[esi views ttl="1"]
دراسات وبحوث

دراسة هامة عن موقف إخوان اليمن من الحراك الأخير في محافظات الجنوب

في البدء كانت الوحدة
مما لاشك فيه أن خطوات قيام الوحدة اليمنية كانت مفاجئة لكل التيارات والأحزاب والتنظيمات والجماعات، وإن توقيع اتفاقية الوحدة في 30 من نوفمبر 1989م، ثم بصورة غير متوقعة وكيفية غير معروفة، والإخوان المسلمون مثل غيرهم من الجماعات والتيارات كانوا في شك من قيام الوحدة،فهذه ليست المرة الأولى التي يتم التوقيع فيها على اتفاقية للوحدة . ولكن الأمور جرت بسرعة مذهلة، وتطورت وخطوات عملية، مما دفع بالإخوان المسلمين للتعامل الجاد مع الحدث الهائل والعمل الكبير والتحول التاريخي في حياة الشعب اليمني.

ونظرا للموقف المبدئي والعقدي والفكري الذي يحمله الإخوان المسلمون تجاه الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في الشطر الجنوبي من الوطن، والشريك في العمل على إعادة تحقيق الوحدة، فقد شعر الإخوان بالقلق والارتباك بعد أن تيقنوا وتأكدوا بأن الوحدة قادمة بلا ريب، وأنهم أمام متغيرات هائلة بالنسبة لهم كحركة إسلامية، ومكاسبها وجودها أصبح أمام تهديد واضح ناتج عن الدستور الجديد من ناحية وعن مجئ الحزب الاشتراكي إلى السلطة الجديدة من ناحية أخرى، إذ كانت الحركة تعتبر أن الدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية كان أهم مكاسبها بنصوصه الإسلامية المتميزة التي جعلت الشريعة الإسلامية مصدر جميع القوانين (1) مع ان الدستور الدائم كان ينص في المادة 37 على ان الحزبية بجميع اشكالها محظورة .

نريد الوحدة ولا نفرط بالاسلام

والحق أن الإخوان كانوا أمام امتحان صعب وعسير وتجربة متميزة واختيارات مرة، فمن ناحية فأنهم يرون أن الوحدة من حيث هي لأمر يفرضه الإسلام .. وأنها ضرورة ملحة ومطلبا شرعيا وجماهيريا وشعبيا، في الوقت ذاته فان الدستور التي ستقوم الوحدة على أساسة مرفوض من قبل الإخوان المسلمين الذين كانوا يرون فيه مخالفة للشريعة الإسلامية بل وفية كفر وردة وشرك وخاصة فيما يتعلق بالمادة الثالثة، وفي هذا الإطار حشد الإخوان المسلمين كل طاقاتهم وقدراتهم لخوض معركة فكرية وحرب إعلامية ومواجهة سياسة رافعين الراية الإسلامية تحت عنوان وشعار ((نريد الوحدة ولا نفرط في الإسلام، نعم للوحدة لا للدستور)) وكانت معركة ساخنة, خاضها الإخوان بكفاءة عالية ومهارات متعددة وجوانب مختلفة، مع المبالغة والشطط * الذي وقعوا فيه وشده وقساوه بعض الأحكام التي أصدروها، حتى أن الإخوان جعلوا قبول الدستور تفريط بالإسلام، وان المعركة بين كفر وإيمان وحق وباطل، بل قالوا في البيان الذي أصدره أكثر من 400 عالم وداعية أن مشروع دستور دولة الوحدة اشتمل على ما يلي:

1) اغفل هوية اليمن العربية الإسلامية .
2) الإشراك بالله في الحكم .
3) إلغاء الدفاع عن الدين والوطن .
4) إلغاء فريضة الزكاة .
5) إلغاء القصاص .
6) الغاء الفوارق الشرعية بين المسلم والكافر والرجل والمرأه .
7) الغاء الدفاع عن الدين والوطن .
8) الغاء شرط الإسلام فيمن يتولى ولاية عامة .
9) الغاء مقومات الاسرة .
10) الغاء الضمانات بحفظ الاموال والدماء والاعراض .

وقالوا آن المادة (33) ترد جميع النصوص القطعية والواردة في الكتاب والسنة .. وتسخر من الحدود والقصاص عندما تصفها بالبشاعة، فهذه تهمة لشرع الله وطعن مباشر في ذات الله عز وجل (2). والمادة(33) كانت تنص على : (( لا يجوز استعمال وسائل بشعة غير إنسانية في تنفيذ العقوبات ولا يجوز سن قوانين تبيح ذلك ))، وقد أخذت هذه المادة لوحدها جدلا واسعا وخلافا شديدا بين الإخوان المسلمين ومعهم غالبيه الإسلاميين في اليمن، في مواجهة الحزب الاشتراكي ومعه كل التيارات الماركسية و اليسارية والعلمانية لقد ذهب الشيخ عبد المجيد الزنداني إلى ان اقرار الدستور على ماهو عليه استسلام للكفر، إلى جانب الاستسلام لمبادئ الحزب الاستراكي المنحرفة
شريط الاستسلام لله لا للحزب الاشتراكي،
نقلا عن كتاب التعديدية السياسية – دراسة وتقويم، الشيخ عب
المجيد الريمي – الطبعة الاولى 1429ه /2008م،

لقد استغلت هذه التيارات اندفاع الإخوان في رفض الدستور والتصدي له بتلك الحدة والشدة, استغلوا ذلك لتصوير القضية وكأن الإخوان ضد الوحدة، وخاصة أن الأطراف الأخرى كانت رافضة رفضا باتا وقاطعا إجراء أي تعديل للدستور، والإخوان في المقابل رافضين رفضا قاطعا وحاسما الربط بين الوحدة والدستور حتى أنهم رفضوا ولم يقبلوا بالرأي الذي دعا إلى تأجيل الاعتراض على الدستور إلى مابعد قيام الوحدة من باب الموازنة بين المصالح والمفاسد وان الشريعة مبنية على تحقيق أكمل المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين، وخاصة أن الحزب الاشتراكي وعبر الآلة الإعلامية التي كان يمتلكها وبمساعدة أنصاره وحلفائه، استطاع أن يقنع العديد من الجهات والأطراف الداخلية والخارجية أن رفض الإخوان للدستور يعتبر رفضا مبطنا للوحدة، لان رفض دستور دولة الوحدة يعني ببساطة عدم قيامها، وذلك يعني أيضا التفريط باللحظة التاريخية الوحيدة التي يمكن فيها انجاز هذا الأمل الوطني والعربي العظيم (3) .

