هنا رهائن سياسيين وعلى مسئولي البلد أن يعلموا أنه حتى في الشرع الإسلامي لو أنفقت الدولة كل مافي خزائنها من أجل أن تنقذ أسير فعليها ذلك". مضيفا "إذا كانت المسألة مسألة مال فيمكنهم حتى أن يجمعوها من التجار أما إذا كانت مسائل سياسية يطلبها الأمريكان تضر بمصلحة اليمن فنحن نفدي ديننا ثم وطننا بأنفسنا وأرواحنا .. ما عندنا مشكلة أما إذا كانت مسألة مال فقولوا لهم – أي المسئولين اليمنيين- أن يستحوا على أنفسهم."

جهود سعودية محرجة

و إلى جانب ما يتردد عن المال الذي تطالب به اليمن من الحكومة الأمريكية، تبدو الجهود السعودية محرجة لمواقف الحكومة اليمنية في هذا السياق. فرغم ان المعتقلين السعوديين كانوا يشكلون الرقم الاكبر من بين المعتقلين في غوانتانامو، الا ان الحكومة السعودية استعادت كافة ابنائها المعتقلين تقريبا. واعتمدت مركزا محليا للتأهيل، نال العديد من الاشادات.

وبحسب وسائل اعلامية سعودية، فقد دخل مركز الامير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية أكثر من 270 شخصا بينهم 117 من العائدين من غوانتانامو. وتؤكد تصريحات المسؤولين السعوديين ان المركز يمثل خط الدفاع الاول للمملكة في مواجهة تنظيم القاعدة، فهو يؤمن لنزلائه الطعام بوفرة ويضمن لهم الترفيه والدروس التي تؤكد لهم أن نواياهم كانت طيبة على الأرجح وإنما سلكوا الطريق الخطأ.

ويقول علي شايع النفيسة عضو لجنة المناصحة "ما نقوم به هو تصحيح لبعض الافكار المغلوطة لدى الموقوفين خصوصا في ما يتعلق بالجهاد وبالولاء والبراء والبيعة ونصرة المستضعفين."

ويضيف في تصريحات لموقع العربية نت " العالم اليوم اعترف بنجاح فكرة المناصحة، وأنا مع تعميم الفكرة، لأن النفس القابلة للإغواء واحدة، وتتشابه في كل العالم وطريقة الحل واحدة وجربناها في السعودية ونجحت."

وعلى خلفية ما اثاره الظهور الاعلامي لاثنين سعوديين من عناصر القاعدة العائدين من غوانتانامو ممن خضعوا لبرنامج المناصحة، جاءت زيارة وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس للسعودية في مايو الماضي. لكن الوزير الأمريكي أثنى على البرنامج السعودي، وقلل من اهمية العودة المسلحة لبعض العناصر، قائلا "أعتقد أن العمل الذي يقومون به في مستوى أفضل من أي برنامج آخر." كما اوضح بأن البرنامج مناسب لأولئك الذين تربطهم علاقات أسرية في السعودية.

وقال غيتس "اعتقد أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح متردد في أن يتحدث بصراحة ويقول "هذه فكرة جيدة". مضيفا "ربما يشعر بأن الأمر قد يشكل مؤشراً على عدم أهلية اليمن للتعامل مع المسألة".

إن المشكلة، من المنظور الأميركي، هي البيئة التي سيعود المعتقلين اليها أكثر من كون المشكلة تخص المعتقلين أنفسم. وكما يرى تقرير العودة من غوانتانامو إلى اليمن، فقد مكث السجناء اليمنيون في غوانتانامو وبغرام أكثر من أي جنسية أخرى، ليس لأنم – كجماعة – يمثلون تهديدا أكبر، بل لأن الولايات المتحدة ترى دولتهم مثيرة للقلق بشكل خاص.

ويقول التقرير الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش "اليمن – الدولة الفقيرة غير المستقرة سياسيا الواقعة في شبه الجزيرة العربية – شهدت تصعيدا كبيرا في العنف في السنوات الأخيرة، وكان للقاعدة وأتباعها صلات بالعديد من الهجمات التي وقعت مؤخرا هناك".

وبتعبير أخر، هناك حالة متنامية من انعدام الثقة بين واشنطن وصنعاء في مجال التعاون الامني، وقد عبرت هذه الحالة عن نفسها في كثير من ملابسات العمليات المنسوبة لتنظيم القاعدة في اليمن، كما أشارت عدة تقارير إلى ذلك، منها التقرير الصادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى منتصف الشهر الماضي، والذي رصد حالة تناقض المصالح بين البلدين، وكيف مكنت تلك السياسة، تنظيم القاعدة من التغلغل داخل الاراضي اليمنية واثارة مخاوف المجتمع الدولي من جديد.

وأيا تكن الملابسات والسياسات، فان المناشدات والبيانات الحقوقية والصادرة عن أسر هؤلاء المعتقلين، تتمنى انتهاء هذه المحنة قريبا، وان لا تظل قضية المعتقلين اليمنيين وقد مر على بعضهم ثمان سنوات دون نسب اتهامات اليهم، ورقة للتوظيف والمساومات والمفاوضات المطولة بين الجانبين اليمني والأمريكي، وكأنه لا بواكي لهم.

[email protected]

مواضيع متعلقة

أسماء 102 معتقلين يمنيين في معتقل غوانتانامو بخليج الخنازير

اليمن يجدد رفضه تسليم مواطنيه المعتقلين في غوانتانامو إلى أي بلد آخر

وواشنطن سوف تنقل 100 معتقل يمني من غوانتانامو إلى السعودية

مباحثات يمنية أمريكية للإفراج عن المعتقلين اليمنيين بغوانتنامو

واشنطن تدرس إرسال معتقلين يمنيين إلى السعودية

العائدون إلى اليمن من أفغانستان (دراسة خاصة)

المعتقلون اليمنيون بجوانتانامو يرفضون ترحيلهم إلى غير بلادهم

هيومن رايتس تدعو صنعاء وواشنطن لحل خلافاتهما

اليمنيون في غوانتانامو والتوظيف الأمني بين صنعاء وواشنطن

زر الذهاب إلى الأعلى