[esi views ttl="1"]
رئيسية

دراسة/ الحوثيون في اليمن .. مخاوف من نشوب حرب جديدة

شهد اليمن منذ عام 2004 مواجهات مسلحة بين الحكومة والجيش اليمني ضد الحوثيين المتمركزين في المحافظات الشمالية، خاصة محافظة صعدة، تخللتها فترات من التهدئة. وبعد إعلان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح فشل التهدئة بين الحكومة اليمنية والحوثيين في مارس من العام الحالي في محافظة صعدة.

وتجدد أعمال العنف والمواجهات بين الحوثيين والجيش اليمني، تتصاعد المخاوف من اندلاع جولة جديدة من المواجهات المسلحة، تضاف إلي الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها الحكومة اليمنية، والمتمثلة في تجدد النزعات الانفصالية، والأحداث الاحتجاجية، والعنف في الجنوب، والتهديدات التي تشكلها الجماعات الإرهابية، وتنظيم القاعدة، وتدهور الاقتصاد اليمني، وتناقص عائدات النفط وتأثرها بالأزمة الاقتصادية العالمية، والتي تشكل مجتمعة تهديدا لاستقرار اليمن ووحدة أراضيه، وتدفع بترجيح سيناريو انهيار الدولة وتحولها إلي دولة فاشلة 'Failed State'.

وقد تأرجحت وتيرة الحرب بين التصعيد والتهدئة بين الحوثيين والحكومة اليمنية منذ عام 2004، شهدت خلالها المنطقة الشمالية، خاصة محافظة صعدة، خمس جولات من الحروب والمواجهات المسلحة الدامية بين الجماعة الحوثية والجيش اليمني. وقد بدأ الصراع بمحاولة اعتقال حسين الحوثي بعد خروج جماعة الشباب المؤمن التي يرأسها الحوثي في مظاهرات، مرددة شعارات معادية للولايات المتحدة وإسرائيل. واستمر القتال بين الحوثيين والقوات الأمنية، وأفضي إلي قتل حسين الحوثي. ولم تنته الحرب بقتل الحوثي، بل استمرت المواجهات المسلحة والحروب بين القوات الأمنية والعسكرية اليمنية من جهة، وجماعة الحوثي بزعامة عبد الملك الحوثي، كان آخرها الحرب التي اندلعت عقب الاتفاق المبرم بين الطرفين في فبراير 2008 بوساطة قطرية، بعد أن تبادل الطرفان الاتهامات بعدم تنفيذ بنود الاتفاق. وأعلن الرئيس في شهر يوليومن العام ذاته وقف القتال من جانب واحد، وانتهاء ما يعرف بالحرب الخامسة. بيد أن ذلك لم ينه الصراع بالكامل، بل شكل تهدئة مؤقتة أعلن بعدها الرئيس منذ عدة أشهر انتهاء التهدئة وتجدد أعمال العنف، الأمر الذي يرجح سيناريواندلاع حرب سادسة.

وتمكنت الحكومة اليمنية من تغطية الصراع الدائر في محافظة صعدة كجزء من الحرب علي الإرهاب، وتصوير جماعة الحوثي بصورة الجماعة المتمردة والمتطرفة الخارجة علي النظام. ساعدها في ذلك التصريحات الصادرة عن القادة الحوثيين وجماعة الشباب المؤمن المعادية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

في ظل هذه الأحداث وتصاعد المخاوف من أحداث العنف في اليمن، والتي تهدد استقراره ووحدته، صدرت دراسة حديثة لمؤسسة International Crisis Group تحت عنوان 'Yemen: Defusing The Saada Time Bomb'(1). حذرت فيها من دخول الصراع الدائر بين الحوثيين والحكومة اليمنية منذ عام 2004 في حرب جديدة.

فبالرغم من الاستقرار النسبي لليمن، وصمود الدولة أمام كثير من التحديات في العقدين الأخيرين، وتمكنها من الحفاظ علي وحدة الشمال والجنوب منذ عام 1990، إلا أن تجدد الصراعات بين الشمال والجنوب، والأزمة الاقتصادية، وتناقص الموارد النفطية والمائية، بالتزامن مع تجدد التصعيد في إقليم صعدة .. كل هذه العوامل مجتمعة تهييء لحرب جديدة.