نعم للوحدة لا للدستور

ومع ذلك كله فقد رفض الإخوان تأجيل الاعتراض على الدستور والقبول المرحلي بإقامة الوحدة على أساسه، وأصروا على موقفهم ( نعم للوحدة لا للدستور ), وأكدوا على ذلك مرارا وتكرارا في صحيفة الصحوة وفي البيانات والمنشورات والنشرات والخطب والمحاضرات وغير ذلك من الوسائل.

وكان من اهم الوسائل وأكثرها منهجيه وتوثيقه وتاريخية البيان والرسالة التي وجهت للأخ رئيس الجمهورية على عبد الله صالح, ووقع عليها 420 عالما وداعية, بالاضافه إلى اللقاء التاريخي الذي جمع الأخ رئيس الجمهورية مع عدد منهم, سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو من غيرهم، من الملاحظ ان كل أو غالبية ما يقوم به الإخوان خلال هذه الفترة وما بعدها يتم تحت مظلة العلماء في أطار المرجعية الشرعية والمنهجية العقدية، وحتى اللقاء مع رئيس الجمهورية كان يتم التعامل معه وفق الرؤية الشرعية باعتباره ولي الأمر ومن الواجب تقديم النصيحة له.

وفي هذا اللقاء التاريخي قال القاضي يحيي لطف الفسيل – رحمه الله -:كلمته المشهورة (والله إن رئيسنا أحق أن يطاع وينظر إلى كلامه ويصدق في كلامه ولكن ديننا دين الإسلام ينبغي لنا أن لا نصانع فيه احد، ينبغي أن نحاول جميعا رضاء الله ولو كان فيه سخط من سخط، ..الرئيس قال:( إن الوحدة إسلامية وهي في الواقع مطلبنا ومطلب كل مؤمن .. لكنها والله ليست على كتاب الله واشهد لله أن هذه الوحدة التي وقعت وأعلنوا بها والدستور الذي مضوا علية ليست من كتاب الله هذه شهادتي وهذا ما أقول ولو صانعت احد صانعت رئيسنا، ولكن والله ما نبدأ إلا على الإسلام، وإلا فالقبر أحب لنا والسلام عليكم )(4) .

لقد جاء هذا الموقف الذي يعبر عن الاتجاه العام والسواد الأعظم للإخوان المسلمين، تأكيدا لموقفهم السابق وتمسكهم به، حتى مع طرح الرئيس الذي بذل محاولة لإقناعهم، حيث استهل الرئيس كلامه للعلماء مرحبا وقائلا : ((نسمع منكم وتسمعوا من القيادة السياسية حول أهم الخطوات الوحدوية بين الشطرين وان الوحدة هدف استراتيجي للثورة وفيها عزة وكرامه لليمن وأنا أريد أن افتح الحوار وان يطلع أمامي ويقول هذه الثغرات في الدستور وان هذا يتنافى مع الكتاب والسنة .. واري ان افهم من أين هذه التوجهات حول الثغرات التي يريد أن يسوقها إلى دستور دولة الوحدة))، الذي يعتمد على الكتاب والسنة، والشمال دائم تقام الدولة على الشريعة الإسلامية،نحن قائمون على هذا الأساس ولا حكم إلا بشريعة الله وبكتاب الله وسنه رسوله، وأنا اعد الإخوة أصحاب الفضيلة العلماء أن وحدة اليمن لن تكون إلا على الكتاب والسنة ولا غيرها.

ولنفرض جدلا من أن نظام الجنوب ماركسيا، ألان انهارت منظومة وارسو بحالها، وألان قد (عيسلموا) الشيوعيين بحالهم، يعني غورباتشوف قد (عيسلم)، وإحنا ما قد (رضيناش) نقبل أصحابنا في جنوب الوطن .. الأمور تغيرت والناس بدأت تعقل وتعتدل، هل من المستحب نجرهم ألينا أم نتركهم .. على العالم والمرشد والخطيب أن يحبب في قلوب الناس التوبة والوحدة والإسلام فنحن نجر هذه العناصر المتطرفة إلى الساحة الوطنية الإسلامية واختتم رئيس الجمهورية كلامه قائلا : (( أنا أحب أن اسمع من أصحاب الفضيلة العلماء النصح والمشورة، وان يرشدوا إذا وجد أي ملاحظة فنرحب بالرأي الأخر))، بعدها فتح المجال للحديث والكلام، حيث تحدث عدد من العلماء بين مقل ومكثر وإيجاز وإطناب والحديث لا يخرج عنجوهر القضية, وعدم التنازل حتى عن نقطة .. لا نرضى أن نتنازل عن مثقال ذرة من ديننا والموت على الإسلام خير من الحياة على الردة، حسب ما ذهب إلية الشيخ هلال الكبودي،وهو يوافق كلام القاضي يحيي لطف الفسيل، ثم قدم بعض القانونيين رؤية قانونية تؤكد على عدم مخالفة الدستور للشريعة الإسلامية بصورة إجمالية.

بعد هذا اللقاء التاريخي وفي ظل ما تشهده الساحة من مستجدات ومتغيرات وخطوات في اتجاه الوحدة، كان على الإخوان المسلمون العمل في عدة محاور :الاستمرار في رفض الدستور .التأكيد على وجوب الوحدة .

1. وأنهم معها ومع قيامها ولكن على أساس أسلامي .
2. وفي نفس الوقت بذل الجهود الإعلامية لنفي تهمة معارضة الوحدة، ورد الشائعات المختلفة التي نشرها الحزب الاشتراكي، سواء معادة الوحدة أو الإرهاب والقوى الظلامية والرجعية، واتهام الإخوان والإسلاميين عموما بالتكفير والجهل بالدين والسطحية وزرع الفتن والتحريض على القتال وحمل السلاح، ومعاداة الديمقراطية والتعددية والمدنية والعصر، وأنهم يدعون لإقامة دولة دينية (ثيتوقراطية) وغير من التهم والشائعات التي أجاد اليساريون والعلمانيون بثها ونشرها والتسويق لها .

وفي هذا الجو المشحون بالتوتر والعداء والاستعداء، والمواجهة والمفاصلة، اتفقت القيادتان السياسيتان على إحالة مشروع الدستور إلى مجلسي الشورى والشعب في الشطرين، للتصويت علية بصورة إجمالية حيث عقد المجلسان يوم 21/5/1990م جلسة في صنعاء وعدن في وقت واحد وتم التصويت على الدستور واتفاقية الوحدة في صنعاء انسحب أعضاء كتلة الإخوان المسلمين في مجلس الشورى من الجلسة رفضا للدستور، مما اعتبره الآخرون موقفا سلبيا ضد الوحدة، والحق أن الإخوان كانوا مع الوحدة قلبا وقالبا وهذه شهادة لله ثم للتاريخ بأنهم لم يكونوا في يوم من الأيام ضد الوحدة وإنما كانوا معها ومن الداعيين لها، ولكنهم ضد الدستور الذي كانوا يرون فيه مخالفة للشريعة الإسلامية وانه دستور علماني ... ومع كل ما قام به الإخوان من معارضة شديدة للدستور إلا أنهم وضعوا لانفسهم ومعارضتهم سقفا لا يتجاوز الوسائل السلمية بمختلف أنواعها، ورفض أي أعمال عنف آو استخدام القوة والسلاح في الرفض والمعارضة، لأجل ذلك فقد قابل الإخوان قيام الوحدة في 22مايو 90م بالترحاب وأرسلوا وفدا قياديا الىمدينة عدن للمشاركة في احتفالات إعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية.

