[esi views ttl="1"]
arpo28

مؤشرات الأقلمة في الحرب السادسة بصعدة

منذ اندلاع الجولة السادسة من الصراع المسلح المفتوح بين قوات الجيش والمسلحين الحوثيين تكون البلاد قد أوغلت في النفق المظلم الذي طالما حذر العقلاء السلطة من استمرار تجاهل المطالب الداعية إلى إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة..

فثمة مقدمات جعلت مراقبين يتوقعون منذ وقت مبكر بنشوبها، ولم يكن اشتعال نيرانها مفاجئا للكثيرين، فقد سبق يوم انطلاقتها مؤشرات تحتم استئنافها، بل تحولها إلى بؤرة صراع توظفها أطراف وقوى إقليمية لتصب في خانة مصالحها.

إن توقعات عدد من المراقبين بمآلات الصراع منذ اليوم الأول لاندلاعه عام 2004كان يؤشر إلى صيرورته باتجاه استقراره في الحضن الإقليمي إن لم يتعدَّ البعد الدولي فيما بعد، لكن هذا التوقع ترسخ أكثر مع بدء اشتعال أتون الحرب السادسة بعد أن برزت جملة مؤشرات على مساعي أطراف الصراع بأقلمته وإخراجه من المجال الوطني إلى الساحة الإقليمية، ربما إلى الفضاء الدولي، خاصة بعد التوقيع على اتفاق الدوحة وانتزاع اعتراف ضمني بوجود قوة داخل البلد موازية للسلطة تتمتع بندية تجعلها تفاوض تحت غطاء إقليمي تحصلت عليه من موافقة رسمية.

• مؤشرات الأقلمة قبل الحرب السادسة:

1- بشر الحوثيون في وثيقة تحليلية نشرها موقعهم الإلكتروني قبل اندلاع الحرب بأربعة أشهر بالتحديد في تاريخ 19/4/2009م بتحول الصراع بينهم وبين السلطة إلى صراع إقليمي، فقد جاء تحت عنوان (التحالف الثلاثي في مؤامرة العدوان السادس: دعم مالي سعودي.. ولوجستي وفني أمريكي.. وتنفيذ يمني): "يبدو سيناريو الحرب السادسة الذي تعكف على صياغته وإعداده أطراف لم تعد محلية وداخلية هذه المرة بل تعدت ذلك إلى إقليمية ودولية مختلفاً عما كان عليه الحال بالنسبة للحروب السابقة التي شنتها السلطة، ويتجلى ذلك من خلال الترتيب الإعلامي المدروس والمنسق بين تلك الأطراف لخلق مناخ سياسي وإعلامي يروض الرأي العام الداخلي والخارجي على تقبل ذلك السيناريو".

2- أعلن الحوثيون عبر وسائل إعلامية مختلفة منها موقعهم الالكتروني عن قيامهم بمناورة عسكرية على الحدود السعودية اليمنية، استعرضوا من خلالها قوتهم العسكرية، واعتبرها مراقبون سياسيون أنها بمثابة "توجيه رسالتين في آن واحد، الأولى إلى الحكومة السعودية التي يتهمونها بالممول الأساسي للحرب ضدهم، والثانية إلى الحكومة اليمنية التي يعتبرونها تدير حربا بالوكالة عن السعودية.

3- تسرُّب معلومات عن توجه الحوثيين غربا باتجاه ميدي وتأمين منفذ بحري على البحر الأحمر من خلال السيطرة على الملاحيظ ومن ثم تشكيل كيان جيوسياسي عازل بين اليمن والعربية السعودية وما يحمله ذلك من مخاوف سعودية تجاه وجود إيراني على البحر الأحمر.

4- تسريب معلومات أيضا عن شراء الحوثيين أراض شاسعة في منطقة ميدي بواسطة بعض الشخصيات التجارية.

5- رددت وسائل إعلامية مختلفة أخبارا عن تسيير المسلحين الحوثيين دوريات على الشريط الحدودي مع المملكة العربية السعودية، وترددت حينها أخبار عن إجراء مفاوضات مع القوات السعودية على حدود صعدة، قبيل أيام من اندلاع الحرب السادسة، وأعلنوا حينها بأن هذه المفاوضات تمت بغرض التنسيق مع حرس الحدود في السعودية على تأمين الحدود، والحد من عمليات التهريب المستمرة إلى الأراضي السعودية عبرها، ولم ينفها أو يؤكدها أحد أطراف الصراع.

• انقشاع الدخان في جبل دخان

إذن لم يكن مستغربا بروز دور (الطرف الثالث) بوضوح في هذه الحرب وانخراط الوسائل الإعلامية التابعة والمقربة من طهران والرياض في حمأة هذه الحرب،

وتجلى الدور الإقليمي بصورة أوضح أيضا في لعبة إطلاق (مبادرات وقف إطلاق النار) بين الطرفين المتقاتلين في هذه الحرب، فقد أعلن عبد الملك الحوثي عن مبادرته لوقف الحرب مساء 31/8/2009م نصت على أن يتم فتح الطرقات ورفع المظاهر المسلحة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، ووضع هذه المبادرة من جانبه طور التنفيذ منذ إعلانها، وجاء الرد الحكومي سريعا برفض المصدر مسؤول في اللجنة الأمنية العليا للمبادرة، وجاءت مبادرة الحوثي عشية انعقاد الدورة الـ112 للمجلس الوزاري الخليجي على مستوى وزراء الخارجية في مدينة جدة، وبعد لقاء الأمين العام للمجلس مع السفير اليمني في الرياض بهدف قطع الطريق على الحكومة من الحصول على أي دعم خليجي لها في حربها ضدهم، وبالفعل نجح الحوثيون في تحييد دول مجلس التعاون، في المقابل وبالتزامن مع زيارة عبد الرحمن عطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إلى صنعاء أعلن مصدر مسؤول في اللجنة الأمنية العليا عن تعليق العمليات العسكرية ابتداء من مساء يوم 4/9/2009.

في ظل هذه المؤشرات والأحداث فوجئ بعض المتابعين بقيام مسلحين حوثيين بعملية مباغتة على موقع عسكري سعودي في جبل دخان وقتل أحد الجنود وأسر آخرين، وسارع المكتب الإعلامي للحوثي إلى تبني مسؤولية الهجوم، واتهم الموقع العسكري السعودي بتسهيل مهام للجيش اليمني لضرب مواقع الحوثيين، وهو ما اعتبرته الرياض جرحا عميقا لكبريائها ولهيبتها كدولة إقليمية مهمة وباعتبارها الجار الكبير لليمن!!، ومنحها المبرر لضرب وقصف مواقع الحوثيين بهدف إجلائهم عن أراضيها، ومطاردة المتسللين منهم، ولاحظ بعض المراقبين تضخيم إعلامي للحادث، تبعه مباشرة حجب قناة العالم التابعة للحكومة الإيرانية من القمر (عربسات) و(نايل سات)، ردد مقربون من إدارة القمرين أن القرار له علاقة بما يجري في اليمن!!.

الملفت للنظر أن حادث الهجوم الحوثي على الموقع السعودي في جبل دخان والإعلان عن السيطرة عليه بعد اتهامه بتسهيل مهام للجيش اليمني لضرب مواقع الحوثيين جاء متسقا مع السيناريو الذي نشره موقع الحوثيين الإلكتروني قبل اشتعال الحرب بأربعة أشهر المشار إليه سابقا، فقد أوضح أن الحرب السادسة المرتقبة ستكون على شكل "دعم سعودي مالي ولوجستي يتمثل بالسماح باستخدام أراضيها لشن الحرب"، لذلك ففي ثاني يوم من اندلاع هذه الحرب بادر الحوثيون إلى اتهام الطيران السعودي بالمشاركة في قصفهم، وعرضوا أسلحة قالوا إنها سعودية يستخدمها الجيش اليمني ضدهم، وهو ما أظهر حرصا على جر السعودية إلى ساحة المواجهة العلنية لتحقيق جملة أهداف ذكرها موقع الحوثيين الإخباري قبل نشوب الحرب بأربعة أشهر.

وأيا يكن فإن انقشاع الدخان بعد عملية جبل الدخان أظهر أن تضخم البعد الإقليمي في هذه الحرب لا يعني بالضرورة أن أطرافها سعوا إلى إيجاد هذا البعد، لكن بالتأكيد أن كل طرف سيسعى إلى توظيف هذا البعد بصورة تتسق مع مصالحه الحيوية في المنطقة، وقد أبرزت الحرب خمسة أطراف رئيسية، لكل منها أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها من وراء استمرار الحرب، وهذه الأطراف هي:

• السلطات اليمنية:

