[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

«القاعدة 2010»: حروب أهلية في الشرق وإخفاق في الغرب لا يجمعها «التنظيم المُتخيل»

ها أن شاباً آخر، من نيجيريا هذه المرة، يقع في هوى ارتكاب فعل مريع، ويكاد ينجح. وأما غضب الرئيس الأميركي من الخلل في صرامة الإجراءات الأمنية في المطارات، ومن الخلل الآخر في إدارة المعلومات داخل أجهزة المخابرات الأميركية نفسها، فليس موضوعنا، وإنما يصلح منطلقاً لسيناريوات هوليوودية مشوقة. كما ليس يعنينا الخيال المؤامراتي الذي انطلق عقب الحادث، والذي ينسج روايات عن فبركة القصة من قبل دوائر أميركية (ويقال صهيونية) نافذة.

وبعض هذه الروايات يشير إلى أن الحادث كان مسيطراً عليه منذ البداية حتى لا يتجاوز ما وقع، وأن هدفه هو وضع اليمن في مقدمة المشهد، بينما يذهب آخرون إلى أن القصد كان إيصاله حتى تحقق الجريمة الشنعاء، مما كان سيوقع على الرئيس عبئاً لا يمكنه التعامل معه بشيء من المسافة.

أياً يكن، ومن دون كل ذلك، فالحقيقة الساطعة هي أنه لا يمكن القضاء بوسائل عسكرية أو أمنية على الأوكار التي تفبرك أعمالاً إرهابية. فما كان يلزم لتمكين الشاب النيجيري من فعلته هو قليل ويسير إلى حد أنه لا يتطلب سوى التفكير فيه، وليس التحكم ببلدان وشعوب.

قد يكون حجم ما جرى في الحادي عشر من أيلول، ومستوى تعقيده العملاني، يتطلب ما كانت عليه القاعدة حينها. مذّاك، تشظت الأفعال الإرهابية، وصولاً إلى الحادث الأخير. ولن يُمكن إلغاء جنوح بعض الحلقات التي تتشكل هنا أو هناك، وتدعو لاعتماد هذه الأساليب في مواجهة الجبروت الأميركي، أو انتقاماً من تدخلاته، إلا بتغيير جذري وملموس في المقاربة الأميركية الرسمية للعالم. وهذه عملية شاقة وشاملة، تتطلب وقتاً وفناً كبيرين، ولكنها ليست رهينتهما فحسب، بمعنى أنها لن تكون محصلة مهارة تقنية في القول، على أهميته، وإنما تنتظر تعديلاً في التصور الأميركي للعالم، وفي كيفية تموضع المصالح الأميركية فيه، وهو تعديل بنيوي.

وكان الرئيس أوباما قد بدأ فعلاً الشق الإيديولوجي من المهمة. بل لعل انتخابه كان بحد ذاته إيذاناً بالحاجة لمثل هذا البدء، علاوة على الحاجة لاستيعاب الرعب الذي ألقى بظلاله على الولايات المتحدة، نتيجة انفجار الأزمة الاقتصادية. لكن أوباما يواجه تعثراً في التطبيق، أبرز علاماته كان قراره إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وما يقف خلف هذا القرار من تصور عسكري/أمني للكيفية التي يكون عليها «إنهاء» المهمة هناك. هذا منزلق أول، مفتوح على احتمالات تشتمل على مخاطر جمة، على رأسها استمرار تفكك الوضع في باكستان، واحتمال تعرضه لمزيد من الانهيار.

ومن البديهي أن تصويب الحالة القائمة لم يكن ليحدث بجرة قلم، ولا بمجرد اتخاذ موقف بعدم إرسال المزيد من القوات، بل هو ملزَم بالتعاطي مع النتائج المترتبة على الفعل السابق، أي اجتياح أفغانستان. تماماً كما تترتب نتائج عصية على المواجهة والحل جراء غزو العراق واحتلاله، وتفكيك مؤسسات الدولة فيه، وتظهير شريحة سلطوية جديدة، وفي سياق ذلك، الكم الهائل من الجرائم المرتكبة من قبل القوات الأميركية نفسها، ثم انفلات الإجرام والفساد «الذاتيان» في البلاد، ثم تشكل مجموعة من المعطيات الإقليمية حول البلد وبخصوصه، أطماعاً أو هندسة لمصالح أو مخاوف، لم يكن من الصعب تخيّل حصولها، إلا لو كان العراق، أو أي بلد، معزول في جزيرة نائية أو على كوكب آخر.

واليوم، يبدو أن أوباما مدعو من قبل المنطق السالف ذاته وقواه، التي ما زالت قائمة ونافذة داخل أكثر من صعيد، إلى مقاربة الوضع في اليمن بالطريقة ذاتها. وثمة معلومات نشرتها كبريات الصحف الأميركية، مثل «نيويورك تايمز»، عن وجود قوات أميركية خاصة بدأت اشتغالها في اليمن، وأنها تقدم خبرتها للقوات اليمنية، ومنها توجيه عمليات القصف التي أوقعت عشرات القتلى في الأسبوعين الماضيين، وطاولت مواقع في أبين، جنوب شرقي البلاد، كما في شبوة شرق البلاد.

كما يُذكر أن البنتاغون ضغط لمنح اليمن مساعدة مالية للأغراض العسكرية بلغت حتى الآن 70 مليون دولار، وهي سابقة. صحيح أن تغلغل مجموعات القاعدة في اليمن قديم، وكذلك قدرتها على تجنيد الشباب.

ولكن ذلك ليس سوى سطح الأشياء. فالاستنتاج القائل أن هناك قدراً هو رسوخ القاعدة في اليمن، أو ميلاً جينياً إليها لدى اليمنيين، يستدعي هذه الاندفاعة التي نشهدها حالياً، والتي يمكن أن تصبح بسرعة عتبة للتورط الأميركي الشامل في البلاد، ومعاملتها بوصفها تمتلك بعداً واحداً هو كونها ملجأ القاعدة!!

ثمة مشكلة يمنية أصيلة قائمة فعلاً: هذا واحد من أفقر بلدان العالم، من مشكلاته الجوهرية القمع والفساد العميق، مع تجاهل تام لقوانين المجتمع، وصولاً إلى التعنت في التعاطي مع مقترحات واقعية للإنقاذ، أنتجتها تشكيلات سياسية في البلاد تمتلك ولا شك القدر اللازم من الوعي بعمق الأزمة القائمة، ومن الحرص على منع تحولها إلى حالة مدمرة.

ولذلك التعنت مقدمات، فقد جرت إدارة الوحدة مع الجنوب بطريقة بائسة، وجُرِّدت حرب غاية في الدموية في 1994، ما زالت آثارها ممتدة حتى اليوم، بل ويُرتكب كل شيء لدفعها للتفاقم، مما أدى إلى ازدهار الدعوات الانفصالية هناك، وانتقال بعضها إلى الفعل المسلح. وتؤدي المعركة مع القبائل في شمال البلاد إلى نتائج كارثية تعزز الانحدار نحو الحرب الأهلية والتفكك، وتكرس الفشل التام للسلطة القائمة في التعاطي مع مشكلات فعلية، وليست أبداً مفتعلة.

وأما «جر قدم» أوباما إلى اليمن، وإن بدعاوى تحوله مقراً رئيسياً جديداً للقاعدة، أو بدعاوى معاقبة مرتكبي أفعال إرهابية تطاول الولايات المتحدة، فتجديد لمآزق أفغانستان والعراق.

المشكلة تبقى كاملة، إلا أن حلولها المجربة حتى الآن فاشلة بقدر كافٍ حتى لا يُستسهل تكرارها!

زر الذهاب إلى الأعلى