انتقدت الدراسة التفسيرات والرؤي الخاصة بكل من الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية، باعتبارها غير كافية لتفسير استمرار الصراع لمدة خمس سنوات. ففي حين تتهم الحكومة الحوثيين الذين ينتمون للطائفة الزيدية الشيعية بالتطرف والإرهاب، وعدم اعترافهم بشرعية النظام الحاكم وخروجهم علي القانون والنظام، وسعيهم لقلب نظام الحكم في اليمن لإعادة نظام حكم الأئمة الزيديين الذي أطاحت به ثورة الجمهوريين عام1962، والعمل علي نشر فكر ديني متطرف يبتعد عن الفكر الزيدي المعتدل ويقترب من الفكر الشيعي الجعفري - تسعي الحكومة اليمنية للحصول علي دعم الدول الغربية لها في مواجهة الجماعة في إطار الحرب الدولية علي الإرهاب. في المقابل، يدفع الحوثيون بالأسباب الطائفية، وأن الحكومة اليمنية لا تستهدف فقط الحوثيين، إنما تستهدف الطائفة الزيدية الشيعية بأكملها، وتتحرك لاعتبارات طائفية وأيديولوجية وتاريخية في تمييز صارخ ضد الأقلية الزيدية المتمركزة في المحافظات الشمالية، وتجردهم من حقوقهم، وتقوم بشكل مستمر بتدمير مدنهم ومؤسساتهم والبني التحتية للمحافظات، وتستبعد المحافظات الشمالية من برامج التنمية الاقتصادية.

بعيدا عن تلك الادعاءات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، عددت الدراسة عدة عوامل أسهمت بصورة كبيرة في تعقد الصراع في منطقة 'صعدة'، تتخطي الدعاية التي تقوم بها الحكومة، والمبررات التاريخية والطائفية الدينية التي يدفع بها الزيديون والحوثيون لتفسير الانتهاكات والتمييز ضدهم من قبل الحكومة اليمنية. يتمثل أول تلك الأسباب في تراكم المظالم، فقيام الجيش اليمني بقذف وتدمير القري بما أسفر عنه من ضحايا من المدنيين من غير الحوثيين، وجماعات الإحياء الزيدي، وتدمير للبنية التحتية والمؤسسات، أدي إلي استعداء أهالي المنطقة، ومنهم من لم يكن من المتعاطفين مع الحوثيين، مما دفعهم إلي حمل السلاح والدخول في مواجهات مسلحة ضد الجيش اليمني، انتقاما لضحاياهم، واحتجاجا علي ما أحدثته الحكومة اليمنية وجيشها من خراب ودمار في المنطقة وإقصائهم من خطط التنمية الخاصة بالدولة. يضيف إلي ذلك العصبية القبلية التي تدفع بأهالي القبيلة الواحدة إلي التعاطف مع بعضهم بعضا، ومساعدة الحوثيين في حربهم ضد الجيش اليمني. كما أن عدم تصفية المظالم، وتعويض أهالي المحافظة عن خسارتهم البشرية والمادية ساعد علي استمرار الصراع واتساعه ليشمل أطرافا أكثر، ويتخطي محافظة صعدة إلي كافة محافظات الشمال (الجوف وعمران وحاجة) ويقوض أي فرص للتهدئة.

من ناحية أخري، انضم عدد من القبائل إلي الجيش والحكومة اليمنية في مواجهة الحوثيين، مما أدي إلي اشتعال حروب قبلية في المحافظات الشمالية. ليس المقصود هنا استبدال الصراع الأصلي بصراع آخر قبلي، ولكن الصراع الأخير يعزز الأول ويزيد من تعقيده، مما يصعب حل الاثنين معا.

ثانيا- تشير الدراسة إلي عدم تنسيق وتناقض بين ممارسات الحكومة والجيش، يرجعها البعض إلي النقاشات الدائرة حول من سيخلف الرئيس علي عبد الله صالح في رئاسة الجمهورية، حيث يسعي الرئيس لتولية ابنه منصب الرئاسة من بعده، إلا أن سيناريو التوريث لا يلقي قبولا من كافة النخبة الحاكمة. ويبرز علي الساحة اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية، والمسئول عن العمليات العسكرية في محافظة صعدة.

