[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

ما أخذ بالبسط لا يعود إلا به

في مقالها الأخير بصحيفة المصدر، ذكرت الكاتبة نجلاء العمري (أن أحد المفسدين يرفض إعادة أرض بسط عليها قائلا: حصلت عليها بجهدي) ذكرت ذلك على سبيل الاستغراب والدهشة، ولا أرى ما يدعو لذلك أبدًا..

فالسلطة برمتها ناتج عملية بسط، وبجهد شخصي وعرق جبين، ولأنها كذلك فقد ظلت قيد (البسط) حتى يومنا هذا، والعجيب أن يحلم البعض بإمكانية انتقالها إلى آخرين من خارج الأسرة عبر آلية (التداول السلمي للسلطة) متناسين أن ما أُخذ بالبسط لا يُعاد إلا بالبسط، ومن غامر بحياته لأجل الوصول سيغامر بها لأجل البقاء..

الباسط على الأرض بالجهد لا يختلف عن الباسط على السلطة بالجهد، واللاجئ إلى القانون لاستعادة الأرض لا يختلف عن الساعي إلى لسلطة عبر وسيلة سلمية، فلا قانون يضمن العودة ولا ديمقراطية تضمن الوصول.. ومثلما يستسلم المواطن للقوة ويسلم أرضه أو يتنازل عنها لفاسد، تستسلم المعارضة لذات القوة فتسلم بنتائج انتخابات تدرك أنها قد زورت سلفًا، بل إن المشاركة تعتبر نوعا من الاستسلام..

بالمناسبة.. التزوير ليس عملية استبدال صناديق بأخرى أو شراء أصوات الناخبين أو إشراك جهات يحرم القانون مشاركتها كالمؤسسة العسكرية، أو استخدام المال العام وتوظيف الإعلام لصالح طرف دون آخر، بل القدرة على فعل كل ذلك هي التزوير الحقيقي، وهو فعل يدخل تحت مسمى (البسط).. بسط على البنك المركزي وعلى المؤسسة العسكرية وعلى وسائل الإعلام الرسمية.. على كل مؤسسات الدولة ب(بساطة) متناهية..

الوحدة نفسها قامت على (البسط) ولولا مساحات الأراضي الشاسعة التي يبسط عليها عدد كبير من النافذين وبجهدهم الشخصي المحض لما تفانوا هكذا في الدفاع عنها، ولما ارتفع مستوى الحساسية من الحديث عن الحقوق إلى أعلى معدل له منذُ سنين طويلة.. خصوصا ما يتعلق منها بالأراضي..

سياسة (القبض والبسط) ليست غريبة على الحكومة حتى نستغربها، فقبض الرشا والعمولات في كل مؤسسات الدولة ومرافقها قائم على قدم وساق، من أكبر إلى أصغر مسئول، فلن يجازف مواطن بالذهاب إلى قسم شرطة دون أن يتفقد محفظة نقوده أو جيبه، حتى لو كان صاحب حق ولديه من الأدلة ما يكفي ويغني..

والبسط على الأرضي قائم على قدم وساق أيضًا، من أكبر إلى صغر مسئول وشيخ وتاجر واحمر عين، ومن توفرت فيه مواصفات النافذ أو (الباسط) ولم يجد أرضا يبسط عليها، تتبرع الحكومة بصرف أرضية له، تحت أي مسمىً قانوني.

إذن.. و(الصرف) قائم على قدم وساق، وبين القبض والبسط والصرف تضيع الحقوق وتفسد الأخلاق وتؤهل البلد لوضع لن يسر أحدًا ، لا الباسط ولا المبسوط على حقه، ومن ظلم قيد شبرٍ من أرض طوقه الله به يوم القيامة. كما في الحديث الشريف..

لا نريد أن نعترف صراحة بالغياب الكلي للدولة والقانون والديمقراطية على أرض الواقع وفي ذهنية المجتمع الذي لم يجرب أمورا كهذه من قبل، فكذبوا عليه وغالطوه، وعاشوا على الكذب والمغالطة وعيَّشوه..

لا نريد أن نعترف لأننا خائفون من إلزامات ذلك، مع أننا نؤمن ونحتفل بثورة قامت للقضاء على الجهل والفقر والمرض، في مرحلة تضاعفتْ فيها تلك الظواهر السلبية جدا..

لقد بسطت السلطة على عقل هذا الشعب تمامًا، وأمدته بكل عوامل الشتات، فلا يكاد يجمع أو يجتمع على شيء، مع أن عشر الوضع الذي يعيشه أو أقل منه بكثير، كفيل بأن يقلب الأمور رأسًا على عقب في بلدان أخرى..

سألت الصديق سمير جبران: أأنت مبسوط..؟ فأجاب: لست أرضية.. فعلا يا صديقي، أن تكون أرضية أو أي كائن جمادي آخر، خيرٌ من أن تكون إنسانًا في اليمن، لأنك ستحظى بكثير من الاهتمام أقله أن تحرس بعشرات الأطقم من الفرقة الأولى مدرع أو من الحرس الجمهوري ولن يشغلك الحسن اللوزي بالإيقاف ولا نيابة الصحافة والمطبوعات بالاستدعاء.. ستكون محل تقدير الجميع باختصار شديد..

ما الغريب إذن في عملية (البسط) التي أوردتها الكاتبة في مقالها..؟!! إن شاء الله تكونون مبسوطين.. وشكرًا (لأنكم تبتسطوا) كما يقول الوائلي أمين..

زر الذهاب إلى الأعلى