[esi views ttl="1"]
رئيسية

التدخل الإيراني يزداد شراسة والعرب يتفرجون

من المفارقات أن عدد الشكاوى العربية من التدخلات الإيرانية في المنطقة فاق في الفترة الأخيرة الشكاوى من التدخلات الأمريكية والإسرائيلية، وتؤكد الأزمات المتفجرة في أكثر من قطر عربي أن أصابع إيران تفعل فعلها وأن نيرانها متقدة في كل أزمة.

خلال الأيام الماضية وفي مناسبتين على الأقل، أدانت إيران نفسها بنفسها عن تدخلها المتواصل في الوطن العربي، وتعبير الإدانة ليس بالضرورة اعترافا بأنها تذكي القتال الناشب بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين في اليمن، أو أنها تحرك بقايا ميليشيات الفتنة في العراق، وإنما هي إدانة فضحتها تصريحات لمسؤولين فيها تدخل في باب النهي عن المنكر واتيانه في نفس الوقت.

إذ بعد أيام من العثور على أسلحة إيرانية في مخازن للمتمردين الحوثيين وتلميح مسؤولين يمنيين إلى أن إيران متورطة في إشعال فتيل المعارك في صعدة، دعا مسؤول في الخارجية الإيرانية أمس إلى وقف المعارك في صعدة وايجاد حل سياسي للقتال، لكن هذا المسؤول تجاهل اتهام صنعاء لبلاده بدعم التمرد الشيعي، وهو اتهام متأكد وأدلته تمتد إلى عام 2004.

وإذا كان التدخل الإيراني في اليمن لا يتم بالشكل المفضوح، ويمكن لقادة الطهران التنصل منه بطريقة أو بأخرى فإن واقع الحال في العراق عكس ذلك تماما، وأثبتت التفجيرات المروعة التي ضربت قلب بغداد الأربعاء الماضي أن من نفذ تلك الخطة ليس حزب البعث أو المقاومة الوطنية، فهذه الجهات نفت مسؤوليتها عن جريمة أدانتها بأشد العبارات، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر مقربة من دوائر الحكم في المنطقة الخضراء أن من نفذ العملية هي ميليشيات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وقد تمت التفجيرات بواسطة أسلحة إيرانية الصنع.

تلك التفجيرات قسمت حكومة نوري المالكي شيعا، فمنهم من اتهم إيران وأعطى الدليل على تورطها في التفجير، ومنهم من دافع عن حكام طهران وفبرك المسرحيات لتبرئة ساحتها كتلك التي أظهرت رجلا يزعم أنه قيادي من حزب البعث وأنه مسؤول عن التفجير الذي استهدف وزارة المالية، والكل يعلم أن وزارة المالية في بغداد هي محور صراع كبير بين شيعة موالين وآخرين معارضين لطهران، وكانت من آخر المفاجآت ما أقدمت عليه ميليشيا تابعة لما يسمى "نائب الرئيس العراقي" عادل عبد المهدي، حين لهفت ملايين الدولارات كانت مخصصة لرواتب وزارة الداخلية الشهر الماضي.

وفور وقوع تفجيرات الاربعاء الماضي التي خلفت أكثر من سبعمائة قتيل وجريح، وحينما بدأت أولى التحقيقات تفضح الأصابع الفارسية سعى المسؤولون الإيرانيون بعد أربعة أيام إلى إدانة تلك التفجيرات، بل وأعربوا رياء عن حرصهم على أمن العراق، وهم يعرفون أن المكاسب التي حققوها جراء الاحتلال الأمريكي لم يحققها حتى الأمريكيون أنفسهم في بلاد الرفدين.

ما سبق من وقائع قد لا يعني الكثير في سجل التدخل الإيراني في شؤون المنطقة العربية وتحديدا خلال السنوات الأخيرة، فهو أكثر من أن يضمه سجل، وما ارتكبه "الصفويون الجدد" من جرائم في أكثر من ساحة وخصوصا العراق كاف ليجعل من إعادة النظر في العلاقة مع هذه الدولة أمرا مصيريا، اللهم إلا إذا أصبح المصير العربي المشترك والوطن الواحد شيئا من الماضي.

