إثنان وثلاثون عامًا قضاها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وهي المدة الزمنية الأطول في عهد الزعماء الذين تولوا حكم اليمن خلال الـ100 عام الأخيرة. إلا أن إسم نجله "أحمد" يبرز أخيرًا كأحد الوجوه التي يمكن أن تتولى الحكم بعد الرئيس صالح، وهو حاليًا يقود قوات الحرس الجمهوري.
لم تستقر اليمن طويلاً على نظام سياسي واحد منذ تسلم أئمة الدولة المتوكلية الحكم من الأتراك في عشرينيات القرن الماضي وحكم اليمن منذ ذلك الوقت الأمام يحي حميد الدين من 1921 حتى 1948 في دولة ماكان يسمى ب "المملكة المتوكلية اليمنية".
هذه الدولة التي شهدت ثورات ونزاعات بسبب انغلاق النظام على العالم والديكتاتورية المفرطة انتهت بعد 41 عامًا حيث سقطت الدولة بيد الثوار الذين سيطروا على دولة الإمام "أحمد" نجل الإمام يحي بعد أن استمر في الحكم 14 عامًا وبذلك تكون دولة المتوكليين قد ذهبت ليبدأ النظام الجمهوري في العام 1962 بمساندة مصرية من قبل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
هنا بدأت مرحلة جديدة من الصراعات الدموية، ووقعت حرب بين الملكيين والجمهوريين وانتهت بهزيمة الملكيين على يد الثوار اليمنيين وبمساندة القوات المصرية المتواجدة على أرض اليمن واستمر إرساء دولة الجمهوريين إلى بداية السبعينات.
في ذلك الوقت، كان قد تولى الحكم في اليمن كلا من الراحل عبدالله السلال أول رئيس جمهوري في اليمن فانقلب عليه القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي استمر في الحكم قرابة 7 سنوات وكان مصيره كسابقه حيث انقلب عليه الراحل إبراهيم الحمدي في انقلاب أبيض خير فيه الارياني بين البقاء في اليمن أو اختيار أي بلد فاختار المنفى وودعه الحمدي إلى مطار صنعاء.
فترة الحمدي يعتبرها اليمنيين أسعد ثلاث سنوات عاشها اليمن حيث بدأت فيها سلطة النظام والقانون تسري على الجميع وكان الحمدي صاحب مشروع دولة بعيدًا من الطبقية والقبلية، وهو الأمر الذي اصطدم مع الواقع الاجتماعي اليمني، فقتل الحمدي وشقيقه في عملية بشعة في العام 1977 مع شقيقه القائد العسكري عبدالله الحمدي.
بعد الحمدي جاءت إحدى أقل الفترات الرئاسية وهي فترة أحمد الغشمي التي لم تكمل حتى العام، ليقتل بحقيبة مفخخة قيل أنها أرسلت له من نظام الشطر الجنوبي لليمن سابقا، انتقاما للرئيس الحمدي الذي قيل أن الرئيس الأخير ضالع في قتله.
انتهت الفترات الرئاسية إلى هنا، ليبدأ عهد جديد هو الأطول استمرارًا. عهد علي عبدالله صالح، العسكري القادم من قرية بيت الأحمر في منطقة سنحان القبلية ومن خلفية مزارع وراعٍ بسيط إلى رجل أصبح الأقوى والأكثر تأثيرا.
صالح.. دهاء طال أمده
ما يحسب للرئيس صالح هو قدرته على الاستمرار طويلا على سدة الحكم في بلد لم يعرف الاستقرار منذ زمن طويل، حيث جاء صالح على إرث دموي ونظام متقلب يصعب التحكم فيه، حيث القبيلة تفرض هيمنتها إضافة إلى مشاكل الجهل والفقر وقلة الثروات.
شهد عهد الرئيس صالح هو الآخر صراعات لم تخل من الدموية أيضا، كما في المقابل يحسب له كثير من الانجازات أبرزها تحقيق الوحدة في العام 1990 إضافة إلى التعددية السياسية وقيام الدولة التي افتقدها الكثير لعقود من الزمن.
تجربة صالح أخذت في التطور خلال فترة حكمه، لكنها أيضا ومع السيطرة المفرطة على مصالح البلد وتوسع نفوذ القبيلة أخذت الدولة في الترهل، وأخذ النظام يأكل من رصيده الذي بناه سابقا، لتفتح جبهات صراع هي الأخطر.
وتعد جبهة الشمال (صعدة) إحدى أخطر الجبهات في تاريخ اليمن، لخصوصيتها المذهبية حيث اختلط في هذه الحرب المذهبي على أجندة دولية، في حين تشهد الجبهة الجنوبية صراعا مناطقيا تزرع من خلاله الكراهية كل يوم بواسطة مايسمى الحراك الجنوبي.
