[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

خارج السرب !!

على العكس.. يبدو الوقت مناسباً جداً لكي ننقد الصحافة والصحف ذلك أن أي سطور في هذا الموضوع رغم طرقي لها مراراً إلا أنه سيقرؤها الناس، حسب ظني، بمعدل أعلى من الأيام العادية بسبب مصادرة السلطات ثمان صحف إحداها يومية..

ومبدئياً أقول: ما الذي سيخسره المجتمع اليمني بإغلاق كافة الصحف اليمنية؟.. الجواب: لا شيء سوى وجع القلب وتعب الدماغ.. بل على العكس سيكسب الإحساس بالسكينة ويدخر بعض القروش التي يشتري بها الصحف..( لا حظوا تهدأ الضوضاء في الأعياد بسبب احتجاب الصحف!!).

صحافتنا منذ 1990 هي انعكاس صادق لفراغ النخب السياسية والثقافية والإجتماعية في البلد- وهي بالتالي لاعب أساسي في كل الأزمات والنكبات والمصائب.. وهكذا دائماً هي سيرورة الأشياء عندما يفتقد العمل الإعلامي لمحرك ثقافي ووجداني وديني وتربوي معتبر..تصبح الحبة قبة وتتدحرج الثلج لتطير جماجم الألوف" حدث هذا قبل 93 وبعد 97 واستمر بعد 2006 ونتيجة كثرة الغثاء اختلط الغث بالسمين وذهب الصالح بذنب الطالح..

ومؤكد أن الإعلام الرسمي يتربع بكل صحفه ومنابره سدة الهرم الغوغائي في واقع اللغو اليمني المنشور على الملأ.. لا خطة، لا رؤية، لا مروءة، ولا نبل ، ولا ذاكرة، ولا حصافة ولا مفكرين ولا أسماء لامعة.. فقط تطرف في تضخيم المنجزات أو المعجزات وتخوين الآخرين أدى بدوره إلى تطرف مضاد في المنابر الحزبية والأهلية لا يضبطه ضابط.. وطالما كان الراشدون في بلدي نائمين في بيوتهم فإن الصحف صارت نهباً لكل منافق نشيط عليم اللسان يحسن توتير الأوضاع والإيقاع بين الفرقاء.. لاحظوا معي كم هي الهالة الصحفية المتفق عليها بين صحف الحاكم والمعارضة بشأن روعة الإتفاق بين الطرفين.. وقبل الإتفاق كان الجميع يرشقون الأصوات العاقلة ( التي تنادي للإتفاق) بأقذع التهم وكانت الصحف تنشر مقالات هؤلاء على مضض!!

وبدءاً بالإعلام الرسمي وانتهاءاً بصحف المديريات والقرى أصبحت الصحافة لعبة مسلية بيد مراكز القوى المتصارعة التي تمتلك إكرام الصحف وإبهار الصحفيين، إنها صحافة مقائل وأخبار مقائل إلى أن أصبحت الصفحات مليئة بالغبار والضجيج وصار واقع الصحافة (الذي يعكس " بصدق" واقع السياسة) يصنع لنا " كتبة " ( لا كتاباً) يبدعون فقط في تسويق الظن و"الظن لا يغني من الحق شيئاً".. "ورسول البلاء يعلم الغيب".. حتى لقد كادت صحف المعارضة نفسها أن تتحول إلى مروج مجاني لجرعات حكومة المؤتمر عن طريق التبشير المتواصل بالجرعات.. وما كان ضرها لو قالت أنه من المستحيل حدوث ذلك لأسباب يوردها علماء الإقتصاد والإجتماع.. إلخ..

وفي زمن السندوتشات والتنافس الإعلامي الهائل على شد الاهتمام يتهافت الذباب الصحفي على موائد المزوبعين وأطباق كل منافق عليم اللسان.. أما من يقول الحكمة والكلام الراشد السديد فلا خير منه إذ سيجمد المبيعات ويكثر من المرجوع!!!

ليس كل ما يسمع يقال.. ولماذا إبراز كلمة السوء في عناوين المقابلات والحوارات وترك بقية الكلام الذي فيه ما هو أهم وأنفع..

هنالك موضة توتير وتهافت صحفي على إثبات سوء نوايا الأطراف السياسية في اليمن.. وهناك إرهاب فكري لكل ذي رأي مخالف زميلاً كان أو قارئاً.. وهناك ابتزاز سياسي وتجاري واجتماعي فظيع.. ووصل الأمر إلى الإبتزاز الدولي والمنظمات.. أحدهم أرسل رسالة sms إلى دبلوماسي عربي يبلغه بأنه سوف يؤلف كتاباً عن علاقة بلاده بإسرائيل!!

والأسوأ من ذلك كله ابتزاز القارئ البريء واللعب على مخاوفه..

ضحاياكم كثيرون يا معشر الصحافة.. من يحمي المجتمع منكم.. ومن يحميكم من شرور أنفسكم وضحالة إحساسكم..

أقول: معظم الذين يتفلسفون حول الوحدة والحراك الجنوبي يكتبون من صوامعهم في صنعاء ولم يحضروا مهرجاناً احتجاجياً واحداً.. نفس الشيء بالنسبة لصعدة.. أحد الزملاء ملأ الصحف كتابات تحليلية عن صعدة تثبت كل يوم أنه أبعد ما يكون عن جوهر القضية وكل متاعه يلتقط من أفواه الساسة الذين يجيدون تقدير الصحفي وتضليله في نفس الوقت.

ولا بأس أيها الزملاء.. إننا ننتقد كل شيء ولا نقبل نقداً من أحد.. والمشكلة أن لا أحد ينقدنا بما هو فينا بالفعل.. ولا بأس من استشهاد أزيد من ضمنه أن كتابات الزميل امين الوائلي وأمثاله في الميثاق و26 في بدايات الحراك كانت هي السبب في دفع بعض الأسماء التي كانت ( ولا تزال) وحدوية إلى تبني شعارات تشطيرية ومناطقية ( الشنفرة والخبجي نموذجاً) الزميل رداد السلامي ملأ كل مواقع الأنترنت ضجيجاً أن ال"نيوزيك" تحذف من مقالاته وتتقرصن عليها الزميل منير الماوري انتفض فزعاً من مقال في افتتاحية صحيفة الرياض وحذر الخليج من دعم اليمن !!

الزميل نبيل الصوفي كتب قبل عدد ونصف في " الوسط " أنه فوجئ حين رأى اسم الشيخ طارق الفضلي ضمن قائمة الـ15 المسماة قائمة باصرة هلال.. طيب يا أخي .. لماذا لم تنشر لا أنت ولا غيرك من هم هؤلاء الـ15 الذين ألهبوا قلوب الناس في الجنوب حتى أشعلوها ثورة عارمة ضد كل شيء ولماذا جاءت فقط على رأس الفضلي؟! صحافة الواقع الفوضوي الراهن لا تحسن تفجير الأسئلة السليمة ولا تفتح ضوءاً في آخر النفق.. ولا تفطن حتى في انتزاع الجزئية الأهم في الخبر لجعلها عنواناً يتسيد السطور.

حينما يصغر المثقف تكبر دائرة الإنتهازيين ويسهل الضيم.. والحاصل حالياً أن الآن يمكن القول وبالفم المليان إن السياسي الدعي أفسح المجال للصحافي الدعي وحالياً يتواطأ كلاهما ضد كل ما هو عميق وأصيل ومسؤول.. وينشران القبح على هيئة أخبار ومقالات والكل يحرض ضد الجميع والخارج كعادته يفرح بيوم الحمار فيسلم هذا وساماً للشجاعة ويمنح هذا درعاً للحرية.. هذه الحرية التي نمارسها اليوم بلا نبل تكاد تقتل ما تبقى لدى الناس من يقين.. هذه الحرية لا تحتاج إلى مصادرة أو إيقاف أو حجب بل إلى إدارة سليمة ودولة ذات مشروع ومجتمع ذي نباهة واكتراث..

وختاماً: إيقاف الصحف ومصادرتها خطأ سياسي ليس له ما يبرره، حتى وإن لم تعدم السلطات الإعلامية مبررات قانونية لهذا الإجراء.. بالمقابل لم ترتق الصحافة اليمنية رسمية وأهلية وحزبية إلى طور يجعل من غيابها أمراً يفوت على اليمن النفع.. وسواد الناس هم أعمق في تحليل الوضع وأدرى بحجم التدهور لأنهم يعيشونه ويتجرعون مرارته.. على أشياء كثيرة أن تتغير في هذه البلاد.. ذلك أن الأزمات ليست سوى نتيجة لوضع متعاضد الاختلال.. وبالتالي لا بد أن يكون لهذه الأزمات أيضاً بعض المنفعة لأنه لا شيء يجبر اليمنيين على أن يخسروا كل شيء دفعة واحدة..

زر الذهاب إلى الأعلى