[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

الفساد والانفصال.. حان وقت الحلاقة

(1)

باستثناء الاشتباكات بين رجال الأمن والمعتصمين أو المتظاهرين باسم (الحراك الجنوبي)..

فما تزال المساحة الأكبر للمواجهة تتم على صعيد القصف الفكري والإعلامي والسياسي، حيث يسعى كل طرف لإثبات صحة مواقفه وخياراته! ونقول –بألم- إن هذه المعركة الطائشة أو القصف العشوائي هو الذي سوف يكون له آثار مأساوية في المستقبل تماما كما يحدث في العلاقات الإنسانية الفردية –صداقة أو زواج أو جوار- عندما يبالغ المتخاصمون في إعلان عدائهم للطرف الآخر، ويسرفون في توجيه القبائح، وتقطيع كل الحبال، وهدم كل الجسور توهما منهم بأن كل شيء قد انتهى ولم تعد هناك فائدة في استبقاء شيء للمستقبل!

تفرز هذه المعركة سموما شتى، بعضها أخطر من بعض، وبعضها أكثر كذبا من بعض.. وكلها تقتل في نفوس اليمنيين مشاعر إنسانية، وتنبت البغضاء والشحناء والعداء بين أبناء الأسرة اليمنية الواحدة!

ولخطورة نتائج هذه المعركة المسمومة، فقد كان لابد من مواجهة سمومها وعدم السكوت عنها، مهما كانت المبررات التي يظن الطرفان أن الأولى مراعاتها، فطرف يريد أن يوهمنا أن مطالب الانفصال وإثارة النعرات المناطقية أكثر خطرا إلى درجة لا يجوز معها الآن إثارة الحديث عن فساد السلطة ومصائبها.. فضلا عن التخلي عنها وعدم الوقوف معها في مواجهة الأخطار المحدقة بالوطن ووحدته.. والطرف الآخر يستبيح كل شيء لتعزيز موقفه وتبرير مطالب الانفصال، بحجة أن الوحدة قد انتهت وانهارت بحرب 1994 وإخراج أحد شريكي التوقيع على اتفاقية الوحدة! وهو في سبيل تحقيق أهدافه لا يتردد في تحطيم كل شيء وهدم البلاد على طريق (علي وعلى أعدائي يا رب).

بين هذين الموقفين تقف الأغلبية التي لا تزال صامتة حتى الآن.. لا تجد نفسها مع الفساد (بكل أنواعه وخاصة السياسي منه الذي سد آفاق الفرج أمام الشعب).. ولا يرضيها ارتفاع الأصوات النشاز التي تتحدى حقائق الجغرافيا والتاريخ، وتنكر أن اليمنيين شعب واحد عاشوا في بلد واحد انتسبوا إليه حتى وهم يعيشون في ظل دويلات تتنازع السيطرة على أجزاء من الأرض تتسع أو تضيق!

(2)
الطرف الأول الذي تمثله السلطة المؤتمرية، يبني خطابه الإعلامي والسياسي على إنكار وجود مشكلات حقيقية تتصل بالاختلالات الخطيرة التي يتسم بها النظام السياسي القائم في البلاد منذ بدء الوحدة.. وتكرس بعد انفراد (المؤتمر) بالحكم، وسقوطه في مصيدة غرور السلطة التي ليس لها إلا نهاية مأساوية واحدة كما يعرفها تاريخ البشرية!

الخطاب المؤتمري –الآن- يهرب من الاعتراف بالمرض الخطير الذي ينتج كل هذه المشاكل والمآسي في البلاد.. ونعني به مرض (الفردية)، وجعل البلاد والعباد كلهم يدورون على محور واحد حتى يصاب الجميع بالإعياء والإغماء!

هذا الخطاب الكاذب ما يزال يصر على أن البلاد تحقق لها الازدهار (حتى السويسريون لم يعودوا يقولوا ذلك عن بلادهم).. والتنمية التي تجعل هم الدولة منصبا على كيفية تسهيل خروج المواطنين للعمل في الخارج للتخفيف من البطالة.. هذه التنمية التي وإن كنا لا ننكر وجود شيء منها لكن المبالغة في الحديث عنها وتصوير الأمر على أن (قطار التنمية) منطلق بلا هوادة هو نوع من تزييف الواقع! وهناك في الخطاب المؤتمري الحديث الذي لا يكل عن (الديمقراطية).. وهي فاجعة البلاد منذ أن بدأت فلا صاحبها انتخابات نزيهة وشفافة.. ولا عرفت تداولا سلميا للسلطة.. ولا نجت موارد الدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية من هيمنة الحزب الحاكم وتسخيرها لمصالحه الخاصة والحزبية! ورابعة (الأثافي) الحديث المستمر ودون انقطاع عن توفر (الأمن) إلى درجة إشاعة الخوف بين الناس بسبب ذلك.. على اعتبار أنه كلما دعت الحكومة إلى شيء حدث عكسه، فإذا دعت إلى خفض الأسعار ارتفعت.. وإذا عزمت على محاربة الفساد اشتد وتوسع وأخرج للشعب لسانه! وإذا تحدثت عن الديمقراطية برزت أنيابها وغسل الناس أيديهم منها!