هذا الحراك أصبح يزرع الكراهية لكل ماهو شمالي، وأخذ الأمر يأخذ طابعا شرسا لايحمد عقباه.
لعب الرئيس صالح على متناقضات عدة خلال فترة حكمه، فاستعان بالإخوان المسلمين أكثر من مرة إحداها في مواجهة الجبهات الاشتراكية السرية في المناطق الوسطى، والأخرى في مواجهة قوات الحزب الاشتراكي في حرب صيف 1994 أو مايسمى بحرب الانفصال.
ولاية جديدة
في عهد صالح شهدت اليمن تجارب انتخابية منها 3 دورات انتخابية نيابية ودورتين رئاسيتين فاز فيهما، ويقرر خوض التجربة الثالثة بعد تعديل دستوري سيتيح له ذلك على الرغم من أن هذه الولاية كانت الأخيرة له وستنتهي في 2013.
يبرز إلى السطح الآن اسم نجل الرئيس "أحمد" كأحد الوجوه التي يمكن أن تتولى الحكم بعد الرئيس صالح، حيث تنتشر صور أحمد علي في أرجاء اليمن كدعاية مبكرة جدًا، وهو حاليًا يقود قوات الحرس الجمهوري، لكن أمام أحمد علي عدد من النقاط يجب عليه تجاوزها أبرزها النقاط القبلية والراغبين بالحكم من القبائل إضافة إلى قوة المعارضة وبرغم أنها لاتشكل حاليًا وزنًا مهمًا إلا أنها يمكن أن تفعل شيئًا إذا أرادت خصوصًا مع وجود قوة حزب "الإصلاح" الإسلامي، لكن كل ذلك لا يمثل شيئًا أمام القوات المسلحة التي يمكن أن تحسم الأمر "بالصوت أو بالسوط".
من الرقص على الثعابين إلى الرقص على الجمر
يقول الكاتب السياسي أحمد الزرقة إن فترة حكم الرئيس صالح هي واحدة من أهم الفترات التي مرت بها اليمن نظرا لتنوع وتعدد الأحداث والتحولات التي مرت بها اليمن والمنطقة، الرجل الذي تسلم حكم شمال اليمن في ظروف صعبه بات اليوم يحكم اليمن الموحد ويحتفل اليوم ببقائه رئيسًا لفترة تقارب الفترة التي عاشها قبل تسلمه الحكم.
ويضيف الزرقة: "بعد 32 عامًا من التربع على كرسي الحكم الذي قال عنه الرئيس نفسه انه كرسي من نار وانه يرقص على رؤؤس الثعابين أصبح اليوم أشبه بالرقص على الجمر، يسير على رؤؤس أصابعه في طريق مليئة بالحفر والمخاطر، وتتشابه الصورة اليوم مع الصورة بالأمس عند بداياته حين كانت هناك مشاكل عنيفة تهدد الاستقرار السياسي وصراعات بين الشطرين، اليوم هناك حرب في شمال الشمال وحراك مسلح في جنوب اليمن وتنظيم القاعدة ظهر كعدو يمتلك القدرة على التأثير، إضافة إلى الصعوبات الاقتصادية الجمة التي تواجه اليمن وارتفاع معدلات الفقر والبطالة".
ويرى إن "الرئيس صالح وان كان هو الشخص الوحيد في اليمن الذي يمتلك مفاتيح اللعبة السياسية يبدو أخيرًا انه بدأ يعاني من حالة من الملل وقلة من المرونة التي عرف بها، وبات أكثر ميلاً للانفراد باتخاذ القرار وإقصاء معارضيه، كما أصبح مشغولاً بتأمين انتقال السلطة لابنه وتسليم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية والأمنية لأقاربه من الدرجة الأولى".
ويتابع الزرقة: "يدرك الرئيس صالح أكثر من غيره أن استمرار أي شخص قادم على راس هرم السلطة لن يكون إلا عبر المؤسسة العسكرية وبالتالي أصبح يولي المؤسسة الأمنية والعسكرية اهتماما يفوق اهتمامه بالمؤسسات المدنية".
ويعتقد الزرقة إن الرئيس صالح أصبح اليوم أكثر تشبثًا بكرسي الحكم "فمن عاش أكثر من نصف حياته رئيسا لا يمكن له التفكير بسهوله بترك ذلك الكرسي بسهولة خاصة في ظل انعدام إمكانية وجود معارضة حقيقية وفاعلة تشكل خطرًا على الرئيس، من اجل هذا تم التوصل لاتفاق سياسي لتعديل الدستور وفترة ولاية الرئيس بما يسمح له بالترشح لفترتين انتخابيتين قادمتين".