[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]

خبزة.. البلدة التي حولها الحوثيون إلى ركام

قبل نحو عام اجتاح المسلحون الحوثيون بلدة خبزة التابعة لمحافظة البيضاء، وفي زمن قياسي حولوها إلى اثر بعد عين.

«إنه زمن الفوضى، زمن السلاح الذي وقع بيد قاتل يضرب شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، بحثاً عن وهم السلطة»، هكذا تحدث احد الناشطين وهو يروي تفاصيل الاجتياح الواسع الذي قام به الحوثيون لبلدة خبز.

وأضاف الناشط فضل عدم ذكر اسمه «في زمن الحوثيون استبيحت كرامات الناس وأصبح الموت يوزّع بالمجان داخل المنازل وعلى الطرق، مرّة تحت حجة محاربة "الدواعش" وومرّات بدون أي مبرر».

ووصف تقرير صادر عن منظمة عين لحقوق الإنسان ما قام به الحوثيون في بلدة خبزة بالانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها جماعة الحوثي، في حق أبناء قرية خبزة بقيفة رداع التابعة لمحافظة البيضاء.

سيطرت ميليشيا الحوثيين على القرية في الـ14 من نوفمبر الكامل، وخلال عام كامل مارست تلك الميليشيات عشرات الانتهاكات.

وقالت المنظمة إن عدد الانتهاكات التي وثقتها منذ بداية اجتياح القرية وحتى نوفمبر الجاري بلغت (750) انتهاكاً تنوعت بين أعمال قتل وإعدامات واختطاف وتفجير منازل وقصف بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة للمنازل والمزارع ونهب ممتلكات وغيرها.

وخبزة هي واحدة من مئات المناطق التي اجتاحها الحوثيون عقب سيطرتهم على السلطة في صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

وبحسب التقرير لا تزال عشرات الأسر من أهالي القرية منذ عام كامل تعيش وضع إنسانياً صعبة، مشردين وبلا مأوى.

[b]قصف صاروخي ومدفعي ..وقصف للطيران الحربي اليمني [/b]

كانت البداية حينما أنقلب الحوثيون على الإتفاق الذي تم بينهم وبين وجاهات القبيلة بعدم اقتحام القرية والبقاء في الجبال المحيطة بها، لكن سرعان ما انقلب الحوثيون، على الإنفاق، وبدأوا بمهاجمة القرية واقتحامها تحت قصف مدفعي وصاروخي ما دفع أبناء القبيلة للخروج للدفاع عن منازلهم.

وبحسب المنظمة فقد تمكن أبناء قبيلة خبزة من التصدي للمليشيات رغم القصف العنيف بمختلف الأسلحة الثقيلة، ما دفعهم لطلب تعزيزات جديدة من صنعاء ومعسكر الحرس الجمهوري في منطقة سامة بمحافظة ذمار، على إثرها تم محاصرة القرية من كل الاتجاهات بالدبابات والمدرعات وقصفوا بلا هوادة منازل المواطنين التي كانت لا تزال مليئة بالنساء والأطفال دون مراعاة لقيم الإنسانية، فسقط العديد من القتلى والجرحى المدنيين داخل منازلهم.

بعدها «اضطر أبناء القبيلة إلى البحث عن طريق لإخراج النساء والأطفال من المنازل باتجاه الوديان والجبال، واستمروا في الدفاع عن القرية وكسروا زحف المليشيات مرة ثانية، حينها عزز الحوثيون مقاتليهم للمرة الثالثة من صنعاء أيضاً وذمار وشارك الطيران الحربي اليمني في المعركة وقصف القرية وقصفت صواريخ الكاتيوشا كل شيء دون تمييز بين المسجد والمنزل والمدرسة والمركز الصحي، تحت هذا القصف الكثيف اضطر أبناء القبيلة للانسحاب من القرية».

ودخل الحوثيون قرية خبزه بعد عشرة أيام تقريباً من الحرب والقصف، وانتقموا من كل شيء فيها حتى من الأغنام والبقر والدواب.

[b]قرية أشباح
[/b]حوّلت المليشيات الحوثية المسلحة قرية خبزة إلى قرية أشباح جراء الدمار والخراب الذي تعرضت له، فحسب منظمة عين لحقوق الإنسان، فإن 257 أسرة هي جميع الأسر في القرية نزحت من القرية و16 منزلاً سويت بالأرض تماماً و30 منزلاً دمرت جزئياً و50 منزل تضررت بأضرار متفاوتة ومدرسة، ووحدة صحية كانت عبارة عن منزل لأحد المواطنين تم إفراغه لاستقبال الجرحى المدنيين، بالإضافة إلى مسجدين أحدهما دمر بالكامل والثاني تضرر، فيما بقية المنازل تضررت بأضرار متفاوتة ونهبت جميع المنازل دون استثناء.

فيما قتل 43 شخصاً بين شيخ وشاب وإمرة وطفل وأصيب 86 آخرين.

وثمانية محلات تجارية نهبت و4 آبار مياه أحرقت و3 سيارات تحطمت تحت نار القصف و7 سيارات أخرى نهب أجزاء منها بعد سيطرة الحوثيين على القرية.

خطف وتصفيات

ذكرت منظمة عين بأن 5 جرائم تصفية وإعدامات ارتكبتها المليشيات في حق أبناء قرية خبزة من بين 28 حالة اختطاف تم اختطافهم من نقاط التفتيش في مناطق قيفة ومناطق رداع وأثناء رقود بعض الجرحى في المستشفيات.

أثنين منهم أولاد الشعطي الخبزي وهما الشاب علي محمد أحمد الشعطي الخبزي والشاب فارس محمد محمد الشعطي الخبزي حيث تم اختطافهما من وسط مدينة رداع أثناء ما كانا يشتريان بعض المواد الغذائية والأدوات المنزلية ثم قادتهم المليشيات إلى مكان مجهول وأعدمتهم ثم رمت جثثهم في شعب التبن خارج مدينة رداع حيث تم العثور عليهما مقتولين وهما مكتوفي الأيدي وعليهما آثار التعذيب.

أما الثلاثة الآخرين فهم صالح محمد جار الله الخبزي وفارس احمد مقبل الخبزي وصلاح حسين علي الخبزي فقد تم اختطافهم من إحدى نقاط التفتيش ثم تم تصفيتهم بعد ذلك .

ونفذ الحوثيون بحسب منظمة عين لحقوق الإنسان حملات اعتقالات واختطافات واسعة طالت العديد من شباب قبيلة خبزة وشخصيات اجتماعية ومغتربين أثناء عودتهم من الغربة.
[b]أسر فقيرة بلا مأوى [/b]

قال ممثل أهالي قرية خبزة، أنهم غادروا منازلهم العام الماضي بعد أن تعرضت للقصف بالمدفعية والصواريخ، وقتل الكثير من أبناء القرية حين تسلل إليها حوثيون بعد نحو أسبوع من المواجهات".

وتختزل أسرة المعاق ياسين عبده محمد الخبزي 52 عاماً، التي تعيش عند أحد أقاربهم بقرية السليل المأساة وتوضح حجم المعاناة التي تعيشها كثير من الأسر النازحة التي على شاكلتها، يقابلك رب هذه الأسرة المعاق الذي لا يمتلك إلا يداً واحده وبجواره بناته الست تتراوح أعمارهن بين السنة والتسعة أعوام وطفله الوحيد، ليرووا ما فعتله مليشيات الحوثي المسلحة بأسرتهم الفقيرة، فيحكي الأب تفاصيل المأساة والدموع تنحدر من عينيه والعبرة تخنق حديثه.

وحين سألته المنظمة لماذا لم تعودوا إلى قريتكم وقد انسحب الحوثيون منها بحسب الاتفاق بينكم على وقف المواجهات وعودة النازحين إلى منازلهم وممتلكاتهم؟ نظر إلى أطفاله طويلاً ثم أجاب مستغرباً: إلى أين أعود بهؤلاء الأطفال وقد فجر الحوثيون بيتنا بما فيه؟، دون أن نتمكن من إخراج شيء منه؟ هربنا تحت أصوات المدافع وراجمات الصواريخ وقصف الدبابات والرشاشات الثقيلة، بملابسنا التي علينا فقط، على أمل أن نعود إلى بيوتنا، حينما تتوقف الحرب لكني تفاجأت بما لم أكن أتوقعه، وهو أن يفجر الحوثيون بيتي وبيت أولادي وأنا رجل فقير ومعاق ولا أنتمي إلى أي حزب أو جماعة أو طائفة.

ثم ينفجر الحاج ياسين باكياً، ومتسائلاً في نفس الوقت «هؤلاء الذين يقولون إنهم أنصار الله لماذا فجروا بيتي، لماذا دمروا مأوى أطفالي دون أي سبب؟» ويختم حديثه قائلاً: «حسبي الله ونعم الوكيل».

وتنتاب الحاج ياسين حالة من القلق من المستقبل المجهول، الذي ينتظره هو وأسرته في ظل استمرار الانتهاكات التي ترتكبها مليشيات الحوثيين.

[b]قرية تهدم دون أن يعرف عنها أحد [/b]

حزام القيفي (من أبناء قرية الزوب القريبة من خبزة) يقول إن اكبر جريمة عندما تهدم قرية بالكامل دون أن يعرف أحد عنها شيئاً، لم يسلم فيها بيت واحد، فالبيوت التي لم يتم تفجيرها لم تسلم من قصف المدافع وراجمات الصواريخ والدبابات.

ويضيف القيفي «لقد ارتكب الحوثيون في قرية خبزة جرائم يشيب لها الطفل الرضيع، قتلوا حتى الأغنام والأبقار والدواب ونهبوا البيوت والممتلكات، لذلك حرص الحوثيون على أن تظل هذه الجريمة مغيبة عن العالم وعن وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية كي لا يطلع الناس على حجم هذه الجريمة البشعة التي لن تنساها الأجيال».

المساجد أول المتضررين

يقول حزام القيفي: حتى اليهود في إسرائيل لم تفعل ما فعله الحوثيون في خبزة، فقد قصفوا المصلين بالهاون داخل المسجد وقت صلاة العصر وهم يكفنون قتلاهم فقتلوا عاقل القرية الحاج أحمد ناصر الخبزي وهو يكفن ابن أخيه داخل المسجد وأصيب آخرون.

ويضيف "القيفي لقد هدم الحوثيون مسجداً بالكامل فيما تضرر المسجد الآخر تضرراً كبيراً من قصف الحوثيين".

ويرى مراقبون أن ما دفع الحوثيين إلى هذه الوحشية المفرطة وسعيهم للانتقام من ممتلكات ومنازل المواطنين تعود أسبابه إلى المقاومة الشديدة والقوية التي لاقاها الحوثيون في هذه القبيلة، التي تصدت لمليشياته بكل بسالة وجعلتها تدفع ثمناً باهضا في صفوف مقاتليها وصلت-بحسب مصادر مطلعة - إلى أكثر من 300 قتيل و مثلهم وأكثر جرحوا على أسوار هذه القبيلة، ناهيك عن الخسارة في العتاد من تفجير دبابات ومدرعات ومعدات عسكرية ثقيلة، بخلاف كل الحروب التي خاضها الحوثيون في بقية المدن والمحافظات الأخرى.

[b]جرائم ضد الإنسانية [/b]

أم خالد (امرأة عجوز من أسرة فقيرة وأم لأيتام) فقدت ابنها الأكبر خالد برصاص مليشيات الحوثيين وله 4 أولاد، والذي يعولها ويعول بقية إخوانه الأيتام.

تقول: لم يكتفوا بقتل ولدي خالد بل أحرقوا بيتي وبيت أولادي الأيتام بكل ما فيه، لم يبقوا لنا شيئاً، وتضيف "كانت لدي 11 شاه (غنم) في المنزل أقوم بتربيتها لتعيننا على سد جوعنا وفقرنا، فأحرقها الحوثيون داخل المنزل وقتلت جميعها..

وتابعت: هربنا إلى جروف الجبال فلم نسلم منهم، قصفوا تلك الجروف التي نزحنا إليها وهي مليئة بالأطفال والنساء، قتل بعضهم جراء ذلك القصف، فغادرنا تلك الجروف إلى شعاب بعيدة جداً دون ماء ولا طعام لأيام".

وتقول أم خالد وقد بح صوتها: لا توجد لدينا قاعدة، والكل يعرف ذلك، هجم الحوثيون علينا ونحن آمنون في بيوتنا فتصدى لهم أولادنا دفاعاً عن أموالهم وأعراضهم بأسلحتهم الخفيفة فقط وقاتلوهم أياماً دون طعام ولا شراب ولا إمداد ثم انسحبوا وتركوا لهم البلاد يعبثون فيها كما يريدون.

حتى النازحين قصفتهم المليشيات

قصف الحوثيون الأسر النازحة في كهوف الجبال بقذائف الهاون وبالدبابات وراجمات الصواريخ حيث أصيبت امرأة عجوز في الستين من عمرها وقتل اثنان من أولادها فيما أصيب ولدها الثالث بجراح خطيرة .

