arpo28

مؤتمر لندن.. بين مطالب الخارج واستحقاقات الداخل

450 كلمة تقريباً هي نص البيان الختامي لمؤتمر لندن حول اليمن، الذي استغرق نحو ثلاثة أسابيع من التحضير وانتهى بعد ساعتين فقط من المداولة، غير أن أصداءه ونتائجه ما تزال تتواصل حتى اللحظة، إن على المستوى المحلي، أو الإقليمي أو الدولي.

على المستوى المحلي تباينت ردود الفعل إزاء نتائج المؤتمر بين هتافات السلطة المزهوة بنشوة "النصر الموهوم" كما هي العادة، وضجيج المعارضة المليء بالسخط على الدوام، فالسلطة رأت بأن المؤتمر مثّل طوق نجاة للخروج من أزمات البلاد، وراحت تتغنى بالوهم، معتبرةً أن "ما أنجز في ساعتين لا يمكن إنجازه في أيام"، بينما المعارضة ما انفكت تندب حظها وتدعو بالويل والثبور لضياع اليمن على يد هذه السلطة "الفاسدة"، معتبرةً المؤتمر تدشيناً لاحتلال البلد ووضعه تحت الوصاية الأجنبية، لا بل وجهت انتقادها حتى للمجتمع الدولي، مؤكدة في بيان لها بأن "هذه الصورة (الغامضة) لنتائج هذا الاجتماع وضعت شراكة المجتمع الدولي من اليمن على المحك"، وأن "القرارات والمداولات تُقرأ بأنها اتجهت نحو إنقاذ السلطة السياسية في اليمن بدلا من إنقاذ الدولة التي تتعرض لتدهور خطير بسبب سياسات هذه السلطة نفسها"، معتبرة المؤتمر برمته "محاولة رديئة من قبل السلطة (....) نحو الاستقواء بالخارج في مواجهة الأوضاع الداخلية المتردية شديدة الخطورة والحياة الديمقراطية بشكل عام"، وهو برأيها "ما يفتح الأبواب نحو استنفاد آخر ما تبقى لليمن واليمنيين من آمال في مساعدة جادة وحقيقية يقدمها المجتمع الدولي والإقليمي تعزز من شراكة اليمن مع محيطه".

وفيما رأت بأن المؤتمر أحدث تغييراً "في مجرى علاقة اليمن الخارجية وشراكته مع المجتمع الدولي والإقليمي"، أكدت بأن ذلك "لن يكون لصالح اليمن وإخراجها من أزماتها وإنما لصالح تعزيز عدم الاستقرار والفساد الذي لا يعول عليه في إجراء أية إصلاحات، ظهرت في مواقف وبيانات المشاركين في هذا الاجتماع".

وعند الوقوف على شيء من المعطيات التي استندت إليها أحزاب المشترك في الوصول إلى هكذا نتائج وتفسيرات، إلا أن الناطق الرسمي الجديد لأحزاب المشترك محمد النعمي رفض الإدلاء بأي تعليق، مكتفياً بالقول "إنه لا يوجد لدينا أي تعليق حتى الآن، سوى ما تضمنه البيان".

بالنسبة للمسؤولين اليمنيين فقد كانوا حتى قبيل ساعات من الاجتماع معلقين آمالاً عريضة على الخروج بتعهدات مالية لدعم التنمية الاقتصادية في اليمن، رغم إعلان الدولة المستضيفة والمشاركين بأن اللقاء ليس مؤتمر مانحين، وهو ما حدث بالفعل، حيث أفرغ شركاء اليمن الدوليون ما بجعبتهم من مطالب وشروط والتزامات على كاهل الحكومة اليمنية من خلال البيان الختامي، مشددين على الوفاء بالتزاماتها لجهة مكافحة الإرهاب والتطرف والإصلاح الاقتصادي والسياسي، بينما لم يكن أمام الحكومة اليمنية سوى الإعلان عن الرضى بتلك النتائج، وأن "المؤتمر يلبي طموحات اليمن"، وإن كان لا يزال "بداية الطريق"، حسب تصريحات وزير الخارجية أبو بكر القربي.

غير أن آمال الحكومة اليمنية بالحصول على دعم اقتصادي دولي من المؤتمر لم تذهب سدىً، فقد تم ترحيلها إلى لقاء الرياض المرتقب أواخر فبراير الجاري، وكذلك عملية "أصدقاء اليمن" التي لم يكشف النقاب عن أجندتها وأهدافها، سوى أن أول لقاء لها في المنطقة سيعقد أواخر شهر مارس المقبل..

