[esi views ttl="1"]
arpo14

القصة الحقيقية للعملة الخليجية الموحدة

أثبتت العملة الخليجية الموحدة أنها تمثل هدفًا جوهريًا بالنسبة لدول الخليج وركيزة أساسية لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود فيما بينها، بيد أنه بالرغم من المكاسب المتوقعة للاتحاد النقدي فإن ثمة عقبات كثيرة تقف في طريق تحقيق هذا الهدف.

من منا لا يعرف حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة .. هذا العمل الروائي الرائع الذي يضم عددًا من القصص تم جمعها على مدار قرون من الزمان، ولم يتوقف أبدًا عن تقديم المزيد والمزيد من القصص المثيرة والروايات الجديدة، في كل ليلة تروي شهرزاد للملك قصة مثيرة تجعله في حالة ترقب شديد، ثم تتركه مع طلوع الفجر دون أن تكمل القصة، مؤجلة بذلك نهاية القصة إلى الليلة التي تليها.

والحلم الذي يراود دول الخليج بتوحيد عملتها يشبه حكايات ألف ليلة وليلة في أنه قصة تتعدد فصولها وتمتلئ بالأحداث المثيرة التي تترك المتابعين لها يتساءلون في دهشة: لماذا لم يتحقق هذا الحلم إلى الآن؟

ظهرت فكرة العملة الخليجية الموحدة في البداية مع تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 باعتبارها من بين الأهداف المستقبلية الأساسية للمجموعة، وبناءً على فكرة تشكيل كتلة اقتصادية قوية، أقرت الدول الست الأعضاء في عام 1982، اتفاقية لتحقيق التكامل بين سياساتها المالية والنقدية والمصرفية، وكذلك تعزيز التعاون بين الوكالات النقدية والمصارف المركزية بما في ذلك السعي لتوحيد العملة، وبخلاف تأسيس منطقة للتجارة الحرة في عام 1983، كان التقدم الذي أحرزه المجلس في هذا الصدد متواضعًا، وبمرور الوقت، لم تعد أهداف الماضي على ما يبدو قابلة للتحقق في المستقبل القريب.

لم تمض 20 عامًا على طرح الفكرة في المجلس للمرة الأولى حتى طُرحت من جديد وبصورة أكثر جدية للنقاش بين دول المجلس، ولعل نجاح المرحلة الثالثة للاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي والتي من خلالها تبنت 11 دولة أوروبية اليورو كعملة موحدة لها في عام 1999، كان بمثابة الحافز للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على إحياء الفكرة من جديد.

ففي يناير/ كانون الثاني 2001، اتفق الأعضاء على سن تشريع يقضي بتوحيد سياساتهم النقدية كخطوة أساسية نحو توحيد العملة، وتم إعداد جدول زمني لتحقيق الانسجام بين السياسات النقدية والمصرفية الخليجية، والذي بموجبه تم الاتفاق على وضع تشريع للاتحاد النقدي بحلول عام 2005، متبوعًا بتحقيق الاتحاد النقدي وتوحيد العملة في عام 2010، وهذا بدوره تطلب اتفاقًا على ربط عملات دول الخليج بالدولار الأمريكي إلى أن يتم تفعيل العملة الجديدة.

وبصورة تدريجية، اكتسبت خطة توحيد العملة زخمًا جديدًا نتيجة لتأسيس دول مجلس التعاون اتحادًا جمركيًا إضافة إلى تعريفة خارجية في عام 2003، وفي هذه المرحلة، كانت جميع الدول الأعضاء قد ربطت عملتها بصورة جماعية بالدولار الأمريكي.

