[esi views ttl="1"]

الحوثيون.. التمرد حينما يربك الدولة

ستة حروب خاضها الحوثيون ضد الحكومة اليمنية في سبيل اعتماد فكر الإمامة الذي يعتنقونه أساسًا للحكم، وقد أربكت هذه الحروب الدولة اليمنية لعدة سنوات حتى اتهمتهم الحكومة بالحصول على الدعم من إيران وحزب الله اللبناني الشيعيَّيْن.

والحوثيون هم قبيلة انتهجت منهجًا شيعيًّا وتأسست في صعدة شمال اليمن، وتُنسب لحسين بدر الدين الحوثي الذي أسسها قبل عام 2003، وكانت تسمَّى قبل التمرد بحركة "الشباب المؤمن"، وتتبنى الحركة الفكر الشيعي الزيدي، وللإمام حق إلهي بعيد عن حق الانتخابات عند الحوثيين، حيث يرى الحوثي أن الديمقراطية قد تجلب السلطة لأي شخص حتى لو كان يهوديًّا، مما يعطيهم الحق في إمامه المسلمين، إلا أن الحكومة تتهمهم بالعمالة والولاء لإيران.

ولا يمكن النظر إلى الفكر الحوثي بمعزلٍ عن الفكر الشيعي الإثني عشري ورؤاه في الحكم والسياسة, والذي تحصر أدبياته أحقية سلالة معينة بالحكم والأمر, باعتبار ذلك قدرًا سماويًّا لا يمكن تجاوزه أو التقليل من شأنه, وهو النسل العلوي، وهو نسب شريف, تدعي أسرة الحوثي انتماءَهَا إليه, وهو أمر مشكوك في صحته, استنادًا إلى حوادث تاريخية ومسلمات بديهية.

ظهور الحركة

استغلَّ حسين بدر الدين الحوثي –مؤسس الحركة- ما يسمى بتنظيم "الشباب المؤمن"‏ الذي كان قد تأسس سنة‏1990‏م كمنتدى لتدريس العقيدة الشيعية الزيدية في منطقة صعدة‏,‏ بعد أن انشقَّ عن حزب الحق الذي كان من القيادات البارزة فيه، وأسس على أنقاضه حركة الحوثيين الشيعية.

وكان الحوثي عضوًا سابقًا في مجلس النواب بعد فوزه في انتخابات عام ‏1993‏م، وعلى الرغم من أن والده كان من أبرز المرجعيات الشيعية للمذهب الزيدي في اليمن فإنه بدا أقرب إلى المذهب الإثني عشرية الإمامية في إيران، خاصة بعد زياراته المتكررة إلى طهران، وهو ما عدَّه البعض خروجًا لحركته عن المذهب الشيعي الزيدي.

بدأ نشاط حركة الحوثي لسنوات طويلة ثقافيًّا وفكريًّا بعيدًا عن السياسة، بل إن الحركة تلقَّت دعمًا من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، إلا أنه وبدءًا من عام ‏2002‏ بدأت الحركة تتجه إلى السياسة‏,‏ وتأخذ خط المعارضة ضد الحكومة‏.

وركَّزت الحركة نشاطَها المعادي للحكومة اليمنية بشكل مكثف، حتى إنها بدأت تستهدف القوات اليمنية بعمليات مسلحة، مما اضطر الحكومة اليمنية إلى الرد على تلك التصرفات،‏ واضطرت الحكومة اليمنية لشنّ حرب مفتوحة حشدت لها ‏30‏ ألف جندي‏,‏ واستخدمت فيها الطائرات والسلاح الصاروخي والمدفعية الثقيلة‏, ‏وأسفرت معاركها الأولى عن مقتل حسين بدر الدين الحوثي.

أما المرحلة الثانية من الصراع فقد بدأت في فبراير عام ‏2005‏ بقيادة "الحوثي الأب"‏ وأسفرت عن اختفائه عن الساحة اليمنية‏,‏ وقد أشارت بعض التقارير حينها إلى أنه قُتل خلال المعارك‏,‏ لكنه ظهر بعد ذلك وعاد إلى البلاد بعد الاتفاق الذي تَمَّ التوصل إليه لاحقًا بين الحوثيين والحكومة اليمنية في عام ‏2007‏.

