[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

هاءات الساهر المهيض

متعَبُ الروح، وأشيائي كثيرة، والأصابع- نوعاً ما- تعودت على الكسل بعد زيارة ثلاثة بلدان في ثلاثة أسابيع لكن قلبي مغرمٌ بالعوْد.. والعوْد أحمد.

أيها القارئ العجول: كل ما يُتيِّم قلبي هذه اللحظة هو أشواق الأجمل المؤجل الذي يبخل به اليمنيون على أنفسهم لكن السنوات تمر، والشيب يظهر على مفرق العمر، يكبر الأولاد وتزهر البنات ويأتي القادمون الجدد إلى معمعة الحياة وليس ثمة هدف نبيل أو غاية جامعة.

مراراً أحاول ادّخار العتب لهذا البلد المندهش بفوضاه فلا أستطيع.. فؤداي ثاقب النجوى وذاكرتي تضيء.. الناس في بلدي نسوا أنهم يحتاجون ل بعضهم، ويتحاشون بإصرار عجيب تأمل دورة الحياة اليومية في اليمن الوحيد.. يتحاشون قراءة من كان قبلهم، يتحاشون معرفة الغريم المقيم ويتآمرون ضد أي محاولة للصحو، وشيئاً فشيئاً يصبح النعاس هو المهيمن.. يليه الانتباه الأبله والفرح المجذوب.

لعمري؛ ما قيمة المثقف إن لم يرفع سقف الغايات الكبرى للشعب، ما قيمة الشاعر إن لم يلولب أشواقنا باتجاه الرعد وزقزقة العصافير ونكهة الصبح..

ما زال المحراث "يتلم" في مدرجات الروح ومازلت أجالد ألمي ممن يسخرون من البوح المبعثر. الجميع هنا في أرض نشوان لا يطرحون السؤال الصحيح.. وكلهم يتسابقون في تقديم الإجابة النيئة.

مفزعٌ حقاً أن تعدم بين الناس من يؤمن بأنه لم يزل ثمة نبل في صدور البعض وإن كانوا الآن بلا أجنحة ولا رصيد.. وحينما يذهب النبل يحل اللؤم ويرسم الشقاء غباره على الأسماء اليومية التي تتمشى في سوق الوطن المخدَّر..

ما الذي يمنع العلماء والشعراء والخطباء والساسة والصحفيين والتربويين في بلدي من أن يكتشفوا أن اليمن الجديد يحتاج قبلها إلى كلام جديد، والكلام الجديد لا يأتي إلا من القلب الجديد الذي غسل أنحاءه من ترسبات الجدال العقيم في المرحلة الحزبية الشرسة التي شابت اليمن منذ توَّحد في 90.

يتملكني تفاؤل كبير لست أجد له من سبب.. وبإذن الله تستعيد العصافير في بلدي قدرتها على الغناء ويستعيد الصباح قدرته على الإبهاج. ويستعيد الصبر قدرته على النصر.

إننا ذاهلون وليس ثمة من يتأمل.. خائضون وليس ثمة من ينصت.. وبعض الصحب لا يمتلكون بضاعة سوى التفشيل ودحرجة الشكوك الساخر إلى صدور البريئين والإعداد الجيد لقهقهة الختام المقيت (تافهون لكنهم أذكياء)!!

هنالك نوع مختلف من الناس قد لا يصدق الكثيرون أنه لم يزل موجوداً في هذا الزمن.. هنالك نوع مختلف من الناس يأخذون الأمور على محمل المسؤولية الملأى بالجسارة والنبل.. هنالك أسماء جديدة ستنداح على أرض المفاجأة عاقدة حلفها المجيد مع مكر الواحد الأحد.. يجرفها الحنين الهادر إلى مباهج اليوم الآخر.. هنالك من ينتظر البعث بفارق الصبر ليكاشف أحبابه بصدق هواه.

ومجدداً يكرر قلبي مقولته لمحبيه: علينا التخفيف من حمولة الهلع التي أثقلت الكواهل.. الرزق عند الله والمفسدون إلى زوال.. والأيام دوال.

إلى الأستاذ نصر طه مصطفى:

لقد استطعت الفرار من مظنة الهلع.. تودعك النقابة وعيونها لا تنفك من التأمل في جميل صنائعك وجزيل حنانك..
ياسيدي: أنت واحد من قليلين في هذه السنوات.. لم يحن الوقت بعد لكي ننصفك.. غير أننا مترعون بعاطر منك عرفناه منذ سنين..
تحية عرفانٍ لك.. وقبله نطبعها على هامك المكرّم..
هنالك أيّام أخرى سوف تأتي.. لكني أغبطك على هذا المرور الآسر والألق الغزير..
عِم سلاماً أيها الرجل الأمير..

زر الذهاب إلى الأعلى