arpo28

الدبلوماسي عبد الله الخالدي وقصة الإفلات من "قاعدة اليمن"

باستثناء بعض النشطاء الحوثيين، لم ينشغل اليمنيون بالسؤال عن كيفية إفراج تنظيم "القاعدة" عن عبدالله الخالدي الدبلوماسي السعودي المختطف لديها منذ 3 سنوات، قدر انشغالهم بالاحتفاء بتحريره بعد أن أوشك اليأس من إطلاقه أن يكون سيد الموقف.

وأعلنت السعودية، الإثنين الماضي، عن تحرير الخالدي ووصوله إلى المملكة، ليكون في استقباله حشد رسمي وشعبي كبير يتقدمهم ولي ولي العهد السعودي محمد بن نايف، ونائب وزير الخارجية عبد العزيز بن عبد الله، ووزير الدفاع رئيس الديوان الملكي محمد بن سلمان. وأشارت الرياض إلى أن عملية التحرير تمت "بعد جهود بذلتها الاستخبارات العامة" من دون أن توضح كيف تمت العملية ومتى وأين.

أما الجانب الرسمي اليمني، ممثلاً بسلطة الرئيس عبدربه منصور هادي في عدن، وكذلك سلطة الانقلاب الحوثي في صنعاء، فلم تتطرق من قريب أو بعيد لخبر الإفراج عن الخالدي.

وبعد مرور ثلاث سنوات على اختطافه، كان أغلب المتابعين لقصة الخالدي قد صرفوا اهتمامهم عنها، وظنوا أنه إما يكون قد مات، أو أنه في طريقه لمصير الطيار الأردني معاذ الكساسبة في العراق أو العمال المصريين في ليبيا، ليأتي خبر إطلاقه في توقيت غير متوقع ومن دون مقدمات ملموسة.

وحسب ما أكدته مصادر محلية وثيقة الاطلاع في محافظة شبوة اليمنية لـ"العربي الجديد"، فإن عملية تحرير الدبلوماسي السعودي، تمت يوم الأحد وليس يوم الاثنين، وأنه تم تسليمه من قبل عناصر تنظيم "القاعدة" إلى مجموعة من أعيان شبوة بالقرب من منطقة بيحان في المحافظة. ونقلت المصادر أن عناصر في "القاعدة" أكدوا لها وجود فدية مالية مقابل إطلاق سراح الخالدي، نافية الأنباء التي تحدثت عن دور لهادي أو نجله جلال في عملية الإطلاق.

وينتمي عبدالله محمد خليفة الخالدي (48 عاماً)، إلى بلدة "أم الساهك" في محافظة القطيف شرقي المملكة، وكان مقرراً أن ينهي مهامه الدبلوماسية في شهر يونيو/حزيران من العام 2012، أي بعد 3 أشهر من تاريخ اختطافه، وله من الأبناء أربعة، أكبرهم أحمد وأصغرهم رفيف. وقد بدأ الخالدي عمله الحكومي موظفاً في فرع وزارة الخارجية في الدمام، ثم انتقل للعمل في القنصلية السعودية لدى الفيليبين، ومنها إلى اليمن كنائب للقنصل في عدن منذ العام 2008.

واختطف الخالدي من أمام منزله في حارة "ريمي"، في حي المنصورة في عدن وهو في طريقه إلى مكتبه في مقر القنصلية بحي خور مكسر، صباح الأربعاء 28 مارس/آذار 2012، من قبل قبليين، ليتم تسليمه بعد ذلك لتنظيم "القاعدة" في صفقة غامضة. وتبدأ من يومها رحلة طويلة باتجاه إطلاق سراحه.

ومثلت حادثة الاختطاف منعطفاً لافتاً، سواء لليمنيين الذين تضرروا لأشهر عدة بسبب إغلاق القنصلية السعودية إثر خطفه، أو بالنسبة إلى السعوديين وتحديداً العاملين في سفارة بلادهم في صنعاء.

