تقدمت الحكومة اليمنية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بطلب إلى وكالة المخابرات المركزية الأميركية: هل بإمكان الوكالة جمع معلومات استخباراتية قد تكون مفيدة في استهداف الشبكة الخاصة بالعضو الأميركي المولد في تنظيم القاعدة أنور العولقي؟
ما حدث بعد ذلك كان أمرا يصعب نسيانه، في ضوء الأحداث اللاحقة: خلصت وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى أنه ليس بمقدورها مساعدة اليمنيين في تحديد موقع العولقي لتسهيل اعتقاله. وكان السبب الرئيسي هو أن الوكالة ليس لديها أدلة معينة على أنه يشكل مصدر تهديد لحياة الأميركيين، وهو ما يمثل السبب الرئيسي في أي عملية اعتقال أو قتل ضد مواطن أميركي. كما طلب اليمنيون مساعدة القوات الخاصة الأميركية في عملية البحث عن العولقي، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض كذلك.
وحتى إذا كانت وكالة المخابرات قد حصلت على الأدلة الدامغة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) على أن العولقي يمثل مصدر تهديد، وكان قد تم السماح للقوات الخاصة للقيام بعملية اعتقال، فكان الأمر سيتطلب الحصول على إذن من مجلس الأمن القومي. والسبب في ذلك هو أن استخدام أي قوة مميتة ضد أي «شخص أميركي»، مثل العولقي، يتطلب مراجعة البيت الأبيض.
وكانت السلسلة اللاحقة من الأحداث بمثابة إظهار مقلق لقوة العولقي كمسهل لأنشطة القاعدة، ففي الخامس من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، قتل الضابط في الجيش الأميركي الميجور نضال حسن 13 من زملائه الجنود في قاعدة فورت هوود العسكرية في ولاية تكساس، وكان حسن قد تبادل 18 بريدا إلكترونيا أو أكثر مع العولقي خلال الشهور التي سبقت الحادثة، وفقا لوكالة أنباء «أسوشييتد برس». وبعد ذلك، وفي يوم عيد الميلاد، حاول عمر الفاروق عبد المطلب، شاب نيجيري كان يعيش في اليمن في وقت سابق، تفجير طائرة متجهة إلى ديترويت. ويقال إن عبد المطلب اعترف في وقت لاحق بأن العولقي كان أحد الذين دربوه للقيام بهذه المهمة. تستحق قضية العولقي إعادة النظر وذلك لعدة أسباب. فمن الاستفادة من التجارب السابقة، يبدو واضحا أنه كان شخصا خطيرا حقا. ولو ساعدت الولايات المتحدة اليمنيين في القبض عليه، لكان من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تعطيل محاولة عبد المطلب. لذا، فمن المفيد بحث القواعد التي قيدت هذه الخطوة في شهر أكتوبر ونوعية المعلومات الاستخباراتية التي كانت متوافرة لدى صانعي القرار.
وهذا التحليل ذو الأثر الرجعي غير عادل بكل تأكيد، لكنه يقدم نظرة مفيدة في عملية تقييم خيارات السياسة. فبعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، كانت هناك تحقيقات مفصلة لفشل إدارة كلينتون في القبض على أسامة بن لادن أو قتله في أواخر تسعينات القرن الماضي، وفشل إدارة بوش في الانتباه إلى التحذيرات التي سبقت الهجمات الإرهابية عام 2001.
وما يثير الدهشة في قضية العولقي هو كم المعلومات التي كانت في حوزة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية الأميركية حوله. كان اثنان على الأقل من الخاطفين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر يحضران الدروس التي كان يلقيها في أحد المساجد في سان ديغو. كما جرى العثور على رقم هاتفه في الشقة الخاصة برمزي بن الشيبة في هامبورغ، وهو الخاطف رقم 20. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي مهتما بالعولقي حتى قبل الحادي عشر من سبتمبر، نظرا للزعم بأنه كان يجمع الأموال من أجل حركة حماس. لذا كان هناك قلق استخباراتي يرجع إلى ما يقرب من عقد مضى من أنه قد يكون أحد عملاء «القاعدة».
أما عن نضال حسن، فقد كان يحضر الدروس التي ألقاها العولقي في مسجد آخر شمال ولاية فيرجينيا. وفي الواقع، وفقا للعولقي، عندما اتصل حسن به لأول مرة عن طريق البريد الإلكتروني في 17 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2008، كتب يقول: «هل تتذكرني؟ لقد كنت معتادا أن أصلي معك في مسجد فيرجينيا». وفي رسالة أخرى، قيل إن حسن أخبر العولقي: «لا أقدر على الانتظار للحاق بك» في الدار الآخرة.
وبكل وضوح، راجع المحققون في المخابرات العسكرية هذه الرسائل قبل حادثة فورت هوود، لكنها لم تدفعهم إلى اتخاذ أي خطوة. وإذا كانت هذه الرسائل لا تلبي الحد الأدنى للشعور بالقلق، فثمة خطأ إذن في هذا الحد الأدنى.
وأجاب مسؤول أميركي مطلع على القضية، قائلا: «العولقي لم يقم بأي دور تنفيذي حتى شهر نوفمبر. لم تكن القضية متعلقة بعدم توافر معلومات استخباراتية على الإطلاق. حتى اليمنيون لم يعتقدوا أنه كان يلعب دورا تنفيذيا». ويشير هذا المسؤول أيضا إلى أنه «كان هناك قرار في السياسة الأميركية بعدم نشر القوات»، مما يقيد أي عمل عسكري.
وبالعودة إلى الماضي، يبدو واضحا أن المعلومات المتاحة ينبغي أن تقود إلى تدقيق أوثق لكل من حسن والعولقي. ولن نعرف أبدا هل كان هذا التحرك سيردع حسن أم لا. لكن بالنسبة للعولقي، يقول مسؤولون الآن إنه على قائمة الاستهداف الأميركية.
وفي النهاية، هل من المعقول طلب إذن مجلس الأمن القومي قبل القيام بعملية محتمل أن تكون مميتة ضد أي مواطن أميركي مثل العولقي؟ وإجابتي عن هذا السؤال هي: نعم. والمستوى الأدنى للقيام بأي عمل في عام 2009 كان مناسبا في ذلك الوقت ولا يزال كذلك: يحتاج استخدام أي قوة مميتة دوما إلى ضوابط دقيقة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمواطنين أميركيين.
الأسئلة الافتراضية بشأن اليمن مقلقة، ليس لأنها تذكر بأن الوكالات الاستخباراتية عليها أن تقوم بحسابات حياة أو موت قائمة على أدلة غير كاملة، من الممكن أن تؤدي إلى عواقب كارثية إذا كانت خاطئة. وبمقدورنا أن نرى الآن أن ما كان مطلوبا في شهر أكتوبر الماضي هو معلومات أكيدة تلبي المعيار القانوني المطبق.