[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الإصلاح في مؤتمره الرابع.. مراجعة لا تراجع

عبدالفتاح البتول

جاء انعقاد المؤتمر الرابع -الدورة الثانية- للتجمع اليمني للإصلاح متزامناً مع العديد من الأحداث والمستجدات والمتغيرات الداخلية والخارجية والتي لها تأثيرات وانعكاسات على الإصلاح ومؤتمرة العام.

ولعل من أهم هذه المستجدات الاتفاق الأخير الذي أنهى واوقف وخفف من حدة الصراعات السياسية والخصومات الحزبية، التي ارتفع منسوبها خلال الثلاث سنوات الماضية بصورة كبيرة وبوتيرة عالية، الذي لا شك فيه أن الإصلاح خلال السنوات الماضية استطاع أن يرسخ وجوده ويوسع حضوره باعتباره رقماً صعباً في المعادلة السياسية والمنظومة الحزبية، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع مواقف وتصورات وخطاب الإصلاح خلال السنوات الماضية إلا أننا نتفق على الوزن الذي اكتسبه في الساحة السياسية حتى أصبح الإصلاح يشكل أحد أهم مفاتيح وأدوات الحل والمعالجة أو حتى التأزم والمعاندة وباعتقادي أن الإصلاح منذ 2003م حتى اليوم، يختلف إلى حد ما مع الإصلاح قبل ذلك، وأن النظرة والمواقف من الإصلاح وهو في إطار "المشترك" تختلف عن النظرة إليه بمفرده وتميزه وإيجابيته، وأننا بحاجة للمراجعة والمناصحة والنقد الذاتي، وانعقاد الدورة الثانية من المؤتمر العام الرابع تمثل فرصة لمثل هذه المراجعة وتصحيح بعض المسارات وإصلاح بعض الأخطاء والسلبيات التي أدت إلى حدوث بعض التجاوزات للأسس والمنطلقات التي قام على أساسها هذا التجمع الكبير والتيار العريض والحركة الواسعة، ومن أهم ما ينبغي الوقوف عنده والتأكيد عليه والانطلاق من خلاله أن الإصلاح ليس حزباً سياسياً مجرداً، وإنما هو في الأساس حركة شاملة وجماعة راشدة، وأنه يقدم نموذجاً لمشاركة الإسلاميين في العمل السياسي، وأنه حركة دعوية وتربوية ونهضوية وتغييرية، وما المشاركة السياسية وخوض غمار التعددية الحزبية إلا إحدى وظائف ومهام هذا التجمع الذي ينشد إصلاح الواقع وتغييره إلى الأفضل على هدى من عقيدة الإسلام وشريعته. ولا شك أن الانطلاق من رؤية اجتهادية ووسطية باعتبار الإسلام منهج حياة، وأن أي مشروع أو برنامج للإصلاح الشامل أو الإصلاح السياسي لا يكتب له النجاح والاستمرار والقابلية للتطبيق إذا لم يكن منبثقاً من عقيدة هذا الشعب ومبادئه السامية وعاداته وتقاليده الحميدة والسليمة.

بالإضافة إلى ذلك فإننا كإصلاحيين بحاجة أكيدة وماسة خلال هذه المرحلة أن نرى الإصلاح كما عرفناه ومنذ تأسيسه راشداًَ وواعياً ومتوازياً سواء كان في السلطة أو في المعارضة، يعارض بحكمة ويشارك بكفاءة وفي كل الأحوال فإنه يعتمد على سياسة النوافذ المفتوحة تجاه الجميع سلطة ومعارضة، أفراد وجماعات أشخاص وهيئات، لأن هذا السلوك والأسلوب يعود بالخير والايجابية على الناس والشعب والبلاد وعلى الإصلاح وقد جاءت كلمة الأخ رئيس الهيئة العليا للإصلاح في افتتاح الدورة الثانية في هذا الاتجاه الايجابي والتوجه الراشد في التعامل مع الآخرين والمخالفين، خطاب يحمل معاني المسؤولية والنظرة الواقعية والشراكة الوطنية، وعلى العكس من ذلك جاءت كلمة الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك الأخ سلطان العتواني، كلمة حماسية وغاضبة لا تتناسب مع عملية الوفاق ومذكرة الاتفاق الموقعة مع المؤتمر الشعبي العام. إن من أهم أسباب وعوامل نجاح الاتفاق والوصول إلى وفاق وطني وسياسي الابتعاد عن التصعيد الإعلامي والعنف اللفظي والخطاب الحماسي الذي لا يسمن ولا يغني ولا ينفع وإنما يضر ويهدم، ومن هنا تأتي أهمية وضرورة ضبط الخطاب الإعلامي للمشترك عموماً وللتجمع اليمني للإصلاح على وجه الخصوص بما يتلائم مع المصلحة الوطنية ويخدم القضايا الأساسية.