يقول أحد هؤلاء الدبلوماسيين، لـ"العربي الجديد"، "قبل اختطاف زميلنا الخالدي كنا نظن أن لدينا أصدقاء أقوياء في الحكومة والمجتمع اليمني سيعملون سريعاً على إطلاق أي موظف سعودي يتعرض للخطف من أي جهة كانت، لكننا صدمنا حين رأينا أن الشهور تمرّ والسنوات، من دون أن يستطيع أصدقاؤنا فعل شيء".

ويضيف الدبلوماسي نفسه، مفضلاً عدم ذكر اسمه، "منذ اختطف الخالدي صار أهالينا في المملكة يتواصلون يومياً للاطمئنان على سلامتنا، وكان أكثر ما يقلقني وزملائي طيلة فترة الاختطاف، أن يقدِم تنظيم القاعدة على تصفيته".

وظلّ مصير الخالدي مجهولاً بعد اختطافه مدة 20 يوماً، إلى يوم 18 أبريل/نيسان 2012 الذي تلقّى فيه السفير السعودي حينها، علي بن محمد الحمدان، اتصالاً هاتفياً من أحد المطلوبين لدى السلطات الأمنية في السعودية، هو مشعل الشدوخي، المدرج اسمه ضمن قائمة الـ85 لدى سلطات بلاده.

وأخبر الشدوخي، يومها السفير الحمدان أن الخالدي موجود لدى تنظيم القاعدة وأنه بصحة وعافية، وأن لديهم مطالب مقابل الإفراج عنه، وأول هذه المطالب، الإفراج عن المسجونات في السجون السعودية والإفراج عن المعتقلين في سجون المباحث، بالإضافة إلى فدية يتم الاتفاق عليها لاحقاً. وتم نشر تسجيل للمكالمة على الإنترنت.

بعد مكالمة الشدوخي - الحمدان، انهالت العروض من قبل شخصيات عديدة في اليمن للسفارة السعودية بغرض التوسط للإفراج عن الخالدي أو حتى ترتيب عملية تحرير بالقوة.

يقول مصدر سعودي تابع مجريات تلك العروض لـ"العربي الجديد" إن بعض هؤلاء كنا على ثقة بصدق نواياهم ولكنهم لا يعرفون مكان الاختطاف وليس لديهم نفوذ لدى تنظيم القاعدة، والبعض الآخر كان همه الحصول على مكافأة سخية، وجزء ثالث كان يرى أن حصد الحظوة لدى الرياض بعد نجاح عملية التحرير، أهم من أي مكسب مادي.

وكان السفير السعودي يرحب بأي جهود تفضي لإطلاق الدبلوماسي المختطف، لكنه كان في المقابل يؤكد لجميع عارضي التوسط بأن المملكة حريصة كل الحرص على إطلاق الخالدي غير أنها في المقابل "لن تخضع لإملاءات الإرهابيين".

مرت أسابيع ثم شهور، ولم تُفض الجهود إلى شيء. وأطلق الخالدي خمس مناشدات مسجلة عبر شبكة الانترنت من إنتاج مؤسسة الملاحم ذراع تنظيم القاعدة الإعلامي، يتوسل فيها حكومة بلاده الاستجابة لمطالب الخاطفين مقابل عودته إلى أبنائه. وقد ذكّر سلطات بلاده في إحدى تلك المناشدات بأن إسرائيل قامت بالإفراج عن "أكثر من ألف فلسطيني" مقابل الجندي المختطف في غزة جلعاد شاليط. وقال "أنا مواطن سعودي خدمت الحكومة السعودية في أكثر من مكان وأكثر من موقع، ألا استحق الإفراج عني مقابل الإفراج عن بعض النسوة وبعض المشايخ؟".

