رئيسية

الدكتور محمد جميح: عندما توجد الدولة القوية تذوب كل الدعوات الماضوية

قال: إن كل مشاكل اليمن منبعها غياب الدولة ولو استطاع اليمنيون التوافق على بناء الدولة المدنية الحديثة لتلاشت كل النزعات الجهوية والمناطقية ومشاريع التقسيم والتشرذم .. الكاتب والخبير اليمني وعضو مؤتمر الحوار الوطني الدكتور محمد جميح في حوار مقتضب يقرأ آخر المستجدات على الساحة المحلية ويستشرف آفاق مستقبل الوطن.

*قراءتك لآخر مستجدات المشهد السياسي؟
- نستطيع القول: إن آخر مستجدات المشهد السياسي مرتبط بالحوار الوطني اليوم، العمل جار اليوم لتقسيم فرق الحوار إلى مجموعة عمل، وقد أنهى المؤتمر خطط النزول الميداني، وقد كان الشهر الأول كما تعرف جلسات عامة، والشهران اللذان بعده هما مرحلة العمل الميداني، وسيلي ذلك جلسات عمل عامة مدتها شهر، ويبقى شهران لما لم يستكمل من العمل، الآن الفرق أعدت خططها للمرحلة القادمة، أنا مثلا في فريق الحكم الرشيد أنهينا خطتنا فيه ووزعنا العمل في أربع محافظات، ولدينا ثلاث مجموعات في هذا الفريق، هي فريق مكافحة الفساد، والأحزاب السياسية، ومجموعة العدل والمساواة، طبعاً الأمانة العامة للمؤتمر ستشرف على هذه الخطط، وهي لما تبقى من هذه الفترة لشهر ونصف قادم.

* حتى الآن أخذت القضية الجنوبية جدلاً واسعاً إلى حد كبير .. ما طبيعة هذا الجدل؟
- طبيعة عمل فريق القضية الجنوبية فيها صعوبة كبيرة، ولا تنس أنها المدخل الحقيقي لحل مختلف القضايا كما يقرر الكثير، وهناك مشاريع كثيرة داخل القضية الجنوبية منها مثلا مشروع فك الارتباط الذي بدأ سقفه ينخفض، لدينا مشروع أو مشاريع الفيدرالية إلى إقليمين أو أقاليم متعددة، ومثل هذه المشاريع مطروحة، ولا يزال الفريق يدرس كل الخيارات المطروحة إلى جانب هذين، وأنا متفائل بالتوصل إلى حل مناسب يحافظ على الدولة الواحدة، وعلى الوحدة اليمنية، لأن معظم المتحاورين متفقون على ذلك، خاصة عندما وجدوا أنفسهم أمام مسئولية تاريخية أمام الوطن.

