[esi views ttl="1"]
arpo28

استحقاقات ما بعد مؤتمر لندن.. تهدئة صعدة والجنوب والتفرغ لمواجهة القاعدة

أسفر الترقب الحذر لنتائج المؤتمر الدولي المخصص لليمن في العاصمة البريطانية لندن عن صدور بيان مشترك، ردد فيه الجانبان اليمن ومجموعة الشركاء الدوليين والاقليميين الالتزامات المتبادلة حول ثلاث قضايا رئيسية

في مقدمتها الجانب الامني المرتبط بمواجهة تنظيم القاعدة، ثم التأكيد على ضرورة معالجة المشاكل الاقتصادية والسياسية.

ويمكن القول ان الجانب اليمني، حظي بدعم واضح ومعلن من قبل المؤتمر من خلال تأكيد الحضور على أهمية دعمه في شتى الجوانب، وخصوصا الاعلان عن مؤتمر آخر للمانحين تستضيفه الرياض في نهاية الشهر الحالي. لكن مع كل ما يشار في هذا الجانب، فقد أبقى المجتمعون في لندن، نفس العبارات "العائمة" التي سبقت المؤتمر، وأثارت الجدل والمخاوف والتحذيرات، كما هي القراءات والتحليلات المتعددة.

واذ تبدو كمحصلة طبيعية نظرا لطبيعة الازمة اليمنية وتباين الرغبات بين طرفين على الاقل. كان واضحا للكثيرين بأن المؤتمر لا يمتلك وصفة سحرية أو جاهزة للحلول في اليمن، وانه بمثابة خطوة أولى ضمن خطوات اخرى قابلة للنقاش والجدل وطوارئ المتغيرات.

وطبقا للنقاط الخمس المعلنة في ختام المؤتمر، يتبين هذا التوجه، ف إلى جانب الاعلان عن مؤتمر المانحين في الرياض، والذي سوف يبحث "سبل توزيع وتقديم الدعم لليمن ومساعدة الحكومة اليمنية على تحديد أولوياتها"، ثمة اجتماع آخر في شهر مارس المقبل تحت مسمى "أصدقاء اليمن".

وبحسب ما نشر، فان اجتماع "اصدقاء اليمن" سوف يكون أول اجتماع لعرض نتائج عمله في التعامل " مع تحديات أوسع نطاقا يواجهها اليمن ومن ذلك مجموعة عمل حول الحكم والعدالة وتعزيز سلطة القانون."

ومثلما استبق المؤتمر بتساؤلات عديدة، وتركزت أساسا حول الشروط الدولية المطلوبة من اليمن مقابل تلبية الرغبة الرسمية والشعبية. يبقى الحال على ما هو عليه تقريبا بعد انتهاء المؤتمر حتى يمكن للجميع من ايجاد أرضية مشتركة على الاقل لمخاطبة تفاصيل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية اليمنية دون حصر مسألة التصدي للقاعدة في الجانب العسكري وحده.

وهي مسائل أدركها المجتمعون في لندن من خلال التركيز على اهمية محاربة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ومشاكل ادارة الحكم وغياب العدالة والقانون، وحث الحكومة اليمنية على الاستمرار في الاصلاحات ومحاربة الفساد.

وفي المقابل، جاء الاعتراف اليمني بهذه المشاكل الآخذة في التنامي، والتأكيد على مواصلة المحادثات مع صندوق النقد الدولي في اطار برنامج الاصلاح. وحتى الآن، يمكن تلمس الاجابة عن سؤال: ماذا بعد مؤتمر لندن؟ في تناولات الاطراف المختلفة ابتداء من الطرف الرئيس في المعادلة السياسية المحلية، وهي احزاب اللقاء المشترك، والتي وصفت نتائج المؤتمر ب"الغامضة".

وعلقت في بيان صادر عنها، تقول "كان واضحا ما صاحب هذا الاجتماع من أوضاع مربكة انتهت إلى قرارات غامضة لم تمس جوهر الأزمة اليمنية بمظاهرها المختلفة عدا الجانب الأمني ".

واعتبرت ان القرارات والمداولات اتجهت نحو إنقاذ السلطة السياسية بدلا من إنقاذ الدولة التي تتعرض لتدهور خطير بسبب سياسات السلطة نفسها. وقال البيان ان "تضليل الرأي العام الذي لجأت إليه الوسائل الإعلامية الرسمية يخفي حقيقة السير نحو وضع اليمن تحت الوصاية الدولية ".