ووعدت الأجندة بأن تصبح كتلة دول مجلس التعاون الخليجي أكبر منطقة اقتصادية خارج منطقة اليورو إذا التزم الجميع بالخطة، لقد دفع استحواذ المنطقة على 45% من الموارد النفطية في العالم دول المجلس إلى الاعتماد بشكل مكثف على عوائدها النفطية، ومن ثم فإنه ليس هناك شيء أهم بالنسبة لدول مجلس التعاون من تخفيف الضغط على مخزونها من الذهب الأسود وتنشيط قطاعات أخرى من اقتصاداتها، والمتوقع للعملة الموحدة أن تعزز التكامل في سياساتها وأن تزيد الشفافية في المنطقة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى زيادة الاستثمارات المشتركة بينها وتقوية النشاط التجاري نتيجة إزالة تكاليف التعاملات التجارية.

ومن الناحية النظرية، كان الاتجاه نحو تحقيق تكامل اقتصادي كامل أمرًا أكيدًا، لكن على أرض الواقع، كانت هناك العديد من جوانب القصور في التخطيط وتنسيق الجهود وتطبيق الخطط التي سبق إعدادها، ناهيك عن الاضطرابات الدولية، التي كان لها تأثير كبير في أن تظل العملة الخليجية الموحدة مجرد سراب وذلك خلال النصف الثاني من العقد الماضي.

ربط العملة الموحدة بالدولار الأمريكي

في البداية، أعلنت الدول الأعضاء الست أن العملة الخليجية الموحدة سوف يتم ربطها بالدولار الأمريكي بمجرد أن ترى النور، وبناءً عليه، تم التوصل إلى اتفاق لربط عملات دول مجلس التعاون بالدولار الأمريكي على أمل تحقيق اتحاد نقدي قبل إطلاق العملة الجديدة، وقد شهد النصف الأول من العقد الماضي ربط ست دول لعملاتها بالدولار الأمريكي بناءً على استقرار قيمته المرتفعة في ذلك الوقت.

ومع اندلاع الأزمة الاقتصادية، تراجعت قيمة الدولار الأمريكي وفقد جاذبيته مما أثار جدلًا حول الارتباط بالدولار الأمريكي، وبناءً عليه، بدأت دول الخليج في بحث خيار ربط عملتها بسلة منتقاة من العملات، بما فيها اليورو أو نظام الصرف العائم. بل إن بعض الدول طالبت بأن يتم ربط العملة الموحدة بالذهب لاستئصال الربا المحرم من الأنظمة المالية الإسلامية الخليجية، وعلى كلٍ، فإن القضية لا تزال غير مؤكدة.

المتلازمة البريطانية

القصة لا تنتهي عند هذا الحد، فمن بين الخلافات الأخرى بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أن الكويت قامت في عام 2007، بوقف ربط عملتها بالدولار الأمريكي.. مما أصاب الاتحاد النقدي الخليجي بصفعة قوية، وتلى هذا اتفاق بين المصرفيين المركزيين العرب على وضع سياسات مستقلة في التعامل مع التضخم المتزايد.

عندما قامت المملكة المتحدة بالتخلي عن اليورو طواعية، كان لديها تحفظات تتعلق بالالتزامات الاقتصادية والمالية والسياسية، التي سوف يتعين عليها الوفاء بها، وبالمثل، اتخذت عمان في عام 2008 قرارًا بالانسحاب من الاتحاد النقدي بناءً على عجزها عن الوفاء بالشروط المسبقة للاتحاد النقدي في عام 2010.

وحتى يحفظ المصرفيون المركزيون الخليجيون ماء وجوههم ويحاولوا استعادة ما فقدوه من زخم، قاموا في عام 2008، بإعداد مسودة لاتفاقية نهائية للاتحاد النقدي واتفقوا على تأسيس مجلس نقدي من أجل تمهيد الطريق أمام تأسيس مصرف مركزي مشترك في عام 2008، بيد أن هذا لم يحُل دون الانسحاب الإماراتي في عام 2009.