التعددية الحزبية

وكان من الملاحظات على دستور دوله الوحدة والتي وردت في بيان العلماء أن المادة 39 تجيز التعدديه السياسيه وهذا امر لا غيار عليه إذا كان وفق عقيده الشعب وشريعة الاسلاميه، فيلزم ان تكون الماده مقيده بالضواط الشرعيه.

وفي بيان علماء تعز جاء ما يلي: الماده رقم 39 إحتوت على إباحة التعدديه الحزبيه، وإيجاد التنظيمات السياسية، بينما في الدستور الدائم في الماده 37 منه نصت على ان الحزبيه بجميع اشكالها محضوره، ونقترح ان تعيد هذه الماده بالأتي : وكل ذالك في حدود الشريعه الاسلاميه!!

وفي المنشور الذي تم توزيعه قبل لقاء الرائيس بالعلماء في شهر فبراير 90م، تم الربط بين الماده 39 التى تجيز التعدديه، وبين المادة 27 التى قرر المساواة بين اليمنيين وعدم التمييز على اساس اللون والجنس والعقيده .... وبالتالي حسب رؤيه الاخوان في ذالك الوقت فإن هذه الماده تفتح الباب لأقامة احزاب مرتدة، وهكذا ضمنت مشروع الدستور حريه الرده وحريه إقامه احزاب مرتده وحريه فتنه المسلمين عن دينهم وكان الأخوان حتى ذالك الوقت يرون أن التعدديه الحزبيه تعدد في المناهج لا البرامج، وان تعدد المناهج يعني تعدد الايدلوجية والعقائد، ومن هذه العقائد والايدلوجات الاشتراكيه العلمانيه والماركسيه.

وكان الاخوان وفور أعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية، قد دخلو في نقاشات داخليه مكثقه وموسعه حول الموقف في التعدديه الحزبيه والمشاركه السياسية، وكان أمامهم عدة خيارات ومن أهمها:

1 رفض التعدديه والاستمرارية كجماعة دعوية سرية.

2 الاندماج مع المؤتمر الشعبي العام والعمل من ضلاله وتحت مضلته.

3 تحول الجماعة إلى حزب سياسي بأسم حزب الاخوان المسلمين وقد كان اول ظهور علني واول مشاركه سياسه بأسم الاخوان المسلمين.

4 وبعد أخذ ورد كان الرأي الغالب والاتجاه والسائد داخل المسلمين تشكيل كيان جديد وتجمع كبير، بأسم التجمع اليمني للاصلاح ليكون امتداد حيا لحركه الاصلاح اليمنيه الحديث.

وجاء الاعلان عن قيام الاصلاح في 13 من شهر سبتمبر 1990م بأعتباره أطار يضم كل من ينشدون أصلاح الواقع وتغيره إلى الافضل على هدي من عقيدة الاسلام وشريعته، حسب ماورد قي برنامج عمله السياسي ونضامه الاساسي الذي اكد على ان جوهر عمل الاصلاح واساسه الدعوه إلى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اطرها الشرعيه.

من العمل الإسلامي إلى الحزب السياسي

و الغريب إن الإخوان مع استمرار رفضهم للدستور إلا إنهم باشروا العمل علي تأسيس حزب سياسي يستمد شرعيته وقانونيته من الدستور واتفاقية الوحدة، ولم يجدو أي تناقض بين رفض الدستور بتلك الصورة والإعلان عن قيام التجمع اليمني للإصلاح في 13سبتمبر 90م ودخلوا بذلك في إطار منظومة الشراكة السياسية والحزبية مع الحزب الاشتراكي وبقية الأحزاب والتنظيمات السياسية التي أعلنت عن نفسها، وبلغت 46 حزبا مع نهاية عام 1992م،ولم تتوفر في اغلبها الشروط القانونية التي ينص عليها قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية (3).

وفي هذه المرحلة دخل أخوان اليمن – التجمع اليمني للإصلاح – الجزء الثاني والمرحلة الجديدة في مسلسل معارضة الدستور والتي كان عنوانها المطالبة بتعديله قبل الاستفتاء علية، وخاض الإصلاح معركة مشابهة لما قبل قيام الوحدة، ولكنه هذه المره في إطار تنظيم حزبي كبير وتيار سياسي واسع وتحالفاته عديدة، استطاع من خلالها الاصلاح إخراج المسيرة المليونية وتنظيم الفعاليات الكبيرة واستخدام مختلف الوسائل السلمية والحضارية، ومن ذلك انتزاع بيان من مجلس الرئاسة يتضمن مطالبه, ولكن الذي حدث إن البيان لم يكن له أي أهمية من الناحية القانونية والدستورية، وعندما طرح الدستور للاستفتاء علية في مايو 91م أعلن الإصلاح مقاطعة الاستفتاء وعدم المشاركة, باعتبار المشاركة في الاستفتاء والتصويت بلا حسب رؤية - الإصلاح – تعطي شرعية للاستفتاء., وبعد إن أصبح الدستور شرعيا من كافة الجوانب سلم الاصلاحيون بالأمر الواقع وجعلوا لمعارضتهم خطوط حمراء لاينبغي تجاوزها، وسقف النضال السلمي والعمل الإعلامي والجهد السياسي، حيث أصبح حزب المعارضة الرئيسي الذي بأمكانة خلط الأوراق وإرباك الكثير من المعادلات.

ومع دخوله معارك آخري ومواجهات كبري ظلت قضية الدستور وتعديله في سلم أولويات الإصلاح واهم وابرز مطالبة واهدافة، لهذا السبب شارك في الانتخابات البرلمانية الأولي في 27ابريل 1993م، وحصل علي المرتبة الثانية بعد المؤتمر الشعبي العام وقبل الحزب الاشتراكي, وبالتالىالمشاركة في حكومة الائتلاف الثلاثي معها، وكل هذا المشاركة في الانتخابات والحكومة في ظل الدستور العلماني الذي كان القيام بتعديله أهم بنود وأعمال الإصلاح مع شريكيه في السلطة (المؤتمر والاشتراكي).