(3)
سوف ترتكب السلطة حماقة تاريخية إن استمرت في الحديث الممل عن المشاكل التي تضرب البلاد بكل هذا الاستهتار والإصرار على تزييف الأمور وصرف الأنظار عن المرض الحقيقي وعدم الاعتراف به.. والطريق الوحيد لنزع فتائل الألغام هو في أن تقدم السلطة المؤتمرية على اتخاذ قرارات حاسمة في إصلاح بنيتها السياسية والقانونية دون انتظار لانتفاضة برتقالية أو صراعات هنا أو هناك أو مراهنة على الزمن وتعب المحتجين وإرهاقهم بالمواجهات.. أو كما قيل يمنيا (أنه يجب أن نحلق لأنفسنا قبل أن يحلقوا لنا).. ومن الواضح حتى الآن أن الأخوة المؤتمريين لم يقتنعوا بنظرية الحلاقة الذاتية.. إما لأن جزءا منهم من (الصلعان) الذين يهزون أكتافهم لأن الأمر –أي الحلاقة- لا يعنيهم.. وإما لأنهم من فئة (الهيبيز) الذين يعشقون إطالة شعورهم وإسدالها على الأكتاف حتى تتعفن!

المصيبة التي حلت بأوطاننا أن الأنظمة والسلطات لا تؤمن –للأسف الشديد- بالحلاقة الواجبة لا ذاتيا ولا عبر الشعب.. حان وقت الحلاقة.. ولو في البدء بتقصير الشعر الطويل.. وإزالة الأوساخ وتطهير الشعر من القاذورات التي تيبست فيه!

(4)
بالإضافة إلى عملية تزييف الوعي عن الازدهار والديمقراطية والتنمية والأمن، التي لم تعد الأغلبية الحقيقية تصدقها، فإن هذا الطرف يكرس واقعا فاسداً في مجالات عديدة يتخذها أصحاب المشاريع الصغيرة فرصة للنيل من وحدة الشعب والوطن لاستعادة المجد الزائل والسلطة الضائعة بأي وسيلة كانت.

هذا الواقع الفاسد يتمثل في الفساد السياسي الذي يحتكر السلطة ويؤممها لمصلحة حزب واحد، ثم اختصر ليمثل منطقة واحدة ليتقزم ليمثل مشروعا فرديا لا ينظر إلى أبعد من مصالح ذوي القرابة من الدرجة الأولى.. وهذا النوع من الفساد سوف يشكل في حالة نجاحه في تحقيق هدفه الضربة القاصمة التي ستعطي زخما كبيراً لكل المشاريع الصغيرة: المناطقية والطائفية!

وهناك –أيضاً- الفساد الاقتصادي الذي أرهق العباد، وأغلق أمامهم نافذة الأمل في مستقبل مأمون.. فبعد 14 عاما على بدء الإصلاحات ما تزال البلاد على حافة الخطر، وتتهددها المصائب في مجالات حيوية دون أن تبدو السلطة قادرة على حل مشكلة واحدة منها! لقد تحولت إدارة السلطة للبلاد إلى كارثة لا ينفع لتفاديها مواصلة السياسات القديمة والوجوه القديمة.. واللعب بالمقص في الهواء لإيهام الناس بأن الحلاقة قد بدأت!

(5)
ليس هناك أي غموض أو إشكال في كيف تبدأ الإصلاحات الحقيقية.. وحتى دون الحاجة إلى اتفاق مع المعارضة.

- فلابد أولاً من فصل الدولة عن الحزب الحاكم.. والفرد الحاكم.. والمنطقة الحاكمة.. وهذه لا تحتاج إلى تعديلات دستورية وصدور قوانين!

ولابد –ثانيا- من إصلاح الممارسة السياسية بدءا بالانتخابات لتكون قادرة على التعبير الصحيح عن إرادة الشعب، وقادرة على منح الشعب الأمل في أن الديمقراطية السليمة هي الطريق السلمي الممكن للتغيير ومكافحة السلبيات.

ولابد –ثالثاً- من استعادة حقوق الشعب المنهوبة والضائعة في بطون الفاسدين ليستعيد المواطنون ثقتهم بالدولة وحكم القانون.

ولابد –رابعاً- من تجسيد دولة النظام والقانون التي يتساوى في ظلها جميع المواطنين في التمتع بحقوقهم الدستورية والقانونية

حلاقة سهلة لو صحت نيات.. الحلاقين!

(6)
هذا هو الخيار اليمني الذي يجب التركيز والعمل على تجميع كل الجهود باتجاه تحقيقه من قبل المعارضة إذا تقاعست السلطة عن القيام به.. أما غيره من المشاريع الصغيرة فهي لن تفيد إلا في تقسيم اليمنيين حولها، وتقوي من موقف السلطة التي يسعدها أن يكون الخيار المطروح هو الاختيار بينها وبين الانفصال أو الطائفية!

زر الذهاب إلى الأعلى