وبدأت المرحلة الثالثة أواخر عام ‏2005‏ وانتهت باتفاق بين الطرفين في فبراير ‏2006‏ ومع بداية عام ‏2007‏ بدأت المرحلة الرابعة للصراع بقيادة "عبد الملك"‏ أحد أبناء "الحوثي"‏ وذلك على خلفية اتهامات متبادلة بين السلطات اليمنية والحوثيين بالمسئولية عن العنف، وفي فبراير 2008 بدأت الحرب الخامسة وفيها تمكَّن الحوثيون من توسعة دائرة المواجهات إلى منطقتي بني حشيش في محافظة صنعاء وحرف سفيان في محافظة عمران، ليصبح التمرد متمددًا في ثلاث محافظات.

والآن بدأت المرحلة السادسة مع ارتفاع وتيرة التوتر بين الجانبين‏, ‏حتى إن المملكة العربية السعودية تَمَّ توريطها في الحرب بعد أن قامت الحركة المتمردة باقتحام الحدود السعودية والسيطرة على جبل الدخان، فما كان من القوات السعودية إلا أن تدخلت لتعيد سيطرتها على المناطق السعودية المتاخمة للحدود اليمنية.

عوامل خارجية

مما لا شك فيه أن هناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت -وما زالت تساهم- في تفجر الصراع‏,‏ واستمراره بين الحوثيين والحكومة اليمنية،‏ كما أن هناك مؤشرات قوية على أن الصراع الدائر في اليمن هو أحد أوجه الصراع على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة من جانبها تقف إلى جانب الحكومة اليمنية في مواجهتها للحوثيين، وها هي السعودية تدخلت لحماية حدودها من خطر المتمردين الحوثيين وفكرهم الشيعي، فيما تطال الاتهامات إيران بأنها تدعم المتمردين من أجل نشر فكرهم الشيعي بالمنطقة العربية السنية.

‏أما العوامل الداخلية التي تساعد على استمرار هذه الأزمة فمتعددة، وأبرزها البُعد المذهبي، حيث إن حركة التمرد الحوثية هي في الأساس حركة شيعية تتمركز في محافظة صعدة ذات الأغلبية الشيعية‏,‏ وهو أمر يمثل كابحًا للحكومة في التعامل معها حيث لا تريد أن تبدو وكأنها تعادي الشيعة في اليمن‏,‏ خاصةً أن الحوثيين يعملون للعزف على هذا الوتر لكسب التعاطف الداخلي والخارجي‏.

ويبدو هذا واضحًا من مطالبة حسين بدر الدين الحوثي بتدخل السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق لمواجهة ما أسماه اضطهاد السياسيين الزيديين في اليمن،‏ كما أن الطابع القبلي المسيطر على اليمن يمثل هو الآخر عائقًا أمام السلطات اليمنية في المواجهة مع الحوثيين،‏ ولا شكّ أن جغرافية اليمن الجبلية تلعب دورًا إضافيًّا في استمرار الصراع، حيث توفر جبال اليمن مقرات آمنة لأنصار الحوثي تساعدهم على اتقاء الضربات العسكرية الحكومية ضدهم‏، والحقيقة أنه قد ساعدت هذه العوامل ليس فقط على استمرار الصراع، بل على تفاقمه بشكل يصعب معه إنهاؤه بشكل حاسم‏ في القريب العاجل.

صعدة

تعتبر محافظة صعدة الواقعة جنوب شرقي قاع الصحن, هي ميدان المعركة، وقديمًا كانت أول مساكنها على سفح جبل تلمص, على بعد ثلاثة كيلو مترات من المدينة الحالية, ويحيط بمدينة صعدة القديمة -التي تأسست في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)- سور عريق, يرتبط بأبراج حراسة, وله من الأبواب ثلاثة, أما نسيج المدينة المعماري فمعظمه يدخل الطين في تكوينه.

أما مركز صعدة الإداري فيبعد عن العاصمة صنعاء زهاء 242 كيلو مترًا, وتتشكل تضاريسيًّا من مرتفعات وسهول ووديان خصبة, وسلسلة جبال, تبدأ من الجنوب بجبال خولان بن عامر, التي يصل ارتفاعها 2800 متر, ثم جبال جماعة ورازح وسحار وهمدان بن زيد، وتعد أفضل مناطق النزهة للسياحة تلك المدرجات الخضراء في كتفاء.

