[esi views ttl="1"]
رئيسية

إصابة صالح.. الفاعل والنتيجة

بحث عن الفاعل
ما بعد إصابة صالح

لم يعد النظام اليمني بعد يوم الجمعة 3 يونيو/حزيران الحالي شبيها بما قبله، فحادثة الانفجار التي دوت في مسجد دار الرئاسة أصابت معظم قيادات الصف الأول في نظام الرئيس علي عبد الله صالح، ومن المرجح أن يكون الرئيس صالح قد وقع ضحية مؤامرة شاركت فيها أطراف دولية شبيهة بالسيناريو الذي صعد به إلى السلطة.

فالرجل الذي تولى مقاليد الحكم في اليمن في 17يوليو/تموز 1978، بدعم سعودي، ورضى أميركي، باعتبار أن واشنطن كانت تتعامل مع صنعاء حتى أوائل التسعينيات عبر بوابة الرياض، هو اليوم يخرج من الحكم بحادث غامض، من المرجح أن يكون أميركي، خاصة بعد أن طال بقاء صالح في الحكم، واتسعت رقعة الاحتجاجات الشعبية، ودخلت البلاد في بوادر حرب شرسة شملت النصف الجنوبي من العاصمة، وأجزاء متفرقة من البلاد.

واستخدم صالح في هذه المعركة كل أنواع الأسلحة في قتاله مع أبرز عُقده الشخصية، وأبرز حلفاء النظام السعودي، وهم آل الأحمر شيوخ قبيلة حاشد، واستخدم الأسلحة في قتاله ضد قبائل قيدت تحركات معسكرات موالية لنظامه، وضد تنامي نشاط الشباب الغاضبين في ساحات وميادين التغيير.

ولم يترك صالح وسيلة ولا حيلة إلا واستخدمها، من بث الشائعات إلى قذف قنابل الأعصاب، ومن زرع الخلافات بين المحتجين إلى توزيع الأموال على المنتفعين، مروراً باستخدام القناصة وإشعال الحرائق، وقطع المياه والكهرباء والديزل والبترول والغاز المنزلي، وتقييد تنقلات الناس والبضائع بين المحافظات.

بالتأكيد أن يوم الجمعة 3 يونيو/حزيران كان يوماً لتشييع نظام صالح إلى غير رجعة، وأنه يوم مفصلي في تاريخ اليمن السياسي المعاصر، لأن الحادثة لم تستهدف رأس النظام فقط، إنما أخذت معه رؤوسا ورموزا كثيرة: رؤساء الوزراء والبرلمان والشورى، وعددا من قيادات الدولة والحزب الحاكم.

بحث عن الفاعل
قد تكون الحادثة تمت بواسطة طائرة أميركية من غير طيار، وقد تكون من مكان ما على الأرض، وقد تكون من أعلى جبل النهدين المطل على قصر الرئاسة، والذي يتمركز فيه لواء النهدين التابع للحرس الجمهوري.

فالروايات حتى الآن متضاربة في الكيفية، ومتفقة في الهدف، فرواية تشير بأصابع الاتهام إلى طائرة من غير طيار، ورواية ثانية تتحدث عن "خيانة" من الداخل، وأن عربة صواريخ كانت تقف على بعد أمتار قليلة من محراب مسجد دار الرئاسة، ومنها انطلق صاروخان باتجاه القبلة، وأن أفراداً قاموا بضرب رصاص كثيف على قيادة الدولة أثناء محاولة إسعافهم من المسجد.

ورواية ثالثة تتبناها دوائر استخباراتية غربية وأميركية تتحدث عن انفجار عبوات ناسفة داخل المسجد، واستناداً إلى هذه الرواية فإن مؤذن المسجد "محمد الغادر" يعد أحد أبرز المشتبه فيهم المختفين حتى الآن.

ورواية رابعة تقول إن مسلحين اقتحموا النقاط الأمنية المقابلة لفندق شهران "جنوب دار الرئاسة" وقتلوا أفرادها أثناء خطبة الجمعة وصعدوا إلى التباب الجبلية المطلة، بسيارات عدة ومن هناك استخدموا أسلحة حديثة بتوجيه أكثر من قذيفة إلى المسجد، وتذهب الرواية إلى إطلاق نار من رشاشات عديدة كانت بجوار المسجد على الرئيس صالح وأركان حكمه، وطبقاً لهذه الرواية فإن حراسة الرئيس صالح غيّرت مسار موكب إسعافه من منتصف الطريق، من مستشفى 48 التابع للحرس الجمهوري "جنوب العاصمة"، إلى "مجمع العرضي الطبي" وسط العاصمة، وجاء التغيير خوفاً من الإجهاز على الرئيس صالح داخل مستشفى 48، وأن "العرضي" أكثر أمانا ويمكن الإحاطة به بسهولة.