وقد كان من المثير والذي يدعو للاستغراب والتأمل في انتخابات 93م إن الحزب الاشتراكي حصد غالبية مقاعد ودوائر المحافظات الجنوبية، حيث حصل على 42مقعد من أصل 56مقعد مجموع المقاعد في هذه المحافظات بينما لم يحصل في المحافظات الشمالية إلا على 15 دائرة من أصل 244 دائرة مجموع الدوائر في المحافظات الشمالية بينما حصل المؤتمر الشعبي في المحافظات الجنوبية على 3 مقاعد برلمانية فقط، وبقية مقاعده في الشمالية والغربية، وأما التجمع اليمني للإصلاح فأنة لم يحصل على أي مقعد في المحافظات الجنوبية والشرقية، مما يؤكد علي إن الحزب الاشتراكي كان الىهذا الوقت مسيطرا بصورة كاملة علي هذه المحافظات ومهيمنا عليها بقبضة أمنية وبوليسية . فقد مارس الحزب كافة الوسائل المشروعة والغير مشروعة للاستيلاء على كل المقاعد النيابية في تلك المحافظات، فلم تكن النتائج مستغربة، عندما ذهبت غالبية المقاعد للاشتراكي (8).

ومن الغرائب أن الرئيس علي عبد الله صالح وعلى سالم البيض وقعا بعد الانتخابات بأسبوعين اتفاق الاندماج بين المؤتمر والاشتراكي، والقيام بتعديلات دستورية، ثم أن الاشتراكي لعب لعبته لنسف هذا الاتفاق والتخلص من التزاماته، فيما يتعلق بالدمج بين الحزبين، بينما استمر وتابع الاشتراكي الاتفاق حول التعديلات الدستورية والتي كان يريد منها وضع نصوص تهدف إلى إعطاء الحكم طابعا فيدراليا من خلال إنشاء صيغه للحكم المحلي واسع الصلاحيات تعطى الإمكانية لتحرر المحافظات الجنوبية والشرقية من مركزية القرار في صنعاء (9)!!.

إلا إن أعراض الأزمة السياسية بدأت سريعا في التوسع والتشوه والتأثير في جميع مناحي الحياة وصل الجهاز الإداري للدولة إلى مرحلة الشلل الكامل وهو ماعزز الاعتقاد الراسخ بان قرار والانفصال قد اتخذ فعلا في وقت مبكر (4) .

وحسب ما يقول جار الله عمر فقد تدخل في أزمة 1993/1994م العامل الشخصي بالاجتماعي بالسياسي بالماضوي بالمستقبلي بالبرامجي، وان الحرب جاءت ثمرة لذلك كله، وكانت عبارة عن انقلاب اجتماعي وتعميم الذي كان قائما في الشمال في كل إنحاء الدولة الجديدة، ومن الغريب أن جار الله عمر يذهب إلى أن الأزمة السياسية التي اندلعت بعد انتخابات 1993م والخلافات التي حصلت لم تكن حول الانتخابات ولكنها تجلت حول التعديلات الدستورية والمستقبل وعلى طبيعة الدور الذي ستلعبه القوى السياسية في إطار الدولة الجديدة (5).

الاصلاح وقرار الحرب والانفصال

لقد أعادت ألازمه الخانقة التي بدأت في أغسطس 1993م التحالفات لسياسية والحزبية والاصطفاف في طرفين الأول مع المؤتمر والأخر مع الاشتراكي، ومع تطور ألازمه وبروز الخيار العسكري والانفصالىلدى قادة الحزب الاشتراكي والأحزاب المتحالفة معه، لم يكن لدى الإصلاح خيارات كثيرة وبدائل متعددة، وإنما كان خيارا واحدا الاصطفاف والتحالف مع المؤتمر الشعبي العام والرئيس على عبد الله صالح، باعتباره الطرف الوحدوي والشرعي.

ومن الواضح أن الإصلاح كان قد قرر المشاركة المباشرة في الدفاع عن الوحدة في حال اندلعت الحرب والمواجهة العسكرية، وهذا ما كان حيث دفع التجمع اليمني للإصلاح بالمئات بل والآلاف من أعضائه وأنصاره والانخراط في صفوف قوات المتطوعين جنبا إلى جنب مع الجيش وقوات الشرعية، ولم يجد الإصلاحيون أي غضاضه أو حرج أو مانع شرعي أو وطني في حمل السلاح والقتال تحت قيادة الرئيس على عبد الله صالح وفي مواجهة قوى الانفصال، وكان الإصلاح التنظيم السياسي والحزب الوحيد الذي لم يكتفي بالمساهمة والمشاركة السياسية والإعلامية والتوعويه، وإنما تجاوز ذلك إلى بذل النفوس والأرواح والدم في ملحمة وطنية, شارك فيها الجهاديون والسلفيون والمستقلون وغيرهم من أصحاب الاتجاه الديني، بالإضافة لأصحاب على ناصر محمد والطرف المهزوم في حرب وكارثة 13 يناير 1986م، فقد وجد الجميع في حرب 1994م فرصة من الانتقام من الحزب الاشتراكي الذي مارس الإلغاء والإقصاء والاغتيال والتصفيه ضد الأخر والمخالف، سواء كان هذا الأخر مخالف للحزب فكريا أو أيدلوجيا أو كان جزءا من الحزب والنظام الحاكم في الشطر الجنوبي من الوطن.

وبالنسبة للإصلاح فقد كان من أسباب المشاركة في الحرب بالإضافة للقضاء على خصمه الأيدلوجي وعدوة الاستراتيجي والدفاع عن الوحدة, فأن الحزب الشتراكي كان يهدف لحماية اعضائة وكوادره في المحافظات الجنوبية والشرقية، باعتبارهم انهم مستهدفون بالإلغاء والتصفية فيما لو وحدث الانفصال، وانفرد الاشتراكي بحكم هذه المحافظات مرة أخرى .

والحقيقة أن الحزب الاشتراكي كما يقول زيد الشامي : كان إمامه فرصه مواتيه لتحقيق قفزات كبيره على امتداد الساحة اليمنيه, وإعلان المصالحه الشامله مع معتقدات الشعب وعاداته وتقاليده، الا ان الحزب أضاع تلك الفرصه وظل مشدودا لتجربته السابقه ولم يتمكن من تجاوزها، ولقد أصبح الحزب بعد الوحدة شريكا في السلطه وتقاسم مع المؤتمر كل مفاصل الدولة المدنيه والعسكريه، ولكنه أسهم في اتساع دائرة الفساد المالىوالإداري من خلال الوظيفه العامه لمصلحته الحزبيه، ويضيف القيادي في التجمع اليمني للإصلاح زيد الشامي قائلا: وقد ادى ذلك إلى انتفاخ وتضخم الجهاز الإداري وتحولت ميزانيه الدولة إلى مرتبات، وبعد اعلان نتائج انتخابات 93م إحتل الحزب المركز الثاني لاعتبارات غير ديمقراطية وبعد أشهر قليله اعلن تبرمة من الديمقراطيه و الاستقواء بالكثره العدديه، فكانت الازمة السياسية التى انتهت بالحرب والانفصال .

ويؤكد الاستاذ / زيد الشامي على ان الحزب الاشتراكي في حواره مع الاخرين حول القضايا الوطنية كان لا يتم التوصل إلى أي اتفاق، مالم يكن ذلك يمثل رأيه .. وغالبا ما يجر الحوار إلى حوار أخر وهكذا دواليك، ولقد سبب ذلك الاسلوب توتير الاجواء السياسيه واوجد قدرا كبيرا من عدم الثقة أو التعاون، والاهم من كل ذلك تعامل الاشتراكي مع مسائل الشريعه الاسلاميه بالحذر والعداء، فاثناء الاستفتاء على الدستور اظهر الحزب تصلبا شديدا غير مبرر من جعل الشريعة الاسلاميه مصدر جميع التشريعات (6)

الوحدة في برنامج العمل السياسي للاصلاح

وعلى مستوى الوثائق والادبيات فان برنامج العمل السياسي للتجمع اليمني للاصلاح حعل الوحدة اليمنيه من الاسس والمنطلقات باعتبارها نعمه منّ الله بها على شعبنا، وهو مايفرض علينا صون هذا المكسب التاريخي والحضاري يترسخ دعائم الوحدة وقطع الطريق امام كل الذين يحاولون العبث بها أو المراهنة عليها ذلك من خلال الاتي:

1- سرعة العمل على ازالة اثار التشطير ومظاهر التشطير من القوانين والاجهزه والممارسات وفي المناهج وفي نطاق التنظيمات والجمعيات والاتحادات وكل الفعاليات والتجمعات الاجتماعيه والثقافيه والشبابيه على نطاق الوطن الواحد، ومعالجة التشوهات الثقافيه والاجتماعيه التي خلفتها عهود التشطير .

2- استخدام كل الوسائط الاعلاميه والثقافيه والتعليميه لتأصيل وتوثيق معاني الوحدة وتوجيه برامج التنمية لتثبيت دعائمها .

3- تعزيز الوحدة الوطنيه كخيار وحيد لتحقيق الامن و الاستقرار وبناء اليمن القوى الذي تنسجم فيه جميع الفئات وتتلاحم في بناء متراص، ويقوم على ثوابت الدين واللغه والتاريخ ويصعب على الاعداء اختراقه، وبذلك تعزيز مفاهيم العدل والمساواه وتحقيق التوازن المجتمعي فتصان وحدة التراب والانسان (11) .

تعديل الدستور واثار حرب 94م

عقب توقف الحرب وتشكيل حكومه ائتلاف ثنائي بين المؤتمر والاصلاح جرت التعديلات الدستوريه التى طالما سعى اليها الاصلاح وعمل من اجلها طوال السنوات الاربع الماضيه، هاهي المادة الثالثه من الدستور تتغير و تصبح الشريعة الاسلاميه مصدر جميع التشريعات بالاضافه إلى تعديل 52 مادة، واضافة 29 مادة جديدة، وكانت التعديلات متماشية ومنسجمة مع رؤيه الاصلاح ومنهجية الاخوان المسلمين في القضايا الكبرى والمسائل التشريعيه، في المقابل قام المؤتمر بتعديل المواد التى يراها تتناسب معه كحزب حاكم، حيث تم الغاء شكل مجلس الرئاسة واستبداله برئيس الجمهورية.

وبعد ثلاثة اشهر من توقف الحرب عقد الاصلاح مؤتمره العام الاولى في 20 ستمبر 94 م في فعاليه كبرى وخطوه هامه ونوعيه لحزب اسلامي يخرج للعلن وينتخب قيادته ومؤسساتة التنظيمية، ويضع وثائقة وادبياته على بساط النقاش العلني وامام الرأى العام والاعلام، وفي هذا المؤتمر وعبر بيانه الختامي دعا الاصلاح لمعالجة اثار الحرب وازالة مخلفاتها، وتعمير المناطق المتضررة، كما دعا لاعطاء المحافظات الجنوبية و الشرقية الاولويه في المشاريع والخدمات لتحسين اوضاعها (10) .

وكانت هذه اشارات عابرة وتوصيات عامه، باعتبار ان أي حرب لها اثار سلبيه ينبغي معالجتها ومخلفات لابد من ازالتها، وباعتقادي ان الاصلاح مثل غيره لم يكن يعرف ولايتوقع ان يكون لحرب 94 م التى شارك فيها اثار تؤدي إلى ما يحدث هذه الايام في المحافظات الجنوبية والشرقية، لاجل فقد رفض الاصلاح الدعوات التى ظهرت بعد الحرب بفتره والتى تدعو لازله اثار الحرب واصلاح مسار الوحدة، ورفض سلطة 7/7 حسب ما عبر عنه تيار اصلاح مسار الوحده بقيادة محمد حيدرة مسدوس وحسن باعوم، هذا التيار الذي كان جزءا من الاشتراكي شكل الاساس والنواه لفعاليات الحراك ودعوات الانفصال والنزعات المناطقية .

عودة التجاذبات وبداية التحالفات

مع عودة الحزب الاشتراكي للحياة السياسية اواخر عام 1995م كانت العلاقة بين الاصلاح و المؤتمر سيئة ومضطربة مع انهما يشكلان ائتلاف حكومي ثنائي وبخصوص ما يتعلق بالقضية التي نحن بصدد الحديث حولها و تناولها فقد كان موقف الاصلاح من الوحدة واضح لا غموض فيه ولاشك، وخاصة بعد المشاركة الواسعة في دحر الانفصال و الانتصار للوحدة واما قضية الحديث عن مشكلة في المحافظات الجنوبية أو إن هناك انعكاسات اجتماعية ومعيشية وسياسية وحقوقية فلم يكن شيء من ذلك وارد عند الاصلاح أو بقية احزاب المعارضة بما في ذلك الحزب الاشتراكي، الذي عاد للحياة السياسية وبدأ سنة 1996م بفتح الحوارات مع الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام وبقية الاحزاب الاخرى واستطاع إن يجمع حلفائه من الاحزاب القومية و الطائفية في اطار مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة الذي يضم الحزب الاشتراكي و الناصري الوحدوي والحق واتخاذ القوى الشعبية و البعث القومي.