ويساعد تعاطف أبناء منطقة صعدة التمرد الحوثي, ومردّ هذا التعاطف الأوضاع الاجتماعية والأعباء الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطن اليمني, الأمر الذي استغله الحوثي عبر دفع الرواتب لبعض مؤيديه, وتركيزه على تقديم المساعدات الاجتماعية والخيرية, واستغلاله عودة أكثر من مليون يمني من السعودية, إلى جانب استقطاب مئات العائدين العاطلين عن العمل للوقوف إلى جانبه, فضلًا عن الحكم القبلي ودعم بعض القبائل نكايةً بالنظام الحاكم لوجود ثأرات بينهم وبين النظام, بصرف النظر عن الدين أو المذهب.

أطماع الحوثيين

يدَّعِي الحوثيون بأن الزيديين تعرَّضُوا قبل الوحدة اليمنية عام 1990م وبعدها للتمييز السياسي والاجتماعي والتهميش في الوظائف الحكومية والقمع المذهبي والفكري من قِبل الأكثرية السنية, بل ويعيدون سياسات التمييز إلى عام 1962م عندما أُطيح بالإمامة الزيدية, والتي حكمت اليمن لأكثر من أحد عشر قرنًا, ويطالبون بموافقة رسمية على صدور حزب سياسي مدني, وإنشاء جامعة معتمدة في شتى المجالات المعرفية, وضمان حق أبناء المذهب الزيدي في تعلم المذهب في الكليات الشرعية, واعتماد المذهب الزيدي مذهبًا رئيسيًّا في البلاد, إلى جانب المذهب الشافعي, غير أن السلطات اليمنية, تؤكد أن الحوثيين يسعون إلى إقامة حكم رجال الدين, وإعادة الإمامة الزيدية.

وكانت السلطات المختصة قد دعت أكثر من مرّة الحوثيين لتأسيس حزب سياسي معلن؛ ليتمَّ تنظيم دعواتهم وأهدافهم وتحركاتهم في هذا الحزب، غير أنهم سَعَوْا -حسب اتهامات السلطات لهم- إلى إرغام الناس على اتِّباع مذهبهم بالقوة من خلال قطع الطريق وترهيب الناس بالقتل والتهجير والخطف والتدخل في أعمال السلطة المحلية للمحافظة.

ويرى محللون أن صعود قوة تنظيم "الشباب المؤمن" -الذي قامت على أنقاضه الحركة الحوثية- يعود إلى استغلال حسين الحوثي للدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة الإيرانية, الذي كان في بداية الأمر دعمًا فكريًّا أكثر منه ماديًّا, إلا أنه تحول إلى دعم مادي وعسكري بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق والفورة التي شهدها النفوذ الإيراني بعدها.

الحسم العسكري

جاء الحسم العسكري، بعدما فاض الكيل بالرئيس علي عبد الله صالح, ولذلك أعلن في أكثر من مرة منذ اندلاع المواجهات الأخيرة, بأنه لا بدَّ من الحسم العسكري النهائي, وبأي ثمن وجعلها حربًا مقدسة, والحوثيون من جانبهم توعَّدوا بحرب استنزاف طويلة الأمد.

وأظهر الحوثيون أنهم يتوسعون للسيطرة على محافظات مجاورة لصعدة, ويحاولون الوصول إلى ساحل البحر الأحمر, للحصول على سيطرة بحريَّة لأحد الموانئ ليكفلَ لهم تلقِّي المدد من خارج اليمن.

ويقول محللون: إن الأمور باتت الآن واضحة ومفضوحة, وهدفها الإطاحة بنظام الحكم في اليمن وليس الانفصال بشريط جزئي شيعي، وذلك بمعاونة إيرانية.

وفي النهاية لا يمكن وصف الحركة الحوثية غير أنها حركة متمردة كونها رفعت السلاح في وجه النظام الرسمي باليمن، في محاولة منهم لقلب الحكم وفرض المذهب الشيعي في بلد سنِّيّ.

زر الذهاب إلى الأعلى