ويري بعض المحللين أن هذه الحرب يتم توظيفها من قبل الرئيس الحالي لتشويه صورة علي محسن لاستخدامه العنف داخل المحافظات الشمالية، في الوقت الذي يظهر فيه الرئيس وابنه بصورة الحكام البراجماتيين القادرين علي وضع حد للعنف وإنهاء الحرب بصورة سلمية. هذا، وينظر إلي الانقسامات والمنافسات بين القادة اليمنيين كعائق يسبب تعقد الصراع، ويقف أمام فرص حله، ويؤدي إلي التضارب وعدم الاتساق لدي الجانب الحكومي، ويعتبره البعض سببا في فشل محاولات الوساطة التي سعت إليها أطراف داخلية وإقليمية.

ثالثا- أدي الصراع إلي حرب اقتصادية، يتنافس فيها المسئولون، ورجال الدولة، وقادة الجيش، وزعماء القبائل علي السيطرة علي الحدود الشمالية لليمن مع المملكة العربية السعودية والحدود الساحلية المطلة علي البحر الأحمر. ورتب استمرار الصراع تربحهم من تجارة السلاح، وكذلك زيادة الميزانية العسكرية للدولة بدون رقابة حكومية أو غير حكومية. وخلال العقود السابقة، كانت الحدود الشمالية الطريق الرئيسي لتهريب المخدرات والسلاح وحتي الأشخاص عبر الحدود السعودية، مما يعني أن للقيادات، سواء من شيوخ القبائل أو من قادة الجيش، مصالح من وراء استمرار الحرب في صعدة. وأدت الحرب إلي قيام الحكومة بتجنيد الميليشيات العسكرية التي تشبه المرتزقة، مما يعني زيادة المستفيدين من استمرار الحرب واتساع نطاقها.

ولا تستبعد الدراسة العامل الخارجي في تعقد الصراع. فمنذ اندلاع الحرب الأولي بين طرفي الصراع عام 2004، تكررت الادعاءات الحكومية بتحالف الحوثيين مع إيران التي تدعم المتمردين ماديا وعسكريا وسياسيا بهدف خلق تمرد شيعي علي الحدود السعودية، وأن بعضهم قد تلقي تدريبات في إيران. بينما اتهم الحوثيون الحكومة اليمنية بالانقياد وراء المملكة السعودية والولايات المتحدة، ولذا فقد سعت السعودية لإفشال الوساطة القطرية لتسوية الصراع عام 8002. ومن الصعب استبعاد التدخل السعودي، رغم تصريحات المسئولين بعدم تدخل المملكة العربية السعودية في الشأن الداخلي اليمني. ويرجع ذلك إلي الحدود المشتركة، بالإضافة إلي المساعدات المادية الرسمية والمباشرة التي تقدمها إلي الحكومة اليمنية.

في هذا الإطار، ينظر البعض إلي الصراع كحرب بالوكالة بين كل من طهران والرياض علي الأراضي اليمنية في ظل صراع أوسع بين الدولتين، منذ اندلاع الثورة الإيرانية وحتي الآن، خاصة مع تنامي النفوذ الإيراني في مناطق متعددة من الوطن العربي في العراق، وعلاقاتها بحزب الله في لبنان، وحماس في غزة.

غير أن الدور السعودي قد يكون أكثر تعقيدا مما يدعيه الحوثيون. فالأرجح أن الرياض في الماضي قد دعمت واستقبلت علي أراضيها بعض العناصر الزيدية والحوثية الذين فروا بعد الثورة الجمهورية عام 1962، والتي عارضتها المملكة. وأغلب الظن أن الأطراف والقوي المختلفة داخل المملكة السعودية (الحكومة والمؤسسات الدينية والمؤسسة الأمنية والقبائل وجماعات المعارضة ورجال العمال) لديها مصالح متضاربة في اليمن، مما يؤدي إلي تناقض أفعالها. فيجد بعضهم مصلحة في إضعاف الحكومة اليمنية، وإفشال سيطرتها علي الدولة، بينما يدعم آخرون الحكومة اليمنية في مواجهة أعمال التمرد والعنف والإرهاب، ويخشون انهيار استقرار اليمن بما يمكن أن يؤثر علي عدم الاستقرار وعجز الدولة عن حفظ الأمن، وفرض سيادتها علي أراضيها من تهديد لاستقرار المملكة، وانتقال أتباع القاعدة عبر الحدود اليمنية - السعودية. للمملكة السعودية إذن مصلحة حقيقية في تحقيق الاستقرار والأمن في اليمن، ومواجهة الإرهاب والتطرف.

