[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

«حماس» ليست صنيعة إيران. فريد زكريا

يسوغ المسؤولون الاسرائيليون حجم العمليات في غزة ونطاقها القريب بتبعية «حماس» لإيران. ويقولون: إذا سحقت اسرائيل «حماس»، أضعف سحقها طهران، وأخر برنامجها. فهل هذه هي حقيقة الوقائع؟
أولاً: «حماس» ليست حجراً بيد إيران. فهذه مولت وقتاً طويلاً جماعة أخرى قدمتها هي «الجهاد الإسلامي في فلسطين». ولم تقبل «حماس» أموال إيران وأسلحتها إلا أخيراً. وهذا لا يعني أن طهران هي الآمرة والناهية في سياسة «حماس» وقراراتها.

والأرجح أن استفزاز «حماس»، وقرارها الخروج من التهدئة، ليسا من رأي إيران. ولا قرينة على إضعاف العمليات الاسرائيلية نفوذ إيران. وهي المسألة الأهم. ويذهب والي نصر، مؤلف «الإحياء الشيعي»، إلى أن إيران لا نفوذ لها بغزة، ونفوذها الفاعل في العالم العربي مصدره مكانتها المعنوية ومحاماتها عن القضية الفلسطينية العظيمة.
وأما ما يترتب على الغزو الاسرائيلي فهو، على خلاف توقعات القادة الاسرائيليين، إخراج المعتدلين العرب. فحسني مبارك، اضطر بعد إلقائه اللوم على الإسلاميين إلى التنديد بإسرائيل. وتراجعت دول أخرى معتدلة عن تحفظها الأول، على نحو ما حصل في أثناء حرب إسرائيل و «حزب الله» في 2006. وفي الأثناء، تذرع الرئيس محمود أحمدي نجاد بالحرب إلى رفع عقيرته بالتنديد، شأن المرشد الأعلى آية الله خامنئي.
وجاء في بيان هذا، في 28 كانون الأول (ديسمبر): «اليوم تدمى قلوب المصريين والأردنيين وشعوب البلدان الإسلامية الأخرى. وأنا أسأل علماء المسلمين في العالم العربي وشيوخ جامع الأزهر بمصر: ألم يحن الوقت لإدراك الخطر الذي يتهدد الإسلام والمسلمين؟». وتخطى حسن نصرالله السؤال إلى نصح شعب مصر وجيشها بالتوجه إلى القيادة المصرية، وإعلان رأيهم برفض ما يحصل بغزة.
وإذا رأى المراقب أن في وسع مبارك المصري وعبدالله الأردني الصمت جواباً، فعليه الاستماع إلى القائد الإقليمي المنتخب ديموقراطياً، رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي. وهو حليف أميركا الوثيق. وهو الآخر اقترح على الدول العربية إلغاء تبادلها الديبلوماسي مع اسرائيل، وقطع العلاقات السرية والعلنية بها. ووصف آية الله علي السيستاني، في فتواه، الهجوم الاسرائيلي ب «الشراسة».
والحق أن الهجمات الاسرائيلية تجر تياراً كان يتنامى لمصلحة إسرائيل إلى الانكماش. ففي أثناء العامين الماضيين، أدركت دول عربية مؤثرة أن تعاظم نفوذ إيران الإقليمي يدعوها إلى قبول تحالف ضمني مع إسرائيل يصد النفوذ هذا.
وشجعت كوندوليزا رايس التقاء المصالح الاستراتيجية هذا. ولكن مكمن ضعف المحاولة هو «الشارع» العربي. وهذا ما لم يغب عن إيران. فهي نصبت نفسها المحامي الأول عن القضية الفلسطينية من أعدائها، على ما توحي إيران. والأعداء هم الأنظمة العربية. وداخل إيران نفسها، المعتدلون مضطرون إلى التزام الصمت، والتخلي عن مناقشة تردي أسعار النفط، والدعوة إلى الغضب. ويميل محمود أحمدي نجاد إلى الموضوع الأخير. والدرس السياسي من حرب غزة هو أن على الاسرائيليين انتزاع الذرائع الأيديولوجية من الإيرانيين.

فريد زكريا
_____________________
عن «نيوزويك» الأميركية، الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى