[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

أوباما و«أنسنة» العالم *لطفي النعمان

أتى الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما إلى قلب العروبة النابض (القاهرة)، مملوءً بإيمانه بالآخر وقبوله به، معتذراً عما كوّنه التاريخ "العاصف بالثقة" والزارع للمخاوف. مستشهداً بالقرآن والتلمود والإنجيل، وأشاد بمبادرة الملك السعودي إلى رعاية حوار الأديان، وريادة تركيا في تحالف الحضارات، وحيّا عراقة مصر وجامعة القاهرة حيث انبرى.

دونما نفي "للتوتر التاريخي" بين مسلمي العالم وأميركييه, ليبلغ (التصالح التاريخي)، الذي وصف إجراءه بسهولة وعبر عنه بانسيابية، وأسلسه قياد الحديث. إنه "التعايش" ونَزْع شوك الشكوك من سبل السلام والتفاهم المرجو. وهو ذات التوصيف لحل القضية العصية بين العرب، فلسطين، وبين إسرائيل، وعلاج أزمة الثقة بين أميركا وبين إيران.

أغنى الرئيس الأميركي خطابه التاريخي الذي بشّ له أبو الهول، وصفق له المصريون وحضور جامعة القاهرة من مختلف الجنسيات، 41 مرة. أغناه ب"رؤية الرب"، و"الدعوة إلى العمل لتحقيق هذه الرؤية الربانية"، السلام والتعايش. و"حاجة العالم إلى التسامح" والإفادة من مُثُل التاريخ، والتطلع إلى إيقاف "دائرة الارتياب والشقاق العالمي"، بأن "بحث عن بداية جديدة"، وبحثه ذاته بداية جديدة، تعزز "القواسم المشتركة بين المسلمين والأميركيين". وأقر بما حفل به تاريخ العلاقات بينهما من "خوف وانعدام ثقة"، "صراعات وحروب غذاها الاستعمار وأشبعتها الحرب الباردة" إذ أوكلت الأخيرة إلى المسلمين إضرام النيران دون أدنى "مراعاة لتطلعاتهم الخاصة"، فألهتهم عنها بتلك الصراعات. أما وقد خلت الملهيات فليشتركوا في المهمات!

وقال قولاً سديداً فقُبِل منه كل ما ورد من مقترحات لحلول مشاكل الشرق الأوسط، الطبيعي والكبير. وحتى استنكاره لمن يُنْكِر معاناة اليهود، وتوكيده على متانة علاقة بلاده مع دولتهم, وإعلانه للعرب والمسلمين عن جزء من برنامج زيارته لألمانيا حيث "قُتل 6 ملايين يهودياً"!! وساوى بين حقيّ الفلسطينيين والإسرائيليين في البقاء وإقامة الدولتين، لا استعادة الأرض المحتلة!!! ووضع لهما حلاً سهلاً، كما يسهل توجيه اللوم حد قوله، ولكن: هل تنفيذ الحل السهل يسيرٌ بقدر سهولة الاقتراح؟!

أكثر ما يتخلل سطور الخطبة العصماء، مثالية مفرطة، تريد من العالم المسكون بالصراع المنبوذ أكثر من التعايش المطلوب، تجديد صلاة الإسراء، وتتناسى أنهم بشر وإن أدركوا مُثُل "قصة الإسراء" فلا يملكون (مثالية الأنبياء) الذين عرفوا "الرب"، ووعوا رؤيته حقاً، فحملوا رسالته دون أن يُنكِر أحد أو ينفي بعضهم الآخر.

واقعية الخطاب ومثاليته في آن لا يحل –كما قال أوباما- المشاكل التاريخية والحاضرة والمستقبلية، ولا يجيب على التساؤلات المثارة:

من يُغري تجار الحروب في كل مكان، بالربح الأكثر من الإتجار بالحياة؟

ومن يُلْهِم إرهابيي إسرائيل وحماسيي فلسطين بجدوى التعايش والحوار السياسي من العنف؟

ومن يُقنِع من لا يَقنَع بأن "المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل" يكمن في التعايش والقبول بالآخر واحترام الحدود، وإدراك الواقع، والتعاطي العقلاني معه والتصالح مع النفس بدلاً عن المعاداة والتجاهل واللامبالاة والرفض والتنافر؟

إن (الأطراف المعنية في العالم)، لا تجد سبيلاً لفهم جدوى ذلك، لأنها جعلت نفسها غير معنية أساساً بإيجاد "العالم الذي نسعى إليه": "عالم منزوع التطرف"، ينعم الإنسان فيه بالأمان، وتُسيِّرُ الحكمةُ فيه القوةَ، و"تعمل الحكومات لخدمة المواطنين وتحترم حقوق البشر وتصون كرامتهم". لقد استوحش العالم وكافة أطرافه المختلفة من بعضهم بعضاً، وغدت سلوكياتهم محكومة بقوانين الغاب، وطبعت بالاستعلاء والاستيلاء، والاستغباء والاستعداء، فقُتِّل أبرياء، وتساقطت نظم، ونشأت إمبراطورية وتعززت صور نمطية خاطئة، وجد (شريك) العالم الجديد نفسه إزاءها في "موقع المسئولية" عن التصدي والمعالجة لكل أخطاء الأنماط والسلوك.

ولأن الأخطاء والأخطار توحِّد العالم وتُشركه في التأثر بها، من "أزمة مالية" وعقارية إلى فيروس و"إنفلونزا"، فإنها تلزمه "الشراكة والتوحد في مجابهة كل توتر قائم بشجاعة تسد منافذ الأخطار وتلبي احتياجات الشعوب"، باعتبار ذلك ضرورة ينبغي الذهاب إليها كما "ذهبت الضرورة بقوات دولية إلى أفغانستان بكلفة باهظة لا تسمح لهم بالتهاون مع المتطرفين". ولذلك "لن يغادروها إلا بعد ثقتهم من انتهاء التطرف العنيف" أو "عزل المتطرفين". وهل سيجد العرب أنفسهم شركاء فاعلين في عزل المتطرفين، كما يقومون ب(عزل المعتدلين) بكلفة قليلة؟!

سبق القول غير مرة، أن ابن أوباما، بنهجه وفريق إدارته وخطابه وخطط مستشاريه، يراعي مصلحة أميركا أولاً، ومصلحتها تكمن في شراكتها والعالم بمختلف دياناته والتحول من "راع (طامع)" إلى "شريك (قانع)". وبهذه المراعاة الواعية يمثل فرصة مناسبة للمسلمين والعرب لتطوير علاقتهم وتوسيع آفاق تعاونهم مع الصديق (أو الشريك) الأميركي، وها هو يقدم مبادراته الاقتصادية لتنمية فرصة التعاون والشراكة في تحقيق "تقدم مبهر" للمسلمين يستعيد "دورهم الطليعي في الابتكار والتعليم"، والتوجه نحو "الاستثمار فيهما"، لولوج المستقبل بشراكة عالمية جديدة و"حل اقتصادي" مستقبلي متقدم "لمشاكل" التخلف الماضوية والحاضرة. حسب خطاب أوباما.

خطاب أوباما لم يقف على عتبة الماضي ويتحرر من قيود أزمات الحاضر ويعترف بها إلا ليطل على المستقبل المراد، ومن إطلالته من قاهرة المعز "يبدأ العمل مع العرب والمسلمين"، دون فرض لمفاهيم أميركية (تُؤمْرِك) العالم، بل عَرَض قواسم مشتركة بين جميع بني الإنسان من مختلف الأديان، ومفاهيم إنسانية (تؤنسن) العالم وتخلصه من وحشته. وبهذا كان "اختيار الطريق السليم لا الطريق السهل". ف(الأنسنة) بوابة مستقبل الشراكة العالمية.

• لطفي فؤاد أحمد نعمان
[email protected]
• نشوان نيوز - خاص

زر الذهاب إلى الأعلى