ويشكل صمت الدول الغربية وعدم تحركها لحل الصراع أحد العوامل التي سمحت باستمرار المواجهات والحروب بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وصولا إلي وضع الدولة الضعيفة الهشة في مواجهة أعمال العنف المستمرة. ساعد علي ذلك ندرة المعلومات، وعجز منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والصحفية وغيرها من الجهات المهتمة بحل النزاع عن دخول الإقليم أو الاتصال المباشر بالقيادات الحوثية بسبب الحظر الذي تفرضه الحكومة اليمنية علي مناطق الصراع، بالإضافة إلي غياب أجندة واضحة أو رؤية تعبر عن مطالب الحوثيين. كما أن الخطاب الحوثي العدائي للولايات المتحدة وإسرائيل ساعد الحكومة اليمنية في إدراج حربها ضدهم في إطار الحرب علي الإرهاب، وتصوير الحوثيين للغرب باعتبارهم جماعات إرهابية متطرفة تقوم بأعمال عنف وإرهاب علي الأراضي اليمنية، وتدعولكراهية الغرب.

وقد كانت هناك عدة محاولات لإنهاء هذا الصراع، كانت أولاها محاولة داخلية من قبل الحكومة، قامت خلالها بتشكيل لجنة وساطة يمنية تتكون من قيادات من الحكومة ومن المقربين من الجماعة الحوثية، لكن دون تحقيق أي اتفاقات أوصلح بين الطرفين. ويرجع ذلك بالأساس إلي غياب التنسيق بين الحكومة والجيش، الذي استمر في قذف محافظة صعدة أثناء جهود الوساطة، وكذلك بسبب أعمال القمع والاعتقالات لكثير من الشخصيات والمثقفين من الزيديين، وكذلك من الصحفيين. وقد تكررت محاولات الوساطة، لكنها لقيت المصير نفسه.

وفي منتصف عام 2007 ، تمكن الطرفان من التوصل إلي اتفاق عن طريق الوساطة القطرية. ومع بداية عام 2008، وقع الطرفان اتفاقية سلام في الدوحة، يلتزم الحوثيون بمقتضاها بإسقاط خيار العنف وتسليم أسلحتهم للسلطات اليمنية، كما يلتزم عبد الملك الحوثي وعدد من القيادات بالخروج من اليمن والانتقال إلي قطر كمنفي اختياري. وفي المقابل، تقوم الحكومة اليمنية بالإفراج عن المعتقلين وتأسيس لجان لإعادة الإعمار، وتقديم التعويضات بدعم قطري. غير أن هذه الاتفاقية لم تصمد طويلا، نتيجة عدم وجود آلية لمتابعة تنفيذها، وتبادل الطرفان الاتهامات بعدم الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة.

ويري بعض المحللين أن المنافسة بين قطر والمملكة السعودية لعبت دورا في إفشال الاتفاقية. فمنذ تولي حمد بن خليفة الحكم في قطر، بدأ في صياغة سياسة خارجية نشطة ومستقلة، وعمل علي الوساطة في عدد من الأزمات الإقليمية، وأسس علاقات اقتصادية مع كل من إيران وإسرائيل، وقام بتوجيه الانتقادات بصورة علنية إلي السياسات السعودية، مما أثار غضب الأخيرة التي تدخلت لإعاقة اتفاقية السلام التي دعمتها قطر في صعدة المتاخمة للحدود السعودية عن طريق دعم الجيش وبعض القبائل اليمنية.

تجددت المواجهات المسلحة بين الجيش اليمني والحوثيين إثر هذه الأحداث، فيما عرف بالحرب الخامسة، إلي أن أعلن الرئيس اليمني علي صالح وقف إطلاق النار أحادي الجانب في يوليو 2008، قام بعدها بتأسيس لجنة صعدة للسلام وإعادة الإعمار. إلا أن تمويل مشروعات التنمية وإعادة الإعمار أصبح يشكل عقبة أمام الحكومة اليمنية، نتيجة تراجع أسعار النفط والأزمة الاقتصادية العالمية.

بعد هذا التحليل للصراع بين الحكومة اليمنية والحوثيين، تطرح الدراسة مجموعة من المقترحات والتوصيات لإحلال سلام دائم، واستعادة استقرار محافظات الشمال، والحفاظ علي وحدة اليمن، بعضها داخلي يعول علي الأطراف المتصارعة والقوي المجتمعية داخل اليمن، والبعض الآخر خارجي يعول علي الدور الذي يمكن أن تلعبه قوي دولية وإقليمية من خلال الوساطة والتنمية وإعادة إعمار محافظات الشمال. تكمن أولي التوصيات في ضرورة العمل علي تخطي البعد الطائفي. فاستهداف الحكومة للحوثيين وتصويرهم، سواء من خلال الإعلام أو الخطابات الرسمية، يأتي باعتبارهم طائفة دينية شيعية. وجزء من مخطط شيعي أوسع في المنطقة يهدف للإطاحة بالنظام والاستيلاء علي السلطة لا أساس له من الصحة ولا أدلة تدعمه، وقد يؤدي إلي تداعيات خطيرة، خاصة في ظل الاستقطاب الطائفي بين الشيعة والسنة الذي تعانيه المنطقة.

ينبغي علي الحكومة أن تستبدل بتلك السياسات التي تعمق العصبية الطائفية سياسات تدمج الزيديين داخل النظام السياسي، وتعمل علي تمثيلهم داخل المؤسسات العليا للدولة، ودمجهم في النسيج المجتمعي اليمني، باعتبارهم جزءا من المجتمع اليمني وتاريخه وهويته الدينية والثقافية.

في المقابل، يجب علي القيادات الحوثية أن تضع برنامجا سياسيا يكون أساسا لتكوين حزب سياسي. فخلال خمس سنوات من الصراع، لم يتبلور لدي الحوثيين أجندة واضحة، ولم يعلنوا مطالب وأهدافا محددة. فقد اقتصرت أهدافهم وتصريحاتهم علي رفض سياسات وأهداف الحكومة ومهاجمة الولايات المتحدة، وهو ما ساعد علي الترويج لأجندات سرية تتخفي وراءها قوي إقليمية.

وسياسة إدماج الجماعات المعارضة للنظام ليست بأمر جديد علي النظام اليمني. فقد عملت الحكومة اليمنية، منذ الستينيات وبعد توحيد الشمال والجنوب، علي استقطاب عدد كبير من قيادي المعارضة وشيوخ القبائل داخل مؤسسات الدولة.

قناعتي أن هذا التوجه الذي تطرحه الدراسة علي أهميته يجب أن يقترن بإصلاحات سياسية ودستورية حقيقية، وتحول حقيقي نحو نظام ديمقراطي، وآلية انتخابات نزيهة تسمح بالمنافسة الحرة بين القوي السياسية المختلفة. في الوقت الراهن، لا تدعو الأوضاع السياسية داخل اليمن إلي التفاؤل. فبالرغم من التوافق الذي اتسمت به الأعوام القليلة الماضية بين النخبة الحاكمة والمعارضة علي ضرورة إنجاز تعديلات دستورية وتعديل قانون الانتخابات التشريعية، استعدادا للانتخابات التي كان من المقرر أن تعقد العام الحالي وكذلك التوجه نحو اللامركزية المحلية، لم تنجح القوي السياسية، حكومة ومعارضة، في تحقيق التعديلات المرجوة، بل تم الاتفاق بينهما في فبراير 2008 علي تأجيل الانتخابات لمدة عامين، مما يعني استمرار سيطرة الحزب الحاكم علي الحياة السياسية. يدفع هذا الوضع المتأزم للمشهد السياسي اليمني الحوثيين إلي التشكيك في جدوي العمل السياسي والحزبي، ويعزز من تمسكهم بخيار المقاومة المسلحة. ومع ارتفاع حدة التوتر في الجنوب وازدياد أعمال العنف، فإن المشهد السياسي اليمني يتجه نحوالفوضي وانعدام الأمن والاستقرار، مما يقلل من فرص الحديث عن أي تسويات للصراعات، سواء في شمال البلاد أو في الجنوب، ويزيد من عجز الدولة وعدم قدرتها علي الحفاظ علي الأمن ووحدة أراضيها، ويدفع باتجاه انهيار الدولة، وتحولها إلي دولة فاشلة تعجز بها مؤسسات الدولة عن القيام بوظائفها الرئيسية، والسيطرة علي الأوضاع الأمنية.