قاد الاشتراكي هذا المجلس في اتجاه الحوار و التحالف مع التجمع اليمني للإصلاح و نتيجة للتوتر الحاد والعلاقة السيئه مع المؤتمر فقد اتخذ الاصلاح خطوه لم تكن متوقعه تمثلت في الالتقاء مع احزاب مجلس التنسيق وتوج ذلك الالتقاء بالبيان الصادر باسم الاصلاح و احزاب تنسيق المعارضة في 27/8/1996م، و المواقف و البيانات التي تلت ذلك .

وفي هذا الاتفاق الذي دشن اللقاء المشترك اكدت احزاب مجلس تنسيق المعارضة و الاصلاح على ضرورة التوجه نحو العمل على تجاوز حالة التوترات السياسيه و الاجتماعيه واحلال الحوار والتعايش بين القوى المختلفه "، من اجل ايقاف التدهور في الاوضاع العامه للبلاد ووضع حد لخطر (الانهيار) الذي يتهددها .! كان هذا حديث المشترك في 28/8/1996م تفاقم الازمات الاقتصاديه وارتفاع معدلات البطاله و تنامي الفساد و تفشي مظاهر الفوضى و الانفلات الامني وشيوع الصراعات و تراجع هيبة السلطة علاوة على التصدعات التي تعاني منها الوحدة الوطنية للبلاد وتهديد نسيجها الاجتماعي و الانتهاكات الخطيرة التي تطال حقوق وأسس الممارسات الديمقراطية، مما أثار القلق الشديد لدى ( احزاب المعارضة وتجمع الاصلاح ) التي خلص الحوار بينها في مرحلته الأولى إلى إقرار البرنامج التنفيذي لضمان حرية ونزاهة الانتخابات وهي اذ تقدم هذا البرنامج عاقدة العزم على بذل قصارى الجهود لتحقيقه !!

و ا لغريب انه وبعد هذه المقدمة الساخنة والعبارات الملتهبة انحصر برنامج العمل التنفيذي لهذه الأحزاب في غالب بنوده و اتجاهاته و تطبيقه في مطالب سياسيه وانتخابية وحزبية، حيث كانت الاستعدادات للانتخابات البرلمانيه الثانيه ابريل 97م علي اشدها وفي قمة السخونة والتوتر، وكانت احزاب مجلس التنسيق تريد من الاصلاح إن يتبنى معها المطالب الخاصه بها والتي كانت مطروحه من قبل في بياناتها ومذكراتها،، ومنها صرف المستحقات والدعم المالىالمقدم من الحكومة للاحزاب والمقصود بصفه خاصة الحزب الاشتراكي والوحدوي الناصري وحزب الحق .

والمطلب الثاني اعطاء تصريح من لجنة شئون الاحزاب لبقية احزاب مجلس التنسيق التي كانت تمارس نشاطها حتى ذلك الوقت بدون تصريح رسمي وشكل قانوني، وينطبق ذلك بصفه خاصه على اتحاد القوي الشعبيه والبعث القومي الذي يتزعمة قاسم سلام، باالاضافه إلى ذلك فقد كانت احزاب مجلس التنسيق تتبني المطالب ذات الطابع الخاص بالحزب الاشتراكي والمتصله بما يمكن تسميته معالجة بعض الاثار والنتائج التي ترتبت على فتنة الحرب ومحاولة الانفصال في صيف 1994م وكانت تلك المطالب تشمل ما يلي :

1- إعادة مقرات الحزب الاشتراكي التي فقدها بعد الحرب و إعادتها الىقيادة الحزب الاشتراكي

2- تصحيح الأوضاع الوظيفية لكوادر الحزب الاشتراكي, وبتعبير آخر اعادة الكوادر العسكريه والمدنيه والمجمدة إلى اعمالها .

3- استكمال تطبيق قرارالعفوالعام وتمكين النازحين في الخارج من كوادرالحزب من العوده إلى الوطن .

4- اعادة الاملاك الشخصيه والخاصه بقيادات الحزب الاشتركي التي هي بيدالغيرمنذ7/7/1994م .
5- توفير مناخ يتيح للحزب الاشتراكي الفوز بدوائر انتخابيه من خلال التنسيق مالم فستكون مشاركته في الانتخابات ابريل 97 م في ظل الاوضاع الراهنه يعني دق المسمار الاخير في نعشه !! .

ومع كل ما قام به الاصلاح والمؤتمر وبقية الاحزاب الوحدويه والوطنية فقد استطاع التيار المتطرف والانفص إلى في الحزب الاشتراكي من الضغظ في اتجاه مقاطعه الانتخابات البرلمانية 97م، وبالفعل قاطع الاشتراكي الانتخابات التي جرت في ظل اجواء مشحونه وانعدام ثقة بين المؤتمر والاصلاح بعد الفشل في تطبيق اتفاق المبادئ الموقع بين الحزبين، وحصل الاصلاح على 53 مقعدا نيابيا، بينما حصل المؤتمر على 187 مقعدا، والمستقلون 54 مقعد، وكان الفائزون بصفة مستقلين ينتمي منهم 34 للمؤتمر الشعبي العام، و 11 للتجمع اليمني للاصلاح واثنان للحزب الاشتراكي، حيث اصبحت النتيجه النهائية على النحو الاتي :

المؤتمر 221
الاصلاح 64
الاشتراكي 2 (خالفا قرار الحزب مقاطعه الانتخابات )
الناصري الوحدوي 3
البعث العربي 2
المستقلون
المجموع 7
301

الاصلاح والعودة للمعارضة

( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى )
عقب حصول المؤتمر على الاغلبيه المطلقه قرر الاصلاح العوده إلى المعارضه، التى لم يتركها حتى وهو مشارك في حكومة الائتلاف الثلاثي والثنائي، وقد كان الاصلاح حتى ذلك الوقت تمارس المعارضه برصانه تتناسب مع طبيعة الظروف التى يمر بها اليمن، من خلال المنابر المشروعة ديمقراطيا كالبرلمان والصحافة والنقابات والوسائل الاعلامية المتاحة، ولم ينتقل إلى ماهو ابعد من ذلك ادركا منه ان البلاد لا تتحمل أي اهتزازات شعبية حقيقية مهما كان حجمها، فهو يعرف ان السلطة لن تدفع الثمن وحدها، بل ان الفاتورة سيدفعها الوطن والنظام السياسي والوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي

وبهذا الموقف الصعب والخيار الوطني لم يكسب الاصلاح تقدير السلطة ولم يحظى على ثقة احزاب المعارضة، السلطة تريد دعم الاصلاح لقراراتها، في حين ان احزاب المعارضة تدرك ان مواقفها لن تاخذ مداها المطلوب من دون الاصلاح (15) فقد اخذت المعارضة ممثله بمجلس التنسيق بحملة ضغط وارهاب فكري ومكر سياسي ضد الاصلاح، وكانت اول هذه الخطوات القول بان الاصلاح خرج من السلطه ولم يصل إلى المعارضه !!