أما على الصعيد الإقليمي فقد بدا الأمين العام لجامعة الدول العربية غاضباً من عدم دعوة الجامعة العربية إلى المؤتمر، معرباً في تصريحات على هامش قمة دافوس الاقتصادية عن دهشته من قدرة المؤتمر على حل مشاكل اليمن في غضون ساعتين فقط، مشيرا إلى ما لذلك من دلالات خطيرة، كما وجه انتقادات حادة إلى المؤتمر ومنظميه، مضيفاً بأن الأوضاع في اليمن تتدهور منذ فترة طويلة، لكن أنظار المجتمع الدولي التفت إلى هذا البلد عندما ظهر اسم "القاعدة".

موقف أمين عام الجامعة العربية بدا مغايراً لموقف أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الذي شارك في المؤتمر، وجاءت كلمته التي وزعت على هامش المؤتمر رديفاً لتصريحات المسؤولين اليمنيين، من حيث التأكيد على أن حاجة اليمن تتمثل في دعم التنمية بدرجة أساسية، وأنه "لا مفر أمام اليمن من أن يجد حلا لمشاكله أياً كانت طبيعتها استنادا لمرتكزين هما الحوار والتنمية"، وإن اشترط في نفس الوقت "ما يتطلبه كلاهما من شفافية وصراحة في ظل الدستور اليمني، وبهدف تجنيب اليمن المزيد من المصاعب والآلام"، حد قوله، مؤكداً في السياق ذاته بأن "معالجة الشأن اليمني برمته هي مهمة أبناء اليمن أنفسهم وبكل فئاتهم".

على المستوى الدولي، ما أن انفض اجتماع لندن حتى أعلن في الولايات المتحدة عن موافقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على عمليات عسكرية مشتركة واخرى في مجال المخابرات مع القوات اليمنية، لمحاربة عناصر "القاعدة" في اليمن، وأن "هذه العمليات بدأت قبل ستة أسابيع وأدت إلى قتل ستة من زعماء القاعدة في المنطقة"، طبقاً لما نشرته "الواشنطن بوست"، مضيفة بأن "الولايات المتحدة تتقاسم ايضا معلومات مخابرات حساسة للغاية مع القوات اليمنية من بينها عمليات مراقبة الكترونية ومصورة وخرائط ثلاثية الأبعاد لأراض وتحليل لشبكة القاعدة".

وفي السياق أيضاً كشف مسؤولون في واشنطن عن اتفاق بريطاني أمريكي لدعم اليمن ماليا في حربه ضد ما يسمى "الارهاب"، وأن "الادارة الأمريكية تعمل على زيادة حجم قواتها الخاصة والمتمرسة على خوض حرب العصابات غير النظامية وذلك عبر ارسال المزيد من هذه القوات إلى اليمن لمساعدته في الحرب ضد الإرهاب وتدريب العسكريين اليمنيين"، كما أشارت مصادر الإعلام الأميركية إلى "أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وضعت خطة لزيادة التعاون مع العسكريين في هذا المجال"، فيما نقلت مصادر صحفية عن مسؤولين عسكريين القول بأن "حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدرس إنشاء صندوق خاص لتجهيز قوات الأمن اليمنية ودعمها وتدريبها من أجل مكافحة تنظيم القاعدة"، وأن الصندوق المقترح "قد يكون على غرار صندوق أنشئ العام الماضي لتعزيز قدرات باكستان لمكافحة الإرهاب".

وتشير مصادر صحفية إلى وجود مائتي عسكري أميركي الآن في اليمن للمساعدة في محاربة "القاعدة"، وانه من المحتمل إرسال ضعف أو أضعاف هذا العدد، فيما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، عن مسؤول أميركي إلى إمكانية "زيادة عمليات طائرات (بريديتور) بدون طيار، تحت إشراف القوات الخاصة الأميركية "سبيشال فورسيز"، بخلاف العمليات التي تجري في أفغانستان وباكستان تحت إشراف وكالة الاستخبارات المركزية (سي آى إيه).

وفي حال التأكد من صحة هذه المعلومات، فإنها تعزز مخاوف مختلف الأطراف المعارضة لنتائج مؤتمر لندن، خصوصاً ما يتعلق بالتفسيرات التي ذهبت إلى القول بان المؤتمر "عزز من مشروعية التدخل الأجنبي في اليمن"، ويدفع باتجاه التعاطي مع ملف اليمن بنفس السيناريو الذي مضت عليه الدول العظمى في ملف أفغانستان، في ضوء ما نص عليه البيان الختامي للمؤتمر بخصوص قرار مجلس الأمن رقم (1267) لعام 1999، وهو القرار الذي أنشئت بموجبه لجنة عقوبات على طالبان والقاعدة، ومهّد لغزو أفغانستان أواخر العام 2001.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى