[esi views ttl="1"]
الفكر والرأي

إيران.. الغول القادم

قبل أسبوعين كتب أحدهم مقالاً في أسبوعية (26 سبتمبر) الصادرة عن الجيش، مشيداً بالثورة الإيرانية ومعرضاً بالجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، وأن "بقاءها بيد النظام الجمهوري الإسلامي ضمان وحيد وأكيد كيلا تتحول إلى قواعد لحلف الناتو يضع فوهة بندقيته على رأس طهران"، وهو تبرير أثار استنكار العديد من الأقلام الصحفية في اليمن، قبل أن تعود الصحيفة وتعتذر في عددها الخميس الماضي عن ما جاء في المقال، معتبرة أن ما ذكره الكاتب لا يعبر بأي حال من الأحوال عن رأي الصحيفة الذي لا يتعارض مع موقف اليمن والمساند للموقف الإماراتي في هذه القضية، والذي يدعو إلى ضرورة التفاوض السلمي أو اللجوء إلى التحكيم.

والحقيقة أنه في ظل حالة الخنوع للطغيان الأميركي، الذي تتمرغ في أوحاله الأنظمة العربية، أجدني كمواطن عربي مسلم بدافع الرغبة في مقاومة هذا الطغيان متعاطفاً مع المواقف الإيرانية الممانعة، والأكثر انسجاماً مع الموقف الشعبي، بل يشتد بي التفاؤل أحياناً كلما أعلنت الحكومة "الخمينية" إنجازاً جديداً في عالم تتسارع إيقاعاته بصورة مذهلة.. غير أن منسوب التفاؤل بهذه القوة الصاعدة سرعان ما يتبدد كلما أمعنا النظر في سياساتها في المنطقة وطريقة إدارتها ملفات صناعة الأزمات على مدى السنوات الماضية..

منذ أيام أعلنت طهران إطلاق أول قمر صناعي في الفضاء، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على الثورة، لتغدو بذلك رقماً صعباً في ميزان القوى الدولية، مما أثار قلقاً لدى الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر يزيد مستوى الإعجاب بهذه القوة "الإسلامية" الصاعدة، وقبل ذلك كانت آلة الإعلام الإيرانية وأذرعها في المنطقة تشتاط غضباً لما يجري في غزة من مجازر وحشية وتلقي الخطابات الرنانة، ونجحت من خلال أحداث غزة في تقديم نفسها للشارع العربي كفاعل إقليمي مؤثر ينطلق من هموم وتطلعات الشعوب، على خلاف حالة التعري المقيت الذي ظهرت عليه معظم أنظمة المنطقة العربية والخليج كحكومات بعيدة عن شعوبها شديدة الولاء للغرب و"إسرائيل".
لم تفعل طهران شيئاً يذكر في ما يتعلق بأحداث غزة، ولم ينطلق صاروخ واحد من منصات حزب الله اللبناني باتجاه "إسرائيل" للتخفيف من وطأة القصف الإسرائيلي على غزة، ولم تسفر خطابات حسن نصر الله عن أكثر من حشود لبنانية في شوارع بيروت ترفع شعار "واحسيناه" ثم عادت إلى مضاجعها، لكن طهران مع ذلك حصدت مكاسب سياسية كبيرة، لعل أقلها التعاطف الجماهيري في أوساط الرأي العام العربي، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل هاهي حكومة "نجاد" تضع عينها صوب مملكة البحرين تمهيداً لالتهامها، كما يبدو، وتأتي تصريحات علي أكبر ناطق نوري عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الأسبوع الماضي بأن "مملكة البحرين تابعة تاريخيا لبلاد فارس، وأنها الولاية 14 من إيران"، لتكشف حجم مطامع إيران ذات الأبعاد الفارسية التوسعية..

الحديث عن مطامع إيران وتدخلاتها في المنطقة العربية يبدو شائكاً بحجم تعقيدات الأوضاع التي تعيشها المنطقة، وهو إلى ذلك لا زال مثار جدل بين طرفي نقيض، الأول مؤيد لكل سلوك إيراني معتبراً أي انتقاد له بمثابة عمالة للغرب والصهيوأميركية، والثاني معارض لكل ما هو إيراني مدافعاً عن الأنظمة بحق وباطل، بينما الواقع أن المنطقة أمام تحديات حقيقية لمواجهة مشروعين لا يقل أحدهما خطراً عن الآخر، الأول أميركي صهيوني قائم تجب مقاومته، والثاني فارسي توسعي قادم مطلوب الصد عنه والتعامل معه بمسئولية، على أن كلاهما يفترقان أحياناً ويتفقان في أحايين كثيرة.

محمد الأحمدي
صحفي يمني

زر الذهاب إلى الأعلى