والغريب ان احزاب المعارضه وعلى راسها الاشتراكي والناصري نسيت أو تجاهلت انها وقعت مع الاصلاح برنامج تنفيذي للتعاون والتحالف معها، وكان حينها في السلطه أي انه كان قريبا من المعارضه وهو في السلطة، فكيف وبعد خروجه منها لم يصل إلى المعارضة ؟، مما يعني ان المعارضة عند احزاب التنسيق لها مفهوم اخر يختلف عن مفهوم الاصلاح .

ان هذه الاحزاب والاصلاح ذاته، تجاهلوا الاتفاق السابق بينهما وانصرفوا عنه واهملوه، مما يؤكد على انه اتفاق سياسي مؤقت وبرنامج ضيق محدد، يتعلق بالانتخابات والفوز فيها وتحقيق اهداف انيه ومطالب حزبية وجزئية، وشخصية في بعض الاحيان، وغابت الرؤيه الوطنيه الجامعه والنظرة الاستراتيجية الثاقبة، ومن ذلك ما يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية، حتى اعضاء مجلس النواب الاصلاحي الذين يمثلون هذه المحافظات لم نجد أو نسمع لهم حسا ولا خبرا حول مطالب واوضاع هذه المحافظات التى برزت في الاونه الاخيرة وبصورة مفاجئه وباحداث متتالية ومطالب متناقضة، لا نريد المزايده وتحميل السلطة مسؤلية كل ما يحدث، مع ان الجميع في ذلك الوقت لم يتنبهوا لهذه القضية ولم يتحدثوا عن هذه الاوضاع بهذه الصوره والطريقه بل ان ماكان يطرحة محمد حيدرة مسدوس ومعه حسن باعوم واثنان أو ثلاثه اخرون رفعوا شعار اصلاح مسار الوحدة، و الدعوات والمطالب والشعارات الاخرى تصدى لها جميع الاحزاب والتيارات وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للاصلاح .

الاصلاح بين الحزب الحاكم واحزاب المعارضة

شارك الاصلاح في الانتخابات الرئاسية في اطار تحالف سياسي وانتخابي جديد يتكون من : المؤتمر والاصلاح واحزاب المجلس الوطني للمعارضه ومرشحها هو الرئيس / علي عبد الله صالح، بينما قامت احزاب مجلس تنسيق المعارضة بمقاطعه الانتخابات الرئاسيه بل و قامت باستهداف الاصلاح وجعله عرضه لهجمه اعلامية مغرضه، استهدفت هز صورته في اوساط الشعب عبر الحديث عن صفقهه ابرمها الاصلاح مع الرئيس مقابل ترشيحه، وعن تشكيل حكومة جديدة يشارك فيها الاصلاح، وقد تطلب الرد على هذه الحمله بذل جهود كبيرة لتوضيح الحقائق ودحض الشائعات ومعالجة السلبيات، حسب ما ورد في تقرير الهيئه العليا للاصلاح المقدم للمؤتمر العام الثاني – الدورة الثانية نوفمير 2000م، الذي اكد ان الاصلاح ينظر إلى العلاقه مع المؤتمر الشعبي العام باهتمام كبير ونعتبرها علاقه استراتيجيه فرضتها الضرورة الوطنيه، نتيجة لموقع المؤتمر الشعبي العام في الحكم وتأثيره على مجريات الاحداث في البلاد، ووجود الاخ رئيس الجمهوريه على رأس المؤتمر الشعبي العام وما يحظى به من تقدير واحترام عند الجميع (18) .

وهذا يثبت ان العلاقة تبين الاصلاح واحزاب المعارضة في مجلس التنسيق لم تكن على مايرام خلال الفترة من 97م إلى 2000م بل كانت متوترة، والمشكلة ان احزاب المعارضة بالتعاون مع التيار العلماني واليبرالىفي المؤتمر الشعبي الحاكم شغلت نفسها وبذلت جهودها خلال هذه الفترة في اتجاه تفكيك العلاقة بين الاصلاح والمؤتمر احداث خلاف وشرخ في العلاقه المتميزه التي كانت تربط الاصلاح بالأخ رئيس الجمهورية وذلك عبر اخراج الاصلاح من المعارضة الراشده والمتوازنه والمنضبطه بالثوابت والاسس والمنطلقات التى قام على اساسها التجمع اليمني للاصلاح وجره إلى مربع المعارضه النزقة والصاخبه.

وكان منطلق الخطة التى نفذها العلمانيون والاماميون والطائفيون في المؤتمر والمعارضه كان محورها واساسها هو اتهام الاصلاح بالتبعيه للسلطة وبالتالىضروره فك الارتباط معها والالتحاق بالمعارضه واتباعها شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى اذا دخلوا، جحر ضب دخلوه وهذا ليس كلامي أو تحليلي وانما هي الوقائع والحقائق بل هذا ماحذر منه كبار القادة في التجمع اليمني للاصلاح الذين تنبهو في مرحله معينه إلى ذلك و يقول الاستاذ /محمد عبد الله اليدومي – أمين عام الاصلاح في ذلك الوقت :الاصلاح يمارس دور المعارضه العقلانيه الهادئه ولا يرتاح للضجيج ولا يبحث عن اصداء اعلامية (16) .
وفي خضم الحمله الشرسه التى قامت بها احزاب المعارضه اصدرت دائرة الثقافة والاعلام في التجمع اليمني للاصلاح العدد 16 من النشره الاعلاميه ابريل 2000م بعنوان :(التجمع اليمني للاصلاح بين الحزب الحاكم واحزاب المعارضه) وفي هذه الرسالة الاعلاميه يظهر بوضوح ان الاصلاح يرى ان هناك تمايزا بينه وبين بقيه احزاب مجلس التنسيق كاحزاب معارضة،

فالاصلاح لم يكن يستسيغ ان يعتبر نفسه من احزاب المعارضه المعروفه، وانما يضع نفسه وسط بين الحزب الحاكم – واحزاب المعارضه – ويضهر هذا بوضوح وجلا من خلال عنوان هذه الرساله والنشره، حيث ورد فيها تحت عنوان فرعي : "الاصلاح واحزاب المعارضه" مايلي :

اكثر مايشغل بال المعارضه بالنسبه للاصلاح هو العلاقه مع المؤتمر،ومع الاخ رئيس الجمهوريه، وهذا تعبير ليس عن الغيره السياسيه بل عن الحقد والحسد الذي يحملونه للاصلاح .. احزاب المعارضه تريد الاصلاح ان يتقدم المعارضه ويعارض بالكيفيه التي تريدها هي، وتريد ان تقول ان الاصلاح قاصر ولا يعي الدور المعارض الذي يجب ان يلعبه اوانها تريد ان توقع الاصلاح في (حفرة مكرها )!!