الطفلة (زينة) ذات التسعة أعوام، أصيبت هي أيضاً في قصف الحوثيين للأسر النازحة بشظية قذيفة هاون في يدها ولم يتمكنوا من إسعافها للمستشفى بسبب قطع الحوثيين للطريق ومنعهم من إسعاف المصابين وظلت محاصرة لمدة يومين حتى فقدت الوعي، وبحسب التقرير الطبي للمستشفى فإن احتمال عودة يدها إلى طبيعتها تنتظر معجزة من السماء.

كثير من الجرحى توفوا بسبب عدم التمكن من إسعافهم ونقلهم لتلقي العلاج وظلت جراحهم تنزف حتى فارقوا الحياة.. الشاب جبر صالح أصيب بطلقتين واحدة في الفخذ والثانية في البطن، ولم يتمكنوا من الاقتراب منه لإسعافه بسبب قصف الحوثيين، وحين غامر أحد الشباب لإنقاذه قتل بقنا صات الحوثيين، فظل الجريح ينزف حتى فارق الحياة في اليوم الثاني دون أن يتمكنوا من الوصول إليه.

ويضيف ممثل الأهالي عبدالله مسعد الخبزي حول ما جرى، "كان الجرحى يموتون أمام أعيننا ولا نملك حيلة لعلاجهم، ونفدت الذخيرة منا، لذا قررنا الخروج من القرية لأننا لا نمتلك سلاحاً كافياً لمواجهة آلة الحرب التي بيد الحوثيين.

الشاب احمد قايد صالح الخبزي 28 عاماً وأب لطفلين، أحد الذين أصيبوا من أبناء قبيلة خبزة في أول يوم للمواجهات مع الحوثيين، يقول: هجم الحوثيون على قريتنا رغم الاتفاق الذي بيننا على عدم دخولهم القرية، فتصدينا لهم بأسلحتنا الخفيفة، حيث أصبت بطلقة في رأسي، ولم يتمكنوا من إسعافي للمدينة بسبب قطع الحوثيين للطريق، فنقلوني إلى احد الشِعَاب وقاموا بعلاجي بطريقة بدائية كأننا في العصور الحجرية؛ ولم نتمكن من الذهاب إلى المستشفى إلا بعد سبعة أيام بعد أن نقلوني متخفين وغيّرنا الاسم في المستشفى لان الحوثيين منعوا مستشفيات المدينة من استقبال المصابين من خبزة، ولولا لطف الله لما بقيت على قيد الحياة الآن، ولا زلت أعاني حتى اليوم من مضاعفات الإصابة.

غياب أعلامي ودور خجول للمنظمات الإغاثة

وبحسب ناشطين فقد غابت تلك الجرائم الوحشية التي ارتكبتها المليشيات الحوثية في حق أبناء قرية خبزة بسبب ضعف التعاطي الإعلامي معها.

فيما اقتصر دور المنظمات الإغاثة على تقديم مساعدات خجولة جدا اقتصرت على مساعدات عينية ( سلة غذائية أو فرش أو بطانيات)، كان لجمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية السبق والدور الأبرز رغم أنها لا تكفي لسد حاجيات النازحين ولا ترتقي إلى حجم معاناتهم .

ويضيف أحد الناشطين مفضلاً عدم ذكر اسمه، أنه «بكل شفافية ومصداقية لم يكن هناك أي دور يذكر للحكومة، ولم تعطَ خبزه ولا أهلها أي اهتمام، فضلاً عن تقديم أبسط المقومات الاغاثية للنازحين من بيوتهم الذين يعيشون في رؤوس الجبال وبطون الأودية». ويتابع، «لم يقم أحد بمساعدة من تضررت منازلهم من الحرب، حتى يتمكنوا من إصلاح ولو جزء يسير من منازلهم، ومن ثمّ العودة إليها، لذا فضلوا البقاء في مناطق النزوح على أن يعودوا إلى ما يشبه الخراب».

أخيراً.. هذه الوقائع تكشف حجم الانتهاكات الجسيمة التي مارسها جماعة الحوثي المسلحة وقوات الرئيس السابق ضد أبناء قرية وحدة في قيفة رداع لا يتجاوز عدد سكانها بالكامل 1300 نسمة.

زر الذهاب إلى الأعلى