فمن الوهلة الأولى، يُرجِع كثيرون انسحاب الإمارات العربية المتحدة إلى قرار مجلس التعاون بأن يكون مقر المصرف المركزي المشترك في المملكة العربية السعودية وليس في دولة الإمارات، بعد أن كانت الإمارات العربية هي الدولة الأولى التي قدمت طلبًا باستضافة المصرف المركزي الخليجي على أراضيها وذلك في عام 2004، إضافة إلى حقيقة أنها لا تستضيف حاليًا أي مؤسسات تابعة لمجلس التعاون الخليجي.

و يُظهر المزيد من البحث أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها تحفظات فيما يتعلق بالاتحاد ككل، حيث تعتقد أن "التطبيق التدريجي لعملة قياسية من جانب دول مجلس التعاون خلال فترة زمنية معقولة يعد ضروريًا لاختبار سياستهم النقدية الموحدة وتقييم ما يمكن تعديله قبل تطبيقها في الاقتصاد، وكذلك تقييم مدى تأثيرها على النظم المصرفية الخليجية"، معتبرةً الاتحاد الأوروبي نموذجًا في هذا الصدد، ومن الواضح أن هذا لم يحدث، وبناءً عليه لم تنضم الإمارات مثلها مثل عمان للاتحاد بهدف تجنب المخاطرة.

المجلس النقدي الخليجي

ربما كان تأسيس المجلس النقدي الخليجي عام 2008، بمثابة بداية أخذ العملة الموحدة للطابع المؤسسي، ورغم ذلك لا تزال هذه الخطوة التي جاءت متأخرة تعاني العديد من جوانب القصور، حيث يجب أن يلعب المجلس نفس الدور الذي كانت تلعبه المؤسسة النقدية الأوروبية قبل أن يحل محلها البنك المركزي الأوروبي.

وباعتباره اللبنة الأولى في تأسيس المصرف المركزي الخليجي المنشود، كان الهدف من المجلس النقدي تنسيق سياسات الدول الأربع والتخطيط لتطبيق فكرة المصرف المركزي بصورة تدريجية، إلا أن المجلس، ومنذ إنشائه عام 2008، أمضى وقتًا في إجراء البحوث يفوق الوقت الذي أمضاه في بناء إطار مؤسسي للاتحاد النقدي، ولم يقرر المجلس بعد سياسات ربط العملة الخاصة بالاتحاد، ولم يحدد الأساليب النقدية المشتركة ولم يتوصل إلى نظام موحد لمواجهة الأزمات المالية.

ويُقال إن اختيار محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي كأول رئيس للمجلس النقدي الخليجي يهدف إلى إحياء الطموحات فيما يتعلق بمستقبل المجلس وبالتبعية مستقبل الاتحاد النقدي، وقد أعلن الرئيس الجديد للمجلس، محمد الجاسر، أن الأولوية للمجلس سوف تكون هي "صياغة الإطار القانوني والتنظيمي للمصرف المركزي بالتنسيق مع المصارف المركزية أو مؤسسات النقد في الدول الأعضاء".

النموذج الأوربي في الأذهان

لم يكن قرار مجلس التعاون الخليجي بتأجيل الاتحاد النقدي حتى عام 2013 مفاجئًا، وذلك في ضوء الضربات التي تعرض لها الواحدة تلو الأخرى، لكن لماذا لم تصل قصة الاتحاد النقدي الخليجي إلى نهاية مماثلة للنهاية التي توجت قصة الاتحاد النقدي الأوروبي؟

بينما تتسم عملية الإعداد بقدر من الأهمية، تتسم عملية التنفيذ بقدر أكبر من الأهمية، وهذا هو ما مميز التجربة الأوروبية على عكس نظيرتها الخليجية حتى الآن، فمجلس التعاون الخليجي، الذي يفترض أنه أقيم على غرار الاتحاد الأوروبي لم يقم بتنفيذ الكثير من خططه بسبب عدم الفاعلية فيما يتعلق بالتنسيق بين أعضائه وعدم قدرتهم على الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ، حيث يرجع جانب من نجاح الاتحاد الأوروبي إلى خطته الجيدة من أجل عملة مشتركة، وهي الخطة التي تم تقسيمها إلى عدد من المراحل، التزمت بها الدول الأعضاء بالاتحاد، لكن لا يزال هناك تأخير في تنفيذ دول مجلس التعاون لأجندتها، ولم تقم سوى بإقامة مجلس نقدي لا يمارس سوى بعض الأنشطة وذلك كخطوة أولى.

