آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

ما أحوجنا إلى الصدق..

لسنا محتاجين إلى شيء في هذه الفترة مثلما نحن محتاجون إلى الصدق في كل شيء ليس فقط لأن الصدق منجاة، وليس فقط لأن الصدق هو أسرع الطرق وأكثرها اختصاراً إلى الحقيقة وإلى القلوب، بل لأنه مع هذا وذاك وقبل هذا وذاك لغة العصر ووسيلة بناء الدول العظيمة وسبب بقائها وقوتها واستمرارها، وتعزيز الثقة فيها داخلياً وخارجياً، والشواهد أمامنا كثيرة وواضحة ولسنا بحاجة لسردها...

فقد لفت نظري خلال هذا الأسبوع أمرين إيجابيين رئيسيين عززا عندي هذه القناعة، الأول يتمثل في مكاشفة المواطنين بحقيقة العارض الصحي الذي تعرض له فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رغم ما قد يسببه ذلك من قلق لديهم بل وحتى قلق على المستوى الخارجي.

والثاني إبراز الحكومة في اجتماعها الأخير حقيقة النسبة التي تم تنفيذها من البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس بعد أن كانت هذه النسبة تعلن في أوقات سابقة بطريقة مبالغ فيها جعلتها عرضةً للتشكيك. كان بالإمكان إخفاء ما تعرض له الرئيس صحياً لكن مثل هذا الأمر لم يعد يحدث إلا في الدول الشمولية.

أما الدول الديمقراطية فإنها تكاشف مواطنيها عادةً بكل ما يتعرض له قادتها من عوارض صحية، وبالمصادفة فقد تعرض الرئيس الفرنسي ساركوزي في نفس الأسبوع لعارض صحي أعلنه قصر الإليزيه فورا، ذلك لأن المكاشفة في مثل هذه الأمور حق للمواطنين ولا يعني ذلك الخوض في الخصوصيات بحال من الأحوال.

وفي الاجتماع الأخير للحكومة تم الإعلان أن نسبة ما تم تنفيذه من البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس خلال عامي 2007، 2008 بلغت 31% وهي نسبة معقولة ومنطقية وطبيعية وتعني باختصار واقعية الحكومة ومصداقيتها في التنفيذ، إذ لا يعقل في أي من بلدان الدنيا وأكثرها إمكانات أن يجري تنفيذ 75% من أي برنامج انتخابي خلال أقل من سنتين...

وهذا الإعلان الأخير للحكومة يحتاج إلى الإشادة برئيسها القدير الدكتور علي مجور الذي ما عرف الناس عنه إلا الصدق والوضوح ونظافة اليد واللسان، ذلك أن البرنامج الانتخابي وضع لدورة رئاسية مدتها سبع سنوات فإن نجحت الحكومة في تنفيذ 15% منه في كل عام فذلك شهادة لها بالنجاح والصدق في آن واحد.

لذلك تحدثت في بداية المقال عن مدى حاجتنا للصدق في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة لأن هذين الشاهدين شجعاني أن أؤكد على هذا المعنى النبيل وأهميته في بناء الدول واستمرارها...

وفي هذا الصدد أجد نفسي معنياً بالتوقف أمام الحوارين الرائعين الصادقين اللذين أجرتهما صحيفة «26سبتمبر» وقناة «السعيدة» مع الدكتور صالح باصره خلال الفترة الماضية وتألق خلالهما الرجل بلهجة الصدق والإحساس بالمسئولية والوضوح التي تحدث بها، ففيما اعتبر البعض أن الحوارين جريئان أكثر من اللازم بالنسبة لوزير في الحكومة اعتبرهما البعض الآخر أنموذجاً للغة الصدق والمكاشفة التي ينبغي أن يتحدث بها المسئولون في هذه المرحلة التي لا يختلف أحد على دقتها وصعوبتها.

وجدتُ نفسي مختلفاً بالضرورة مع بعض ما طرحه الدكتور باصرة – وهو القليل – لكن هذا لا يعني عدم إدراكي لأهمية القضايا التي طرحها ولنضج التحليل التاريخي والاجتماعي الذي طرحه وهو يعرض للمشكلة القائمة في عدد من المحافظات الجنوبية والشرقية، ووجدت أن لغة الصدق والوضوح هي ما نحتاجه فعلاً بحيث ندير حوارات مفتوحة صادقة بعيداً عن التسييس وتصيد الأخطاء وتصفية الحسابات، وتسجيل النقاط وتغليب المصالح الذاتية والأنانية...

ولذلك أقف مجدداً مع المواقف الغريبة للمشترك التي لم تعد تهدف إلا تسجيل النقاط والتي تبدو – للأسف الشديد – وكأنها تنتظر سقوط النظام بين لحظة وأخرى لتتقدم لاستلام الأمور وإنقاذها... فكل ما نسمعه منها هو البيانات تلو البيانات فيما لم نسمع منها يوماً رؤية تحليلية موضوعية صادقة لما يجري وخلفياته حتى بعشر ما قاله الدكتور باصرة في حواريه المشار إليهما آنفا... ولذا أقول مجدداً ولا أستثني أحداً لا تتخلوا عن الصدق في هذه المرحلة فهو أكثر ما نحتاج إليه.

زر الذهاب إلى الأعلى