وتشير مصادر شاركت في بعض جولات التوسط لإطلاق الخالدي أن تنظيم القاعدة أوشك مراراً على الاستجابة للوساطات وتراجعت لأسباب مختلفة؛ فمرة بسبب المطالبة بفدية مضاعفة، ومرة بسبب غارات لطائرات أميركية من دون طيار، ومرة ثالثة بسبب تعنت بعض قياديي تنظيم القاعدة السعوديين إزاء الشروط المتعلقة بالسجناء.

ويقول أحد الوسطاء السابقين، لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة كانت بعد ذلك، سعودية سعودية، ولم يكن لدى قادة القاعدة من اليمنيين أية مشكلة في إطلاقه، ولم يكن يمنعهم سوى زملائهم السعوديين".

وفي 23 نيسان/أبريل 2012، أعلنت السلطات السعودية الإفراج عن خمس سجينات مرتبطات بتنظيم القاعدة في إطار قرار قضائي، من دون الإشارة إلى أن الإفراج يأتي استجابة لمطالب التنظيم. مع ذلك ظهر الخالدي في تسجيل مرئي يطالب بالإفراج عن بقية السجينات.

وترافقت الجهود لإطلاق الخالدي مع حملة إعلامية شرسة دفعت الرياض للامتناع كلياً عن تقديم أية فدية مقابل إطلاق الدبلوماسي المختطف لأن ذلك سيعتبر دعماً غير مباشر لتنظيم القاعدة، في وقت كان يردّ فيه التنظيم على بعض الوسطاء بأنه دفع أموالاً لخاطفي الخالدي الأوائل وأنه يتكبد كلفة عالية في حمايته وتغذيته وحتى علاجه، وبالتالي يستحيل إطلاقه من دون دفع "غرامة" التنظيم، حتى لو تم إطلاق كل السجناء المحتجزين على ذمة الإرهاب في سجون المملكة.

ويكشف أحد الوسطاء لـ"العربي الجديد" إن عناصر تنظيم القاعدة ذكروا له قائمة بتكاليفهم مع الخالدي وأوردوا فيها أنهم عالجوا مشكلة لديه في النظر، استغنى بعدها عن ارتداء النظارات، وتأكد له صدق كلامهم بعد ذلك، حينما ظهر الخالدي في مناشداته المسجلة، مطلقاً لحيته ومن دون "نظارات".

وقد أسهم كل ذلك التعقيد في جعل السنوات تمرّ من دون إحراز تقدم في جهود الوساطة. ويبدو أن الجانب السعودي كان يدير العملية بطريقة تدفع التنظيم للحرص على سلامة الخالدي واليأس التدريجي من تنفيذ كل المطالب.

وجاءت الحملات العسكرية للجيش اليمني على معاقل القاعدة في أبين وشبوة ليشكّل وجود الخالدي في حوزة عناصر التنظيم عبئاً إضافياً عليهم، ما جعلهم في بعض الأحيان يبادرون هم بالتواصل مع الوسطاء لإقناع الجانب السعودي بضرورة تنفيذ الحد الأدنى من مطالبهم مقابل إطلاقه.

وأحياناً كانوا يطلبون من الوسطاء إيصال تهديدات التنظيم بتصفية الخالدي ما لم تسارع الرياض في التوصل إلى تسوية لاطلاقه.

ويبدو أن الرياض اعتمدت الجهود القبلية بدلاً عن الجهود الحكومية لإطلاق الخالدي بسبب كون الحكومة العدو الأول للتنظيم وأن أي محاولة أمنيّة لإطلاقه قد تذهب روحه ثمناً لها ما لم تكن مضمونة مائة في المائة.

وقد اعتمدت على نوع من الوجهاء يتمتع بالنفوذ القبلي ويعرف كيفية التواصل مع تنظيم القاعدة، ومن بينهم الشيخ طارق الفضلي، الذي كان جهادياً سابقاً في أفغانستان، وتربطه زمالة سابقة بعناصر انضموا لجماعة "أنصار الشريعة"، فرع القاعدة باليمن، ينتمون لبلدته.

زر الذهاب إلى الأعلى