* هناك من يطرح اليوم الفيدرالية من إقليمين أحدهما جنوبي وآخر شمالي؟
- هذا يطرحه البعض من الإخوة الجنوبيين والإخوة في المناطق الشرقية، بحيث يقسم كل إقليم أيضا إلى عدة أقاليم، وهو مجرد طرح على الطاولة، وهي أفكار لم تحسم حتى الآن، ربما ستتضح الأفكار بصورة أكثر بعد شهر ونصف من الآن، وشخصياً لست مع فيدرالية من إقليمين، لأني أرى ذلك مقدمة لانفصال قادم ولتجزئة البلاد، يمكن يكون هناك حكم مركزي واسع الصلاحيات أو كامل الصلاحيات، لماذا لا نعتبر المحافظات أقاليم؟ مشكلة إنشاء أقاليم جديدة هي مشكلة بنيوية، وتحتاج إلى بنية تحتية كبيرة، وإلى أموال طائلة من أجل إنشاء أقاليم، خلافاً لما إذا أنشأنا أقاليم من المحافظات نفسها فالبنية التحتية موجودة، والواقع أنه إذا حققنا العدالة والحرية والمساواة للناس كلهم فشيء جيد، وهذا ما يريدونه، ولا مشكلة في التسميات بعد ذلك، وهذا رأيي أن نعتمد المحافظات الحالية فيدراليات بنظام حكم لا مركزي.
* سمعنا أنه سيتم نقل فريق القضية الجنوبية إلى الخارج للتحاور هناك وأيضاً للقاء إخوانهم من معارضي الخارج.. إلى أي حد هذا صحيح؟
- خلال الفترة الماضية نوقشت القضية الجنوبية في الخارج أكثر من الداخل، التقت شخصيات في الداخل الكثير من شخصيات الخارج، وفي رأيي فإن ذهاب أعضاء من فريق القضية الجنوبية إلى الخارج لا يعد نقلاً للقضية الجنوبية إلى الخارج، ستكون القضية الجنوبية خارجية مثلاً إذا كان حلها يمضي تحت إشراف الأمم المتحدة بصورة مباشرة حتى ولو كانت في صنعاء، هذا في حال دخلت الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو أية جهة إقليمية ما في الحوار على أساس أنه بين جنوبيين وشماليين، فهنا القضية تعتبر خارجية حتى ولو كانت على أرض الوطن، أما أن يزور أعضاء من القضية الجنوبية القاهرة أو دبي أو غيرهما من العواصم العربية للالتقاء ببعض الشخصيات فلا يعتبر نقلا للقضية إلى الخارج.
* هناك دول إقليمية اليوم تسعى لعرقة الحوار الوطني الشامل وعرقة التسوية السياسية.. بمَ تفسر ذلك؟
- أتصور أن أغلب دول العالم على أن يظل اليمن موحداً، هناك إجماع من قبل الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.
* ما ذا عن إيران تحديداً؟
- إيران ليست من الدول الراعية للمبادرة الخليجية كما تعرف، بل هي ترفضها وتعارضها، وهي لا ترفضها لأنها منتج أمريكي كما تقول، بل هي تريد أن يبقى اليمن مضطربا من أجل أن تمكن لحلفائها التوسع والانتشار أكثر فأكثر لأن حلفاءها في اليمن لا يتوسعون إلا في ظل ضعف الدولة، وهي تتدخل وتحضر عن جماعة الضغط السياسي هذه أو مجاميع معروفة في شمال الشمال تحديدا الذين اختطفوا محافظة صعدة بأكملها وتعاطت معهم بعض الشخصيات بسبب المال السياسي أو الأسلحة أو غير ذلك، طاقم السفينة الإيرانية “جيهان1” كانوا حوثيين حسبما صرح به وكيل وزارة الداخلية اللواء الدكتور رياض القرشي، وأن السلاح كان مرسلا للحوثيين، إيران تريد أن يكون لها هنا ضاحية جنوبية تأتمر بأوامر المرشد الإيراني.

* مؤخراً تم الإعلان عن تسمية قادة المناطق السبع وكان قراراً استراتيجياً ومهماً ولاقى ارتياحا كبيرا وواسعا لدى الشعب اليمني.. هل ترى أن تسمية المناطق السبع له علاقة بطبيعة الحكم القادم؟ وإلى أي حد تشكل هذه القرارات ضمانة لمؤسسة عسكرية قوية ومستقلة؟
- أرى أن هذه القرارات ذات أهمية واسعة وكبيرة، ونلمس هذا من خلال ردود الأفعال، وقد كان الشارع اليمني ينتظرها من فترة طويلة، وكان الشباب أيضاً يطالبون بها منذ فترة، ونلمح ذلك أيضا من خلال الارتياح الذي عم شباب الثورة، حتى أنهم سموا جمعتهم قبل الأخيرة بجمعة النصر، لأنهم شعروا بالانتصار وتحقيق أغلب مطالبهم الثورية، اليوم الجيش أصبح موحداً تحت إدارة وزارة الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وقد قضت هذه القرارات على الاختلالات التي كانت موجودة داخل مؤسسات الجيش، وعلى الولاءات الشخصية التي كانت موجودة داخل الجيش العائلي، اليوم زال أي خطر محتمل من أي طرف من الجيش، وأصبح ولاؤه للدولة، كسرت الروابط الداخلية التي كانت تجمع الكثير من القادة العسكريين، سواء كانت هذه الروابط نفعية أو عائلية أو مناطقية، التقسيم الجديد لقيادة هذه المناطق العسكرية كان عادلاً وموضوعياً، وفيه إرضاء لمختلف القيادات العسكرية والسياسية، هذه أسماء لها كفاءة ولها خبرة عسكرية واسعة وتحظى بقبول كبير.
* ألا ترى أن تقسيم المناطق العسكرية إلى سبع بهذه الطريقة لا يبتعد كثيراً عن نمط الحكم السياسي القادم؟
- هذه مناصب عسكرية، ومن الصعوبة بمكان أن تنشأ أقاليم وفقاً لهذا التقسيم، لأنه سيكون هناك تداخل إداري وعسكري في الصلاحيات، سيكون هناك نوع من الإشكال، لو نشأت أقاليم وفقاً لهذا التقسيم سيعاد ترتيب وتوزيع المناطق العسكرية المعلن عنها.