وخلافا لهذا الموقف، جاء الترحيب الرسمي الحار بنتائج مؤتمر لندن. وتعكس التصريحات الرسمية المتوالية هذه النتيجة. وبحسب الدكتور أبو بكر القربي "أنجزنا في ساعتين ما لا ينجز في أيام في بعض المؤتمرات وكان الحديث مركزا وفي منتهى الشفافية." معتبرا ان ذلك دليل "على عملية الشراكة بين اليمن وأصدقائها وأنها ستأتي تلبية لما تريده اليمن وبما يدعم وحدته وأمنه واستقراره وسيادته كأساس لأمن وسلامة ليس اليمن فقط وإنما المنطقة والاستقرار في العالم ".

وصدر عن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تصريحات لافتة، جاء فيها "حان الان الوقت لتنهض الحكومة اليمنية وتفعل ما قالت انها ستفعله. ان لديها خطة اقتصادية ولديها برنامج للاصلاح وحان الوقت لكي ينفذوا ذلك."

واضافت ان اليمن وبقية العالم ينبغي ألا يقفوا مكتوفي الايدي وهذا البلد الذي يعيش قرابة نصف سكانه وتعدادهم 23 مليونا على أقل من دولارين في اليوم يهوي في غمار مزيد من الفوضى وغياب القانون. وابدت توقعاتها بأن يسن اليمن الاصلاحات ويواصل محاربة الفساد ويحسن مناخ الاستثمار والعمل في البلاد.

كما أدركت كلينتون بأن التحديات التي يواجهها اليمن هائلة، وانه لايمكن التصدي لهذه المشاكل والتحديات بالعمل العسكري وحده.

وهو نفس الادراك الذي صرح به وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، قائلا ان القضاء على مشكلات اليمن لا يمكن ان يبدأ وينتهي بتحدياته الامنية واستراتيجيته لمكافحة الارهاب.

واضاف القول "عند معالجة مشكلة الارهاب من الضروري معالجة اسبابه الجذرية. وفي حالة اليمن فان هذه الاسباب متعددة اقتصادية واجتماعية وسياسية."

وما بين الخوف والرجاء، يترقب المواطن اليمني النتائج على الارض. ونقلت وكالة رويترز قول أحدهم ان الجانب السلبي قد يأتي من جانب الحكومة إذا لم تتعامل مع نتائج المؤتمر بطريقة صحيحة. بينما قال مواطن آخر إنه سيكون أمرا جيدا إن نفذت الحكومة والدول المانحة ما تعهدت به في المؤتمر. ورأت الهام الكبسي ان المؤتمر لم يخرج بخطة عمل أو إجراءات محددة.

وكان من اللافت الغضب الذي عبر عنه الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بسبب ما قال عدم دعوة الجامعة العربية للمؤتمر، وكذلك استمراره في التشكيك بأجندته واهدافه، رغم مشاركة مصر بالمؤتمر وترحيبها به.

وفي اثارة هذه المخاوف والشكوك، لاحظت مصادر صحفية سعودية ان مؤتمر لندن لم يكن مخيبا للآمال. غير انها استدركت قائلة انه "إذا كان غياب الشفافية والحاجة إلى الإصلاحات السياسية الداخلية قد ساهم في منع الدول المانحة من تقديم المساعدات في السابق، فإن هذه الدول لم تظهر جدية كافية تقنع الحكومة اليمنية بضرورة تطبيق نقاط البرامج الإصلاحية التي وعدت بها، ولذلك بقي الوضع يزداد سوءا، واستمر المواطن اليمني العادي بدفع فاتورة الفساد والفقر والجهل حتى وصل الوضع إلى ما هو عليه".

واذ طالبت المجتمع الدولي بالتعامل مع مشاكل اليمن كحزمة واحدة، وألا ينتقي منها ما يهدد أمنه فقط. أوضحت بأن الأهم من هذا كله أن تلتزم الدول بتعهداتها ولا تبقى توصيات المؤتمر مجرد حبر على ورق.

ويمكن القول ان المؤتمر خيب آمال قوى وعناصر الحراك الجنوبي بدعمه السياسي للحكومة وعدم التطرق من قريب أو بعيد لهذه المشكلة بعد ان ترددت معلومات سابقة عن ترتيبات اجرتها معارضة الخارج خلال الايام الماضية بهدف توصيل رؤيتها للمؤتمر.

لكن المصادر الاعلامية، اشارت إلى قيام تظاهرتين أمام مقر رئاسة الوزراء في العاصمة البريطانية لندن واحدة موالية للحكومة اليمنية والاخرى مناهضة لها نظمها عناصر الحراك الجنوبي قبيل ساعتين من بدء المؤتمر.

وانتقد الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد مؤتمر لندن لاستبعاده الفرقاء الأساسين في الأزمة اليمنية. معتبرا أن الحل هو في عقد مؤتمر وطني للحوار برعاية عربية أو دولية. وقال ان "الحلول الأمنية والعسكرية لا جدوى منها وربما تكون باعثا لمزيد من عدم الاستقرار في اليمن".