من الأخطاء الإستراتيجية التي وقعت فيها المعارضة خلال الفترة الماضية وتحديداً عقب انتخابات 2006م أنها وضعت نفسها في نقطة تقاطع مع الدولة والسلطة، واتخذت في أحيان كثيرة مسار وخيار المواجهة بدل المعارضة، والأصل أن تكون علاقة المعارضة بالسلطة والدولة تكاملية.. وأن هناك فرق بين معارضة الحزب الحاكم والحكومة ومعارضة النظام السياسي والدولة وثوابتها التي لا خلاف حولها بين السلطة والمعارضة، والخلط بين ثوابت الدولة والنظام الجمهوري وبين ممارسات وأخطاء الحزب الحاكم أمر غاية في الخطورة وقد جاء البيان الختامي الصادر عن الدورة الثانية للمؤتمر العام الرابع ليعيد الخطاب السياسي للإصلاح إلى المعهود منه والمعروف عنه، من واقعية وعقلانية ومسؤولية في التعاطي مع الشأن الداخلي للتجمع أو الشأن الوطني العام السياسي على وجه الخصوص، فقد ابتعد البيان عن العبارات النارية وكيل الاتهامات والشكوى والأنين ولغة اليأس والقنوط والروح التشاؤمية، واتجه نحو اللغة الواقعية والصياغة الموضوعية وإعطاء الأمور حقها بلا تهويل ولا تهوين، وإن كان فيما يخص الفتنة الحوثية والتمرد المسلح بصعدة لم يأت بيان الإصلاح بجديد بهذا الموضوع وهذه القضية وأكد على مواقف المشترك المعروفة والمكررة والمطالبة بإعادة إعمار المناطق المتضررة واتخاذ كافة المعالجات التي من شأنها أن تنزع فتيل وذرائع وأسباب تجدد المواجهات ودورات العنف!

وهذه المطالب يتقدم بها الإصلاح إلى الحكومة وهذا دورها ولا شك ولكن ما هو المطلوب من المتمردين وماذا على الذين يعدون العدة لخوض جولة جديدة من الحرب والمواجهات، ما هو موقف الإصلاح والمشترك عموماً من الاستفزازات التي يقوم بها الحوثيون والتي كان أضرها استغلال ذكرى المولد النبوي والرسائل التي قدمها الحوثي من خلالها.

وفي مقابل ذلك فقد كان بيان الإصلاح واضحاً وصريحاً وحكيماً وهو يتحدث عن إيجاد معالجات جذرية للأوضاع في المحافظات الشرقية والجنوبية، وأن عدم معالجتها لا يخدم إلا أصحاب المشاريع الصغيرة واللاوطنية ويفتح أمامهم ثغرات للنخر في جسد الوحدة الوطنية بصورة غير مسبوقة!

فمن الملاحظ أن تناول الإصلاح لهذه القضية جاء متوازناً وحصيفاً وحكيماً، فلم يذكر اسم القضية الجنوبية ولا الجنوب، ولا حتى المحافظات الجنوبية وإنما وصفها وأسماها المحافظات "الشرقية الجنوبية"، بالإضافة إلى أن الإصلاح انطلق في تناوله لهذه المسألة في منظور وطني ووحدوي، وأكد على أهمية تجاوب السلطة مع المطالب المشروعة التي تعبر عنها الفعاليات السلمية! بمعنى أن الإصلاح ضد المطالب الغير مشروعة والفعاليات الغير سلمية، وفي الوقت ذاته تحمل العبارات معنى الرفض التام للأصوات الانفصالية والمناطقية، وأن أي معالجة لقضايا هذه المحافظات لابد أن تكون تحت سقف الوحدة والنظام الجمهوري.

كاتب ومحلل يمني - الناس

زر الذهاب إلى الأعلى