كما أن غياب المجتمع المدني والمعارضة والإعلام عن ساحات الصراع، كان، ولا يزال، إحدي سمات الصراع بسبب ندرة المعلومات من جهة، والخوف من السلطات اليمنية، والحظر الذي تفرضه علي محافظة صعدة، ومنع دخول الصحفيين والمؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية، وكذلك نجاح الحكومة اليمنية في تشويه صورة الحوثيين للرأي العام داخليا ودوليا كإرهابيين وخارجين علي النظام من جهة أخري.

ويلاحظ أن هذا الوضع يتغير تدريجيا بقيام بعض المؤسسات اليمنية بالاهتمام بوضع الحوثيين في اليمن، ومناقشة القضايا الخاصة بالصراع والضغط علي الحكومة اليمنية للإفراج عن المعتقلين.

كما أصدرت مؤسسة Human Rights Watch في ديسمبر 2008 تقريرا عن الحوثيين في صعدة، رصدت فيه حالات الاعتقال التي يتعرض لها الحوثيون والناشطون الزيديون والصحفيون(2). تظل محاولات منظمات المجتمع المدني والإعلام ضعيفة في وجه سعي الحكومة اليمنية لمنع نشر معلومات حول الصراع. رغم ذلك، توصي الدراسة بضرورة دعم دور أكبر للمجتمع المدني الذي يكشف للرأي العام والمجتمع اليمني والدولي عن حقائق وجوانب الصراع، ويفند المعتقدات الخاطئة لدي الأطراف المتصارعة والأطراف المجتمعية والإقليمية والدولية المعنية بالأوضاع داخل اليمن، ويشكل ساحة للحوار والنقاش العام وبناء الثقة بين أطراف النزاع.

وأخيرا، توصي الدراسة بأن يلعب المجتمع الدولي دورا إيجابيا يوظف الآليات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتنموية لدعم حوار بين الحوثيين والحكومة اليمنية. فقد اقتصرت الجهود الدولية علي نوعين من التدخلات لحل النزاع، أولهما التدخل والوساطة الإقليمية، أبرزها الوساطة القطرية، التي منيت بالفشل. والنوع الثاني التدخلات الإنسانية التي تقوم بها بشكل رئيسي منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية المعنية بالأوضاع الإنسانية.

كما يجب علي الدول الغربية الاضطلاع بدور سياسي فعال يعتمد علي التعاون مع الدول الإقليمية، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، ولجان إعادة الإعمار اليمنية للضغط علي الحكومة لإنهاء حظرها علي مناطق المواجهات المسلحة، وعلي انتشار المعلومات، ودفع القيادات الحوثية إلي صياغة مطالب واضحة يمكن الاستناد إليها في مفاوضات التسوية، والاهتمام بالتنمية في المحافظات الشمالية، وإعادة إعمار المناطق التي تعرضت للدمار والقذف، وتوظيف هذه النقطة الأخيرة لإعادة طرفي النزاع إلي مائدة المفاوضات.

ويبقي مستقبل السلام وتحقيق الاستقرار في المحافظات الشمالية داخل اليمن رهنا بالإرادة السياسية للأطراف المتصارعة. ويقع العبء الأكبر علي النخبة الحاكمة لإعادة إعمار المحافظات، ودعم مشروعات التنمية، وكذلك لإنجاز تعديلات دستورية، وتحول ديمقراطي حقيقي يسمح بتوسيع قواعد المشاركة السياسية، وحرية الرأي والتعبير، ويدفع الحوثيين إلي العمل السياسي السلمي، والابتعاد عن العنف، والتخلي عن الادعاءات التي تغلب البعد الطائفي والتمايزات الدينية والثقافية كأساس للصراع، والعمل علي صياغة مطالب وبرامج سياسية واقتصادية تحقق اندماجهم داخل المجتمع اليمني.

------------------
*مدرس مساعد بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية، جامعة القاهرة

زر الذهاب إلى الأعلى