وعشية انعقاد المؤتمر، ناشد النائب الاسبق علي سالم البيض رئيس الوزراء البريطاني بدعم ما اسماه "حق تقرير المصير لليمنيين الجنوبيين". وقال في رسالة موجهة إلى جوردن براون ان "أبناء الجنوب يتعهدون أمام المجتمع الدولي بأن يتحملوا مسؤوليتهم كاملة في منع الإرهابيين من استخدام أراضيهم، وسوف يعملون بشتى الوسائل لتجفيف منابع الإرهاب والقضاء على بؤره".

ومع ملاحظة الاجماع الدولي الذي يحظى به اليمن ومسألة دعمه في الوقت الحالي، الا ان الخلاف كما يبدو يتركز حول كيفية الدعم وآلياته. وتخشى مصادر غربية من دعم ينمي مراكز الفساد في اليمن أو يمد في عمر النظام القائم، خصوصا في حال استمراره فيما تعده محاولات للهروب من تنفيذ الاصلاحات المطلوبة.

وترى تلك المصادر ان من بين العقبات التي تواجه عملية تقديم المساعدات لليمن هي البيروقراطية الحكومية الفاسدة. وتشير إلى التعهدات السابقة في مؤتمر المانحين بلندن عام 2006م والتي لم ينفق منها الا الجزء اليسير بسبب ما تعتبره الاجراءات البيروقراطية المتعلقة بالحكومة اليمنية.

ويقول الصحفي مازن حماد ان زيادة الأموال لليمن ليست الرد المناسب على القاعدة في المستقبل الفوري. مشيرا على سبيل المثال إلى عجز الحكومة اليمنية عن ايصال نحو "12" مليون دولار مخصصة لمحافظة الجوف بسبب انه لا يوجد فيها وسطاء يعتمد عليهم لتوزيع المعونات المالية على من يحتاجونها.

ويعتقد مراقبون ان مؤتمر لندن جاء ضمن استحقاقات كثيرة وان كانت غير ظاهرة كليا حتى الآن بسبب الغموض الذي يحيطه منذ بدايته وحتى نتائجه، ومنها انه يأتي في سياق ضغط دولي تقوده أمريكا وبريطانيا على اليمن بهدف تنفيذ اصلاحات قد لا تتوافق مع الرغبة اليمنية الرسمية.

ومن ذلك التباين والاختلاف حول طريقة حل قضية الحوثيين والحراك الجنوبي، اذ يرى الأمريكيون والبريطانيون ايضا عدم جدوى العمليات العسكرية لانهاء الازمتين. ويؤكدون في تصريحاتهم ضرورة تفرغ الحكومة اليمنية لمواجهة تنظيم القاعدة وادخال بعض الاصلاحات في الحكومة بهدف الحد من السخط الشعبي المتزايد وتقليل عوامل عدم الاستقرار في البلاد.

وأوحت جهود التهدئة والاعلان المتبادل بين الحوثيين والسلطات السعودية لوقف القتال بين الجانبين، والذي جرى بالتزامن مع انعقاد المؤتمر، وكذلك اعلان الحوثيين عن قبولهم شروط صنعاء الستة لوقف القتال، بأنها خطوة أخرى ضمن هذه الاستحقاقات العديدة خصوصا مع تأكيد القلق الغربي من امتداد الصراع الحوثي إلى خارج حدود اليمن.

لكن الرؤية اليمنية تتناقض مع المطالب الغربية في هذا الاتجاه، كما في قضايا الاصلاحات السياسية المطلوبة وطريقة انفاق اموال المساعدات، وغيرها. وسئل الدكتور علي مجور، كيف سيحل اليمن الصراع مع المتمردين الحوثيين في الشمال والانفصاليين في الجنوب فقال ان اليمن يعتبر ما يحدث في الشمال تمردا على الدستور والقانون فكيف يمكن حل مشكلة متمردين انقلبوا على الدولة ورفعوا السلاح على الحكومة ويطالبون باستقلالهم.

وفيما يتعلق بقضية الحراك الجنوبي، قال ان هناك أصواتا تطالب بالانفصال وهذا ليس جديدا فبعد وحدة اليمن في عام 1990 أعلنوا الحركة الانفصالية ولا تغير في موقفهم.

الواقع ان مؤتمر لندن كان فرصة مناسبة لتركيز انظار العالم نحو طبيعة المشكلات اليمنية. وان ادرك الأمريكيون والبريطانيون ولو نظريا بأن مواجهة القاعدة تستلزم مجموعة تدابير اقتصادية وسياسية واجتماعية اخرى. فان الاختلاف والتباين في طرق الحل وكيفية الدعم مازالت شاقة وطويلة.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى