[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

قراءة قاطفة لورود وأشواك العطاس *لطفي النعمان

الحل الشامل والحلّ القاتل

أشواك رئيس وزراء دولة الوحدة الأسبق المهندس حيدر أبوبكر العطاس في "حديث الخليج" بقناة "الحرة" مساء الجمعة الموافق 15 أيار 09م، لا تمنع من قطف ورود هيجت أشجان (التفاهم الوطني) وإن لم يُقدِّم الحديث حلاً ولم يؤخِّر أزمة. بمنهجه "اللا وحدوي" المفزع للمذيع سليمان الهتلان!

وابتداءً مما ختمه العطاس بطلبه "الأخوة في الحراك المسارعة في وحدة تنظيماتهم لمواجهة الوضع"(...)، يجد المعنيون بالشأن اليمني مدخلاً للنفاذ إلى عمق المشكلة اليمنية القائمة اليوم في المحافظات الجنوبية، لاستمرار فتح (باب التفاهم الوطني).

إن الوضع في الجنوب منشأه (الميراث الأصيل) للانفصال الذي ميَّز بين الشطرين سابقاً، فكلٌ له خصوصيته وطبيعته في مجتمع متعدد الأطراف والفئات، متنوع الطبائع والنفسيات، يُراد لهم الانتظام في منظومة واحدة، والتأطير في إطار واحد. ولا غرو في تميز قطاع عن الآخر فتلك سنة الحياة، وسنة الحياة لم تمنع من الانصهار والاندماج بدءً من الاقتداء بالإيجابيات والاستغناء عن السلبيات؛ وإن تولّدت في النظام الواحد الجديد العديد من المشكلات.

وهذا التميز المعروف وضع الوحدة اليمنية هدفاً أساسياً ينبغي بلوغه، وقد كان هذا البلوغ في الثاني والعشرين من أيار - مايو 1990م، فانتقل المتميزون عن بعضيهما من (الوحدة حلم اليمنيين) إلى (الوحدة حياة اليمنيين)، وهذه النقلة مع التميز، تمنح فرصة الحوار على أسس ديمومة المشروع التصالحي الحضاري الذي به دخل اليمنيون التاريخ ولم يجدوا مخرجاً منه، ولا يسع أحداً في الداخل أو الخارج امتطاء (آلة الزمن) لتغيير إجراءاته! أو نسفه تماماً.

وبتبيان عدم جدوى الدعوة (والعودة أيضاً) إلى الانفصال، توحدت الجهود لتثبيت شرعية الوحدة، وانتقل اليمنيون جميعاً من بعد تثبيت شرعية الوحدة، التي أسهم في تثبيتها، وكان حافزاً رئيساً للإصرار على التثبيت، (إعلان الانفصال)! وبعد النجاح في خوض (اختبار بقاء الوحدة) 1994م، انتقلوا إلى طور التنمية و(التعويض) لبعض محافظات الجنوب عن مخلفات الانفصال و(التبعية)، مقابل (حرمان) بعض المحافظات الشمالية الصامتة، وجرى التدرج في الديمقراطية الناشئة والنظم القانونية للتصدي العملي لهذه المخلفات، ولترسيخ الوحدة في وعي المواطن في الشمال والجنوب، حد رفضه كل (مطلب جنوني) لا يقبله (عقل وحدوي). وترافقت بدون شك موروثات سلوك التعامل القديم بين المختلفين فطرياً، مع مسيرة التنمية حتى ساء الفهم و.. الوضع أيضاً!

وتفادياً لتفاقم السوء، وبلوغاً لمرحلة الإصلاح.. بُدئ من حيث ينبغي البدء، بالإقرار عبر خطابات المسئولين الرسميين بالقصور والسلبيات التي تعتري التجربة، والأخطاء في الخطوات المتخذة، والاستعداد "للمعالجة تحت
سقف الوحدة". و"استعادة ألق الوحدة" بتجديد روحها بشكل جماعي لا ينفصل فيه أي مسار عن أساس "العدالة والمساواة وسيادة القانون"، وهو ما تدركه وتعيه جيداً القيادة السياسية في عاصمة اليمن الواحد، ولم يكن جديداً
عليها إدراك هذا الأساس حتى يُزايد عليه الممسكون ب(قميص "النظام والقانون")!

هذا الإقرار الإيجابي، أوجب تفهم الأصدقاء والأشقاء فكانوا في بياناتهم واتصالاتهم الأخيرة أشد حرصاً من بعض اليمنيين على وحدة اليمن واستقراره فوجهوا خطاباً متزناً قوبل -مع الأسف- بخطاب مكبل بأغلال
ثقافة الانفصال ومستدعياً أجواءها!

إن الحراك السياسي الداعي للمعالجة السلمية لأي قضية يمنية تحت سقف الوحدة، أمر مقبول ومطلوب، ولعل هذه النقطة الإيجابية (المُستَملِكَة) لضمير العطاس نطقت عفوياً في سياق حديثه، لأنه تراجع عنها ونقضها بحديثه المشحون بأجواء صيف 1994م والمشوِّق للجلوس تحت سقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن في نيويورك!

الغريب أن العطاس ومن يدعون أنهم "حراكيون" لم يجعلوا قضيتهم قضية وطنية عامة لتبلغ مرحلة التدويل، وهذا يتناقض مع فكرة التدرج التي كان يريدها العطاس للوحدة، وكيف يريد "اجتياح" المحافل الدولية بقضية لم
تنبعث من مبعث وطني شامل؟!

وعن ما أطلق عليه الحراك السلمي وهو يشعل الحرائق وعنف الحوادث الدموية في بعض المحافظات، احتمالات شقه لصالح السلطة بانضمام عناصر محسوبة عليه (...)، فلا يشق ما يسمى الحراك غير انحصاره ومحاولة توحيده في نطاق شطري ضيق لينفجر الوضع في الوطن كاملاً، لأن "القضية إذ تنحصر.. تنفجر". وهذا هو وجه الابتزاز والتخويف الحقيقي (للإقليم الجزيري). وليس التنبيه المبكر من مخاطر آثارها أو انضمام من كانوا في جلباب السلطة وخرجوا ليذودوا عن أراضي آبائهم وأجدادهم، وكأنهم أفاقوا من "غيبوبة ضمير" إلى تصعيد الحوادث!

وإذا اقتطفت وردة ثالثة من بين أشواك العطاس، فهي (مصلحة اليمن)، وملخصها "عدم الاحتراب، وإنهاء المشاكل، وصون الأمن والاستقرار" (...).

فمما يحول دون الاحتراب وينهي المشاكل ويصون الأمن والاستقرار هو البقاء تحت سقف الوحدة، لا هدم لسقف وإقامة جدران التشطير، إذا كانت الإمكانيات المتوفرة ستغني عن البراميل المفلطحة، والتهويل في الحدث وإصدار الأحكام المطلقة الخاطئة وتحوير المواقف ووصفها بغير ما فيها، وحقن الجراح ب"سم الأفاعي"، والمداواة ب"طب لا يداوي".

توحيد الحراك مع الجهود الوطنية تحت مظلة الوحدة يعزز مكانتنا التاريخية، وليت العطاس اهتدى، بمن طلب حماية الوحدة لا العودة إلى ما قبلها.

لا يملك المرء إلا الإشفاق على مشاعر الذين رأوا في "نعمة" الوحدة "نقمة" عليهم فهولوا وبالغوا ونفخوا تصورات خاطئة عن وضع اليمن، وجازفوا في التهم. وأنكروا جهود بناء الدولة اليمنية الواحدة. وتناسوا
أن بناء الدولة ليس أمراً هيناً. وإذا لم تَسِر الأمور على النحو الذي سارت فيه وحافظ الشركاء على موقعهم الوحدوي لظلوا إلى اليوم يبنون الدولة التي يريد الجميع بناءها.

ثم:

هل كانت الدولة في الجنوب سابقاً مبنية على النحو التام؟

وإذا كان نموذج النظام في الشطر الجنوبي قوياً وتاماً وراسخاً لماذا لم ينجح في الشيوع تحت ظل اليمن الواحد؟

وهل كان التحالف مع الجيوش الحمراء والتنظيمات الإرهابية الدولية مما يبعث على الثقة في نظام الجنوب يومها؟

وحسب حديثه الشائك أن السلطة عادت اليوم لتدعو للحوار حول القضية اليمنية في إطار الوحدة فلماذا يفر من وجه الحوار بالدعوة إلى عودة ما قبل الوحدة؟

وإذا أردنا تجديد مستقبل روح الوحدة بإيجابية لماذا نستحضر الماضي بسلبية؟

وهل تمثل اللامركزية حلاً فيما لم تقوَ المركزيةُ أصلاً؟

وهل العلاج الطبيعي للجسم يكمن بتجاهل آلام عضو من أعضائه وتركه يتآكل طالما تعافى عضو آخر؟

وتحت أي صفة يصل النائب السابق علي سالم البيض إلى الجامعة العربية، حسب خيال جاف وتصور -آسف لوصفه بال- ساذج، ليوقع فك الارتباط وكأنه "نكاح" بعدما طلّق السياسة وأوصى بحماية الوحدة؟

لا ننكئ جراحاً أو نستثير حساسية أو نستزرع حزازة لكن الحديث جر بعضه. أمام ضعف منطق العطاس (القوي فيما مضى) وغياب شجاعته الأدبية عن مواجهة الموقف مباشرة وبقائه في الخارج بعيداً عن واقع الداخل تنصله من مسئولية الحفاظ على وحدوية الوطن، واستدعاؤه لأسباب الاحتراب واختلاق المشاكل واستفزاز العامة لاستعادة لدولة الجنوب، لينال أي منصب فيها، وهذا أبسط تفسير سيصدر من أي ضدٍ للعطاس لكي يهز دعوته إلى سد باب (التفاهم) -من جانبه- تحت سقف الوحدة، أما في اليمن فباب (التفاهم الوطني):

مفتوح..

مفتوح..

مفتوح.

يتمنى المرء أن يكون أبناء اليمن في الداخل والخارج طاقةً لبنائه لا معولاً لهدمه.. وأن يدخلوا من هذا الباب المفتوح ويوسعوا آفاق (الحل الوطني الشامل) بدلاً من التضييق والخنق ب(الحلّ الشطري القاتل). لأن الدعوة إلى عودة الانفصال دعوة إلى عودة (النزيف اليمني) الذي لن يندمل "إذا سال جُرحُ". حيث -لا سمح الله- سيعود الاحتراب، وتحيا المشاكل وتثور القلاقل، وسيتبادل الجيران داخل اليمن، إن تمزق، الأكفان؛ بعد إطلاق النيران. هذا إن لم يُدفَنوا بما تبقى من الأبدان!

• لطفي فؤاد أحمد نعمان
[email protected]
• نشوان نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى