حظيت وفاة زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا أمس باهتمام افتتاحيات ومقالات الصحف البريطانية، وأدلت كل واحدة بدلوها في استعراض جانب من حياة مانديلا الذي ترك بصمته في العالم أجمع وباتت معلومة للقاصي والداني.
فقد كتب القس الأميركي جيسي جاكسون في تعليقه بصحيفة غارديان أن الرئيس مانديلا كان بحق قوة تحويلية غيرت مجرى التاريخ في جنوب أفريقيا والعالم.
وقال جاكسون إن هذا الرئيس، الذي وصم بأنه إرهابي، أصبح أكثر من شخصية تاريخية. فعلى الرغم من سجنه في جزيرة روبين طوال 27 عاما لم يفقد مانديلا إيمانه أبدا في الانتصار لحرية شعبه.
وأشار الكاتب إلى أن مانديلا كان يمتلك من الشجاعة والذكاء والحجة الأخلاقية ما جعله يختار المصالحة على الثأر، وبهذا غيّر مجرى التاريخ، والآن يتعين على جنوب أفريقيا والولايات المتحدة إتمام هذه المهمة.
كذلك علقت غارديان في افتتاحيتها بأن مانديلا كان زعيما فوق كل الآخرين، وأن شخصيته وحياته التي أبقته خلف الكواليس أنتجت مزيجا يكاد يكون فريدا من الحكمة والبراءة، الحكمة في قدرته على توجيه تاريخ بلاده نحو التحرر، والبراءة كانت نتيجة سنواته التي قضاها في السجن حيث عاد إلى الحياة السياسية بفهم للحياة متأصل بأيديولوجية كانت قد تغيرت وأصبحت غير واضحة بينما كان بعيدا.
وترى الصحيفة أن مانديلا لم يكن وحده بين قادة التحرر بالقرن العشرين ليحقق مكانة رفيعة بالسجن. فالسجن يمكن، كما لاحظ جواهر لال نهرو أحد زعماء حركة الاستقلال في الهند، أن يكون نوعا من التحضير للدراسات العليا في عالم السياسة.
ومن جانبها، كتبت صحيفة ديلي تلغراف في تعليقها أن مانديلا حارب آخر حملة عظيمة في تاريخ حياته التي انتهت بسقوط نظام الفصل العنصري، وكانت بدايتها إلغاء الرق والكفاح من أجل حق الانتخاب للجميع ودحر الفاشية وإنهاء العزلة وسقوط الشيوعية. وقالت إنه سيكون هناك من الآن فصاعدا فجوة وفراغ يمكن لرجل واحد فقط، بكفاحه، أن يملأه.
الزعيم العالمي
أما افتتاحية صحيفة إندبندنت، فقد اعتبرت مانديلا الزعيم العالمي الذي يتطلع إليه كل الآخرين.
واعتبرت الصحيفة أنه بإنهاء التمييز العنصري بجنوب أفريقيا لم يفكك مانديلا نظاما فقط كان قد وصفه بأنه إبادة جماعية أخلاقية، بل إنه وضع أسس دولة جديدة وتحولت العملية برمتها إلى انتصار للتسامح والمصالحة السلمية الذي قد يكون غير مسبوق في تاريخ البشرية الحديث.
وبقيامه بهذا الدور، أثبت أنه الزعيم العالمي الذي يتطلع إليه كل الآخرين كمضرب للمثل في الأخلاق والإنسانية والحنكة والرؤية والتوقير الذي نما مع تقدمه في السن.
وقالت الصحيفة إن مانديلا منذ بداية حياته كان قائدا بالفطرة حيث كان يتمتع بالانضباط الذاتي واستشعار القدر الذي مكنه من مقاومة السجن لعقود، وظل ثوريا حتى آخر أيامه.
وفي سياق متصل، كتبت نفس الصحيفة أن مانديلا كان يؤمن بأنه من خلال القيادة الفردية النموذجية يستطيع وضع معيار ذهبي لقيادة أفريقيا. وبالنسبة له كانت النزاهة الأخلاقية للقائد ركيزة أساسية، ولهذا السبب كان موقرا حتى بين معارضيه. وترى الصحيفة أن واقع جنوب أفريقيا الحالي مغاير لما كافح مانديلا من أجله.
ومن زاوية أخرى، علقت الصحيفة نفسها بأن خروج مانديلا من السجن جسد كيف أن الخير يمكن أن ينتصر على الشر في النهاية. وأشارت إلى أنه لم ينحني ولو مرة واحدة لإرادة خطافيه خلال السنوات الطويلة التي قضاها في سجنه بجزيرة روبن.