على صعيد الممارسة تطبق غالبية الأنظمة العربية سياسات موغلة في القطرية وعوض أن تلعب جماعيا دورا رائدا يمكنها من النهوض داخليا والوقوف صوتا واحدا في مواجهة القوى الإقليمية والعالمية، نجدها تتحالف مع هذا الطرف الذي هو في الأصل عدو لدود، تتحالف معه ضد بناء جلدتها وعلى أقطار شقيقة لها أعلى منها شأنا.

المقصود من هذا الكلام هو بعض الدول العربية ومنها قطر، التي تنظر إلى إيران على أن دولة "شقيقة" ويمكن الاستفادة من دورها المتنامي في المنطقة، في حين أن هذه "الشقيقة" تعد ما في وسعها من قوة وتحالفات، لا لمواجهة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وإنما لخدمة مصالحها وإعادة مجدها الغابر على حساب جيرانها وخصوصا العرب.

منذ سنوات طويلة سجل كثير من العرب مواقف مشرفة دعت دول الجوار العربي إلى إقامة علاقات طيبة تقوم على التعاون والتكامل، ونبذ كل ما يعطل مسيرة التنمية، وهذه الدعوات كانت موجهة بالخصوص إلى إيران وتركيا، إذ هما البلدان الإقليميان الكبيران اللذين يحدان الوطن العربي من الشرق والشمال، وهما بلدان ما يجمعنا بهما أكثر مما يفرقنا وأوله الإسلام الحنيف.

لكن وبينما سلكت تركيا في العقود الأخيرة سياسة اتسمت، لأسباب عدة، بعدم التدخل في القضايا العربية نجد إيران تفعل العكس، وخصوصا منذ قيام الثورة التي قام بها الخميني عام 1979، ففي تلك الفترة استبشر ملايين العرب بسقوط أحد أكبر عملاء الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، وهو نظام الشاه، لكن المفاجأة أن إيران بعد الثورة أصبحت أشد خطرا على العرب، بل دخلت في حرب على العراق طوال ثماني سنوات.

كما كشف بعض أصحاب العمائم أن عصرهم هذا هو عصر "المهدي المنتظر"، وأنه يجب تهيئة الأجواء لقدومه، ولا تتم التهيئة إلا بالسيطرة على العرب وإذلال أهل السنة منهم "النواصب"، لكن الوقائع أظهرت أن كثيرا من الشيعة العرب الذي رفضوا المشاريع الإيرانية أصبحو في نظر الصفويين الجدد خارجين عن الملة ويجب وضعهم في خانة الأعداء.

هذه "الترهات" هي التي تقود العقيدة السياسية في إيران وهي التي تملي عليها التدخل في العراق بتلك الوحشية وبتلك الخطط المدمرة، كما تدفعها العقيدة نفسها إلى تأزيم الوضع في اليمن ولبنان والبحرين والامارات ومصر وحتى المغرب الأقصى، لتجعل من الوطن العربي كله منطقة مفككة غير قادرة على الدفاع عن نفسها أو حل قضاياها دون تدخل من قوة إقليمية.

طموح إيران المعلن لم يعد خافيا، فهي تسعى إلى جعل مفاتيح قضايا المنطقة كلها تحت جلباب علي خامنئي وكل العمائم في طهران وقم، تستطيع من خلالها أن تفرض شروطها على هذا القطر أو ذلك، في انتظار أن تتهيأ الظروف وتستولي على جميع مقومات القوة، بعدما بدأت بالفعل تعلن السيطرة التدريجية على أمن الخليج العربي وتصادره لخدمة مصالحها.

إيران شأنها شأن كل قوى التوسع لا تنمو إلا في منطقة موبوءة بالأزمات، وإذا لم تجدها فإنها تصنعها، هذا هو الأمر الذي طالما حذرنا منه في السابق، ولكن بلا جدوى، وربما تدفع التطورات التي تجري في اليمن والعراق وتعطل قطار تشكيل الحكومة في لبنان إلى مراجعة الدور الإيراني في المنطقة وتحديد معالمه ووضعه في إطاره المناسب.

زر الذهاب إلى الأعلى