وجدت الحكومة اليمنية نفسها بعد مضي أكثر من شهرين من حربها السادسة مع الحوثيين أنها لا تحقق إنجازات ميدانية ثابتة، وأنها تراوح مكانها، لكنها لاشك رأت في دخول السعوديين ضد الحوثيين يصب في خانة مصالحها على المدى القريب والمتوسط بتخفيف العبء العسكري عليها وإضافة طرف ضاغط عسكريا على المسلحين الحوثيين من جهة الشمال، وأيضا الدفع بالرياض إلى الاهتمام أكثر بالأوضاع داخل الجارة الجنوبية، برفع نسبة المعونات والمساعدات المختلفة لها، مستفيدة من الشعور بالقلق من خطورة المسلحين الحوثيين، وإقناع السياسيين السعوديين، وبقية دول مجلس التعاون الخليجي بضرورة الحفاظ على الأوضاع القائمة في اليمن كشرط لاستقرار الأوضاع في المحيط الخليجي وبالتحديد في السعودية، ومن ثم توظيف المواجهة السعودية ضد الحوثيين برفع اليد عن دعم أو إظهار التعاطف مع مطالب مكونات الحراك الجنوبي، على اعتبار أن ذلك يفاقم من حجم الأزمات التي ستتضرر منها الرياض وبقية عواصم دول مجلس التعاون.

• السلطات السعودية:

ربما تجد الرياض نفسها الآن مضطرة لتأكيد عدالة مساعيها بالمضي قدما لتنفيذ السور الحدودي العازل الذي عبرت صنعاء في السابق عن رفضها له، بل ربما تذهب أبعد من ذلك بإيجاد منطقة جغرافية عازلة ومنزوعة السلاح تمتد إلى أكثر من عشرين كلم داخل الأراضي اليمنية بهدف منع تسلل المسلحين الحوثيين، ومنع المهربين أيضا من دخول أراضيها. وربما أيضا تستثمر الرياض حادثة جبل دخان لإعادة النظر في التموضع العسكري على الشريط الحدودي بين البلدين بعد تعديلات عليه، وربما تضطر إلى التعامل مع الحوثيين، والتفاوض سريا مع قادتهم ليكونوا وكلاء حماية لحدودها الجنوبية بدلا من الاعتماد على بعض مشايخ القبائل في مناطق الحدود الذين ظلوا يتلقون مساعدات مالية مقابل تقديم خدمات أخوية للجار الكبير، ورغم أن هذا التوقع مستبعدا في الوقت الراهن فإنه غير مستحيل الوقوع لاسيما أن ثمة معلومات تاريخية غير مؤكدة تشير إلى أن الحوثيين تلقوا المساعدات والدعم العسكري بصورة كبيرة وإعداد المتاريس والكهوف للقيام بوظائف داخلية ضد قوى حزبية ، ووظائف خارجية أيضا منذ عام 1995وهو العام الذي تصاعد فيه التوتر اليمني السعودي حول الحدود وكادت يومها أن تنشب حرب بين البلدين لولا احتواء العقلاء لها واستثمار ذلك التوتر ليتحول فرصة لمباحثات جادة حول ترسيم الحدود التي تكللت بالتوقيع على اتفاقية جدة للحدود.

• الحوثيون:

عندما خاض الحوثيون عملية المواجهة مع عناصر حرس الحدود السعودي كانوا يقصدون ذلك، ويرون في العملية فرصة سياسية مهمة لتحقيق جملة من الأهداف؛ فبحسب الحوثيين "فإن دخول السعودية في مواجهة معهم في الحرب السادسة ستكون الخسارة الكبيرة من نصيب النظام السعودي الذي يكون قد أكد بما لا يدع مجالاً للشك: حقيقة عدائه القديم والتاريخي لأبناء الشعب اليمني عموما، ولأبناء الزيدية خصوصاً، وتكون بذلك قد استَعْدَتْ شريحة كبيرة من أبناء الشعب اليمني الذي لا يستطيع الصبر على الضيم والسكوت، وتكون قد سعت هي لخلق خصم قريب يكن لها العداء والكراهية ويتحين الفرصة للانتقام والثأر، ولا أظن أن السعودية بحاجة إلى ذلك ولا مصلحة لها في ذلك، إذ أنها ستكون هي من سعت للانتحار، وجلبت على نفسها جرائر كانت غنية عنها بحسب نص (كلام كاتب الوثيقة المشار إليها في الموقع الإخباري الحوثي).