والمنطق الذي ينافي هذه الرواية أن التباب التي تفترض الرواية أن يكون القصف تم منها تقع جنوب المسجد، والضرب وقع على واجهة المسجد والمحراب، أي من الجهة الشمالية، وبالتالي لا يمكن قصف واجهة المسجد "الشمالية" من تباب مرتفعة في جنوبه.

وحتى اللحظة لم يقدم الجانب الحكومي اليمني رواية رسمية معتمدة، إذ لا يزال هو الآخر متخبطاً بين اتهام آل الأحمر كما صرح الرئيس صالح في تسجيل صوتي عقب الحادثة بعشر ساعات تقريباً، وناقضه سكرتيره الإعلامي أحمد الصوفي باتهام أميركا بالضلوع في الحادثة، ثم تصريحات أمنية غير رسمية تتهم فيها تنظيم القاعدة بالوقوف وراء عملية التفجير.

ما بعد إصابة صالح
السعودية لا تريد صوملة اليمن ولا تتمناها، فالحدود بين البلدين تتجاوز 1500 كيلومتر، ومن الممكن أن تتسرب الجماعات المسلحة إلى الأرضي السعودية، وتهدد أمنها واستقرارها، وبالتالي تتهدد المصالح الدولية من اضطراب السعودية، المصدر الأول للنفط في العالم.

والسعودية لا تريد بقاء صالح على حساب دماء حلفائها الإستراتيجيين من آل الأحمر، ولا تريد أيضاً نجاح ثورة شعبية على حدودها، حتى لا تتوسع دائرة عدواها إلى الأراضي السعودية.

في مقابل ذلك يعد بقاء صالح في الحكم 33 سنة ورغبته في التمديد والتوريث محرجاً لأميركا، إذ كيف تعتبر صالح حليفاً إستراتيجياً في مكافحة الإرهاب وتقدم له الدعم اللوجستي، وهو من يتصدر قوائم المنظمات الدولية كواحد من أبرز المنتهكين لحقوق الإنسان والحريات العامة، ويقود أحد أبرز الأنظمة الدكتاتورية في العالم، وفي الوقت ذاته تتفهم الولايات المتحدة مشاعر حليفتها السعودية، لذا كان لا بد من التوافق بينهما على مخرج للرئيس صالح يكون آمناً وأقل كلفة.

ومن المتوقع أن تحتفظ السعودية بالرئيس صالح لديها حتى وفاته، وستعمل دون عودته لأسباب أولها صحته المتدهورة باستمرار، والمؤشرات دالة على ذلك وواضحة، فالتقارير الطبية السعودية بدأت بالحديث عن حروق في واجهة جسد صالح، ووجود شظية بطول 7سم تحت القلب، وأنه يحتاج إلى أسبوعين للتعافي، ثم تقرير عن توقف رئته اليسرى تماماً، ثم تقرير ثالث عن معاناة صالح من تمزق في أعصاب الرقبة، ورابع تحدث عن تعرض صالح لفشل كلوي نتيجة الفاجعة، فضلاً عن معاناته من السكر.

وخامس تحدث عن كسر في عظمة الرقبة ونزيف في الجمجمة، وأنه "يحتاج إلى أشهر طويلة حتى يستعيد عافيته".

وفي المحصلة تكون السعودية قد حدت من فعل تأثير عدوى الثورة عليها، باعتبار أن صالح مات طبيعياً على أراضيها، نتيجة معاناته من حادثة الانفجار، ويكون الرئيس صالح قد حافظ على كبريائه ولم يسقط أو يُخلع بفعل ثورة شباب التغيير.

والمجتمع الدولي اليوم يدرك أن عودة الرئيس صالح من مشفاه في السعودية لممارسة الحكم، لا تعني غير عودة عود الثقاب المشتعل إلى برميل البارود، فوضع اليمن على شفا الانفجار، وصمام أمان الوطن هو خروج صالح من الحكم، لأن ما بعد عودته ستكون بالنسبة له مشاريع تصفية وانتقام، وبالنسبة لشباب الثورة وقادة المعارضة ستكون مشاريع تصعيد، قد تجنح في بعض المحافظات إلى ردود فعل مسلحة، وفي الحالتين ستكون مقدمات إلى فتح أنهار من الدماء.

وهنا فإن ما تبقى من أنصار صالح ليس أكثر مما تبقى من عافيته.

زر الذهاب إلى الأعلى