*بقدر ما ساد شعور وارتياح إيجابي لدى الشعب ولدى الثوار بهذه القرارات تخللت هذه الفرحة مشاعر تذمر من تعيين بعض أفراد العائلة سفراء وملحقين عسكريين في أكثر من دولة، وهذا يعني منحهم الحصانة من المحاكمة والملاحقة القانونية؟
- لا نغالط أنفسنا.. منذ اليوم الأول للتوقيع على المبادرة الخليجية تم منح هؤلاء حصانة، لأن الحصانة مفردة مهمة في المبادرة الخليجية، وبالتالي لا ينبغي أن نغفل هذه الحقيقة ولا نسمح لأحد أن يستغفل الناس، ثم إن مفهوم قانون المصالحة الوطنية أو العدالة الانتقالية في الدول التي طبق فيها مثل المغرب أو جنوب أفريقيا أو أمريكا اللاتينية. هذا القوانين في جملته يقوم على جبر الضرر دون معاقبة الجاني، والذي أوصل الحال إلى هذا هي العدالة الانتقالية وليست العدالة المطلقة، لأن العدالة الانتقالية تعني لا غالب ولا مغلوب، وأنك في وضع يؤكد أن كل الأطراف المتصارعة لديها الإمكانات، الوضع اليوم توافقي، كان النظام السابق يخرج المجاميع التابعة له، والثوار أيضا يخرجون بأعداد كبيرة، كان النظام السابق يمتلك القوة والمال مثلما أن الثوار يمتلكون القوة والمال، الحراك الجنوبي كذلك، الحوثيون أيضا لديهم أتباع، والملاحظ أن هذه الفسيفساء وهذا التنوع قد أفضى كضرورة ملحة إلى أهمية التحاور والعمل بقانون العدالة الانتقالية. وأرى أن أهداف الثورة حتى الآن قد تحققت في أغلبها، زال حكم العائلة حتى الآن، ونحن اليوم نرسي معالم الدولة المدنية الحديثة، وهذا من نتائج دماء الشهداء التي أثمرت هذه النتيجة، والعبرة بالمحصلة النهائية، الثورة بالنهاية تتعامل مع مجموعة مفاهيم ومبادئ، فإذا ما تحققت هذه المفاهيم والمبادئ فإن الأسماء والأشخاص تتضاءل أمامها.

* يقال: إن أحمد علي عبدالله صالح لا يزال متململا في قبوله لمنصب السفير حتى الآن ولا يزال يحن لطموحه القديم، ولما يتسلم العمل الجديد الموكل إليه بعد؟
- في الحقيقة ليس عندي معلومات مؤكدة حول موقف أحمد علي في هذا الشأن، وأنا التقيت ببعض المقربين منه وقالوا إنه لا يزال يدرس عدة خيارات، بين أن يذهب للخارج سفيرا أو أن يبقى في الداخل يمارس عملا سياسيا، ويبدو لي أن ثمة نوعا من الطبخات داخل المؤتمر الشعبي العام لإعادة هيكلته من الداخل، وأن يلعب أحمد علي دورا سياسيا من الداخل أو أن يكرس حضوره على العمل الإعلامي لاسيما وهو يمتلك مؤسسات إعلامية ضخمة فذاك شيء جيد، أو أن يخرج، كل هذه خيارات غير معروفة، وهذا لا يعني أنه تمرد على القرار أبداً، القرارات نهائية ولا يستطيع أحد أن يتمرد عليه، وأغلب من شملتهم القرارات الأخيرة لم يؤدوا اليمين الدستورية بعد، كلهم بمن فيهم قائد الفرقة السابق علي محسن صالح.
* بمَ تفسر رحلة علي عبدالله صالح للمملكة في الظرف الراهن الذي صادف إعلان هذه القرارات وهو هناك؟
- الرئيس السابق مولع بأن يجعل الأخبار متضاربة معه، تذكر مثلاً أيام التوقيع على المبادرة الخليجية، دار جدل كبير بشأنها.. وقع.. لم يوقع.. بقي.. غادر.. اليوم.. غداً.. وعندما خرج للعلاج في الرياض أحدث جدلا حوله، سيعود أم لا يعود؟ أتصور أن رحلته إلى الرياض هي رحلة علاجية، لكنها طبعاً لا تخول من جانب سياسي، وبقاؤه في الرياض أثناء الحوار مناسب جداً، سواء له أو للمتحاورين أنفسهم، لأنه يملك علاقات ضخمة من العلاقات الكبيرة والواسعة، ويملك إمكانات مالية كبيرة يستطيع التأثير بها، لا يزال يؤثر حتى في الجيش، أعتقد أن بقاءه في الرياض في صالحه وفي صالح الحوار الوطني؛ لكنه بالأخير مواطن يمني من حقه الذهاب ومن حقه العودة متى شاء، والمبادرة الخليجية لم تنص على مغادرته للبلاد بصورة نهائية.

*القضية المأربية.. الحراك التهامي.. مفردات وقضايا جدل سمعناها مؤخراً.. ما حقيقة هذا الجدل هنا أو هناك؟
- هذه القضايا ظهرت للسطح كتجلٍّ مباشر لحقيقة كبرى في اليمن وهي حقيقة غياب الدولة، مشكلة المشاكل في اليمن ليست القضية الجنوبية ولا قضية صعدة، ولا الحراك التهامي ولا القضية المأربية، المشكلة هي غياب الدولة برمتها، لو استطاع اليمنيون خلال هذه الفترة أن يتوافقوا على شكل معين من أجل بناء الدولة اليمنية الحديثة الديمقراطية لتلاشت كل هذه القضايا وهذه النتوءات، المواطن اليمني لا يهمه من سيحكم إذا كانت هناك دولة عادلة، لماذا لجأنا إلى الأقاليم اليوم؟ لماذا لجأنا إلى جهاتنا؟ لماذا لجأنا إلى الجهوية والمناطقية والسلالية؟ لماذا قال الجنوبي أنا جنوبي؟ ولماذا قال الصعدي أنا من صعدة؟ وقال الحاشدي أنا من حاشد؟ هذا يعني غياب الدولة. الرابطة الوطنية ذابت، وبالتالي فأنا كمواطن أبحث عن حماية لي، وعن رابط وكيان أستظل به. الدولة الضامنة للعادلة الجامعة غير موجودة اليوم، ولذا ينبغي أن نكرس كل جهودنا لبناء الدولة اليمنية الحديثة القوية لأنه عندما توجد الدولة القوية ستذوب كل هذه النتوءات وهذه الدعوات.
* أنت من أبناء مأرب وتعرف ما الذي يجري هناك.. ما حقيقة هذه المشاكل التي نسمعها اليوم من مأرب ومن بينها ضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط؟
- أتصور أن المسألة ليست عفوية، ولا يمكن أن أنظر إليها من خلال من يفجرون لوحدهم، من يفجر أو يضرب هو الأداة فقط، هناك أياد لم تعد خفية تعمل بشكل حثيث لتخريب كل الجهود الوطنية، هناك شخصيات سياسية ساءها التغيير، هناك شخصيات قبلية كانت لها مصالح مع النظام السابق وهي مصالح غير مشروعة فبدأت تخسرها، هناك تجار أسلحة بدأت مصالحهم تتقلص بعد القبض على السفن التابعة لهم، وكلما تم القبض على سفينة أسلحة مهربة يتم ضرب أبراج الكهرباء أو تفجير أنابيب النفط، في إشارة واضحة إلى أن تجار الحروب يعملون على تخريب الوضع من أجل أن تستمر تجارتهم، والدولة معنية اليوم أن تضع يدها على الجرح وضبط الجناة والسيطرة على تجار الأسلحة هؤلاء، هؤلاء التجار كانوا يستوردون السلاح باسم الدولة ثم يبيعونه لهم ويستفيدون لمصالحهم الشخصية، هناك شبكة مصالح كبرى، يدخل فيها سياسيون وتجار وشخصيات قبلية يعملون على تفجير الوضع وتخريب البلاد، ويساهمون في خلق هذا المشهد المظلم الذي نعيشه.

* الكلمة الأخيرة مفتوحة؟
- أتمنى أن تنفتح قلوب اليمنيين لبعضهم البعض خلال مؤتمر الحوار، وأتمنى أن نخرج بدستور جديد ودولة جديدة مدنية فيها العدل والمساواة وهي أمنية كل اليمنيين أجمع في الداخل والخارج.

زر الذهاب إلى الأعلى