لكن ثمة أهداف يتطلع الحوثيون لتحقيقها من جر الرياض إلى حلبة مواجهتهم ربما من أهمها دفع السعودية إلى الاعتراف بهم كقوة قائمة على حدودهم الجنوبية، ورقم لا يمكن لها تجاوزه عند تعاطيها مع الشأن اليمني، بموازاة القوى التقليدية التي دأبت السعودية على التعامل معها أثناء تعاطيها مع الشأن الداخلي باعتبارها دولة جارة، ولديها مصالحها الحيوية التي تعارف عليها الساسة منذ انتهاء الحرب الأهلية وتحقيق المصالحة عام 1970م، إلى جانب أنهم يكونون بعمليتهم تلك قد أرسلوا رسائل إلى عناوين مختلفة منها حلفاؤهم في طهران تفيد بأنهم قد أصبحوا قوة يمكن التعامل معها بثقة ودعمها وتبنيها بدون مواربة ليكونوا عنصر توازن مع القوة الإقليمية الموازية (السعودية)، لاسيما أن ارتباط إيران باليمن موغل في القدم ومنذ ما قبل الإسلام، بل كان للإمبراطورية الفارسية حضور وسيادة على اليمن في إطار الصراع القطبي القديم (الروم/الفرس).

• إيران:

ستسعى طهران إلى استثمار عملية المواجهة بين القوات السعودية والمسلحين الحوثيين لصالح تطلعاتها في تحقيق وجود لها يطل على البحر الأحمر، وقد سبق أن مدت نظرها ليستقر في إريتريا من خلال تنفيذ عدد من المنشآت الحيوية وخاصة في الجزر الإريترية، وبالتالي فإن تثبيت وجود الحوثيين كرقم في منطقة الصراع العازلة بين الحدود اليمنية السعودية الممتدة إلى قرب ميدي المطل على شرق البحر الأحمر سيساعدها على تقوية موقفها التفاوضي مع القوى الدولية بشأن ملف سلاحها النووي، والتعامل معها كجزء من عناصر حل وتعقيد قضايا المنطقة، وقد بدأ الموقف الإيراني الحاد تجاه السعودية ملفتا مع خفوت المطالب الغربية والأمريكية حول ملفها النووي، وقد توجت حملتها الإعلامية العدائية من خلال الخطاب السياسي بشأن حج هذا العام والتلويح باتخاذ سلسلة تظاهرات احتجاجية بذريعة تعامل الأمن السعودي (غير اللائق) مع الحجاج الإيرانيين، وقد جاء ذلك على خلفية اتهامات إيرانية للسعودية بدعم تحركات مسلحة لمنشقين إيرانيين من أصول عربية في منطقة الأهواز العربية، واغتيال عدد من عناصر الحرس الثوري، وهو ما سهل لطهران أن ترفع صوتها بقوة أكبر للتعبير عن رفضها لما سمته تدخلا سعوديا في الشؤون اليمنية، بل تصعيد لهجتها لتطال الحكومة اليمنية بمطالبتها بالكف عن استخدام العمليات العسكرية ضد المواطنين اليمنيين في صعدة حد تعبير منوشهر متكي وزير خارجية إيران.

• القاعدة:

يعد تنظيم القاعدة أحد أطراف الصراع على المستوى الأمني على الأقل، ولعل مسارعة أحد قادتها الميدانيين إلى التنديد بالدور الإيراني، واتهامه بمحاولة ضرب الوجود السني يتشابه مع الخطاب الحوثي الذي دأب على اللعب بالورقة الطائفية والمذهبية باتهام الحكومة اليمنية بمحاولة إبادة المذهب الزيدي!!، لذلك فإن (القاعديين) ربما يسعون إلى توظيف نتائج المواجهات ودخول السعودية وإيران إلى حلبة الصراع الإقليمي في الساحة اليمنية لتحقيق عدد من أهدافهم المتمثلة بإضعاف الحكومتين السعودية واليمنية وتنفيذ اختراقات نوعية لتثبيت وجود دائم على الأرض باللعب على التناقضات بين أطراف الصرع السعودية اليمنية من جهة والإيرانية من جهة أخرى، باعتبارهم أعداء للطرفين لكن لا يمنع ذلك الاستفادة من الطرفين.

أيا تكن المؤشرات حتى الساعة فإن الحرب القائمة تؤكد أنها تهدف إلى إيجاد حقائق على صورة حرائق في الأرض اليمنية فإلى أي مدى يمكن أن ينجح كل طرف من أطراف الصراع في تحقيق أهدافه مقتاتا من حرب قتلت العشرات وشردت المئات ووضعت البلاد كلها على كف عفريت؟!

زر الذهاب إلى الأعلى