وتضيف النشرة قائله : العلمانيون في المؤتمر والاحزاب الاخرى يقفون من الاصلاح موقفا سلبيا بالغ التشدد وربما يتطلعون إلى اليوم الذي يتخلصون فيه من الوجود القوي والمؤثر للاصلاح على الساحه السياسيه وهم يراهنون على افساد العلاقه بيننا وبين المؤتمر الشعبي العام والرئيس على عبد الله صالح،: والمشكله ان الاخرين يحاولون الكسب السياسي على حساب الاصلاح سواء في معارضتهم أو تأييدهم له، ويجب ان ننتبه إلى ان اتهامات كهذه المقصود منها العمل على بث الشك في صفوف وقواعد الاصلاح التي يعتقدون انه يمكن التغرير بمثل هذه الاساليب (الماكره) 17

لقد استمرت المعركه والكيد والمكر حتى انتخابات 2003م

بعدها وقع الاصلاح في (الحفره) ونجحت الخطط الماكره والحقد والحسد الذي تحمله الاحزاب الاخرى،ونحج وتعاون العلمانيون في المؤتمر واحزاب المشترك على جر الاصلاح إلى المعارضه الصاخبه وفك الارتباط واحداث قطيعه مع الرئيس والمؤتمر، والتحالف وربط المصير مع الاحزاب اليساريه والقوميه والاماميه القانونيه منها و المنحلة،!!
وكانت الفتنه والحرب التي أشعلها حسين الحوثي صيف2004م أول قضيه مصيريه ومسألة كبيره يتعامل معها وينظر إليها الإصلاح بعيون المشترك الذي اصدر بيانا توافقيا بين أحزابه والتي من بينها أحزاب وأشخاص حوثيين أكثر من الحوثي، وامامين اكثر من الامام .

الاصلاح والحراك بين السياق الوطني والانفصالى

مما لا شك فيه إن تجاوز الخطوط الحمراء و الضوابط في خطاب المشترك اثتاء وبعد انتخابات 2006م قد شجع بعض الاشخاص و الاتجاهات للخروج والمطالبة بالحقوق المشروعة وغير المشروعة ومن ذلك فعاليات الحراك في المحافظات الجنوبية وكان لعدم حسم الفتنة الحوثية في صعدة و التعامل الخاطئ في مواجهتها اثر في توسيع مطالب الحراك و شجع على الانتقال من المطالب الحقوقية إلى السياسية و الانفصالية ويذهب بعض المراقبين و المحللين إلى إن خسارة المهندس فيصل بن شملان مرشح المشترك لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات اثر في وجدان وعاطفة بعض ابناء المحافظات الجنوبية و خاصة إن الخطاب الاعلامي للمشترك بتلك الحدية والمبالغة جعل بعض الناس يتوقعون فعلا فوز ابن شملان وخاصة في المحافظات الجنوبية و التي حصل فيها على اصوات كبيرة و عالية مقارنة بالمحافظات الشمالية ويرسخ ويؤكد هذا الاتجاه رفض فيصل بن شملان تهنئة الرئيس على فوزه و بعض احزاب المشترك اعتبرت الاعتراف بالنتائج من باب الامر الواقع،

وفي تاريخ 6-8 صفر 1428ه، الموافق 24-26 فبراير2007م، عقد الاصلاح مؤتمره العام الثالث الدوره الاولى وجاء انعقاد هذه المؤتمر مع بدايات ظهور الحراك في المحافظات الجنوبية والشرقية بعد الانتخابات المحلية والسياسية وقد ذكر تقرير الهيئة العليا للاصلاح المقدم لهذا المؤتمر إن المعارضة اعلنت إن النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية و المحلية تفتقر لرصيد حقيقي من التاييد الشعبي وليس لديها ما تستند عليه سوى قوة الامر الواقع الذي يفرضه منطق القوة في وجه الشعب ومصالحه وهو امر واقع يتعامل معه اللقاء المشترك ومعه جماهير الشعب بعيداً عن مفهومات الاذعان و لنوازع الاستسلام السلبية وحرصاً على المصالح العليا،

وقد ذكر التقرير إن محافظة الضالع سجلت اعلى نسبة تصويت لصالح مرشح اللقاء المشترك لرئاسة الجمهورية المهندس فيصل بن شملان حيث بلغت هذه النسبة 49% من الاصوات الصحيحة، كما إن اقل نسبة تصويت حصل عليها مرشح اللقاء المشترك كانت في محافظتي الحديدة وصعدة بلغت 8% من اجمالىالاصوات الصحيحة، وباعتقادي إن هذه النسب التي حصل عليها فيصل بن شملان تثبت إن النزاعات المناطقية و الدعوات الانفصاليه كانت متزامنه مع رفع وتيرة الخطاب الاعلامي و التنافس الانتخابي في الانتخابات الرئاسية و ما نتج عن ذلك من شعور بالاحباط لدى عامة الناس من عدم جدوى التجربة الديمقراطية و التغير السلمي،

وفي بيانه الختامي لم يتحدث الاصلاح في مؤتمر العام الرابع الدورة الاولى عن الحراك في المحافظات الجنوبية الذي كان في بداياته مع إن البيان تحدث عن احداث صعدة، حيث عبر عن عميق الحزن و الاسى لتجدد المواجهات المسلحة بمحافظة صعدة، وما نتج عنها من قتل وازهاق للارواح المواطنين عسكريين ومدنيين وعبر عن رفضه لاستخدام القوة و العنف في العمل السياسي فان رفض اشهار المواطنين السلاح في وجه سلطات الدولة تحت أي ذريعة أو مبرر باعتبار النضال السلمي الطريق الوحيد لتحقيق الاهداف السياسيه.

تكملة نص هذه الدراسة في التعليقات على هذا الموضوع.. يمكن نسخها إلى الورد ليتم طباعتها كلمة..

• عبد الفتاح البتول
• كاتب وباحث يمني
• عضو التجمع اليمني للإصلاح
• هذا البحث قدم كورقة عمل لندوة عن موقف التيارات الدينية من أزمة الجنوب نظمها مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث
• خاص بموقع نشوان نيوز - يرجى الإشارة إلى المصدر حال النقل والاقتباس

زر الذهاب إلى الأعلى