وكثرة عدد الدول ذات الاقتصادات المستقرة في الاتحاد الأوروبي أدت إلى حماية الاتحاد النقدي من التداعيات السلبية، التي كان يمكن أن تنجم عن غياب بريطانيا من الاتحاد، أما انسحاب الإمارات وعمان من الاتحاد الخليجي كان معناه حرمانه من الكثير من النفوذ الاقتصادي.

كانت أجندة توحيد العملة الأوروبية قد تعرضت للانتقاد باعتبار الاتحاد النقدي أولوية مقدمة على الاتحاد السياسي، كما تعرض الاتحاد الأوروبي للانتقاد فيما يتعلق بالفشل الذي كان متوقعًا فيما يتعلق بتخفيف التفاوت في معدلات البطالة، نظرًا لعدم مرونة أسواق العمل وصعوبة الهجرة بين المناطق المختلفة، وعندما يوجه مثل هذا الانتقاد للاتحاد النقدي الخليجي، فإنه يعد انتقادًا دقيقًا إلى حد ما، ففي الواقع تعد دول الخليج غير قادرة على إقامة أجندة سياسية متسقة فيما بينها، كان هذا هو سبب انسحاب دولتين وتأجيل إقامة الاتحاد ككل.

كما أن مناقشة السياسيات النقدية، التي سوف تستخدم لتنظيم معدلات البطالة، إضافة إلى قضايا ثانوية أخرى، تعد من الأمور السابقة لأوانها، على اعتبار أن الدول الأعضاء لا تزال عليها تحقيق المتطلبات الضرورية من أجل إقامة منطقة جيدة للعملة، ولا يعني هذا أن تنظيم الأمور الخاصة بمعدلات البطالة بين دول الخليج يعد أمرًا مستحيلًا، فعلى النقيض لم تعانِ دول الخليج من مشكلات فيها يتعلق بالهجرة ولا من التنوع في التقاليد واللغات، وهي المشكلات التي تتعرض لها الدول الأوروبية، ولهذا السبب يمكن أن يكون التعامل مع البطالة أسهل بكثير بمجرد دخول الاتحاد النقدي الخليجي حيز التنفيذ، وذلك مقارنة بالاتحاد الأوروبي.
ومن المفارقة، أنه بينما استغرق الاتحاد الأوروبي وقتًا للتكيف، تريد دول مجلس التعاون الخليجي أن تحقق هذه القفزة الهائلة دون تدرج، وهذا يعد نوعًا من التهور، فالاتحاد الأوروبي استخدام عملة قياسية لاختبار سياسته النقدية حتى يصل في النهاية إلى مرحلة تنفيذ سعر الصرف العائم، لكن دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال تقف حائرة بين ربط عملتها بالدولار، أو بسلة عملات أو اختيار سعر صرف عائم، دون اهتمام بوجود مرحلة انتقالية، وقد عزز ذلك حالة التردد بين دول مجلس التعاون الخليجي.

الطريق إلى العملة الخليجية الموحدة ربما كان مفروشًا بنوايا شبيهة بالنوايا الأوروبية، ولكن المعركة المستمرة ضد التضارب والفوضى الاقتصادية الحالية أدى إلى إرجاء النهاية السعيدة. والمرحلة القادمة ينبغي أن تشهد قيام الدول الأربع المتبقية بإجراء تغييرات كبيرة، فيما يتعلق بالتنسيق فيما بينها، وإذا لم يحدث هذا، فإن قصة العملة الخليجية الموحدة سوف تبقى بلا نهاية مثل حكايات ألف ليلة وليلة.

زر الذهاب إلى الأعلى