[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

بين أقوال الحوثية وأفعالهم وبين ما يريده اليمن..

الأحاديث التي يدلي بها الحوثيون عبر الصحف والمواقع اليمنية منذ نشطت دورة العنف في اليمن لم تخل من تبرئة أنفسهم من كل ما يدور في الساحة. وتحميل السلطات كل الأسباب والدوافع*.

قطعاً.. في تقويمهم الذاتي لذاتهم.. هم غير مخطئين لأنهم "يدافعون عن أنفسهم دون أن يدعمهم أحد من الخارج"، وهم يشفقون على البلد من "أضرار الحرب التي لا ضرورة لها"، و"يحرصون على الوحدة الاجتماعية"، و"يلتزمون بالدستور والنظام الجمهوري" و"بتنفيذ الاتفاق الموقع بين الحكومة اليمنية وبينهم في الدوحة".. وبذات الوقت يهددون ب"مواصلة المعارك لتمتد إلى الأجيال القادمة"، "وتوسيع نطاق المعارك، واستهداف مواقع غير مدنية في العاصمة".. وهكذا هم أبرياء من سيل الدماء وإزهاق الأرواح وإهدار الإمكانيات!

المأساة في اليمن كَثُر فيها المخطئون.. خاصة داخل ميدان الإعلام الرسمي.. بالتعتيم الإعلامي المفروض من قبل السلطات اليمنية المكتفية منذ بدء المعارك بإشارات "بات الحسم وشيكاً"، "تم تطهير المناطق من المتمردين"، "تنتهي في غضون الأيام المقبلة" فيما تزداد المسألة تعقيداً والضحايا تتزايد يوماً بعد يوم. والحسم المفروض منذ فبراير 07م يبطئ خطاه!.

ويستقوي الحوثيون ويستشري خطأهم بخطأ التعتيم الإعلامي الذي شجعهم على تصوير البطء "فشلاً" وعجزاً، واعتباره "نصراً" لهم!

ومع إرجاء بحث خطأ السلطات في تعتيمها على حقيقة الوقائع الدائرة ميدانياً ونأيها عن اقتراب وسائل الإعلام المتنوعة من ميدان المعارك –عدا المصرح به من جانبها-. يتيح الخطاب الحوثي المقرّب من وسائل الإعلام الكشف عن أخطائه في خطابه المدين لنفسه مع سبق الإصرار والترصد، ونتتبعه هنا:

"يلتزمون بتنفيذ اتفاق الدوحة".. ويعترضون على تقديم بند وتأخر آخر من نفس الاتفاق، خاصة المتعلق بهيبة الدولة وبسط النظام العام!.

"يقدرون جهود ومساعي الوساطة القطرية".. ويفشلونها بتجديدهم للمواجهات العسكرية التي فرض الاتفاق وقفها، ويستفزون الجار السعودي ويعتبرونه عدواً؟!

"يحرصون على الوحدة الاجتماعية".. ويعمقون الجرح في الجسد الوطني بدغدغة مشاعر الهاشميين اليمنيين وتصوير موقف السلطة "تصفية عرقية"!.

"يشفقون على البلد من أضرار الحرب التي لا ضرورة لها".. ويخوضونها! وهل هي ضرورة استمرارها بين الأجيال القادمة؟

يدعون "المظلومية والدفاع عن النفس".. هل يكسب المظلوم أنصاراً وهو يرفع سلاحاً ويعلن تمرداً؟ وما هو الهجوم الذي يتعرضون له ويستوجب الدفاع عن النفس؟ وهل السلطات تستهوي الإجرام في حق المواطنين؟!

يؤكدون "ولاءهم للنظام الجمهوري واقتناعهم برئاسة علي عبدالله صالح".. ويعتبرونهما عملاءً!.
يعلنون "التزامهم بالدستور".. ويخالفونه! إذ يحظر على غير السلطات الرسمية تشكيل أي تكوينات عسكرية!.

لا يتلقون دعماً خارجياً.. وفي أيديهم سلاح وذخيرة لا تتوفر للجيش اليمني نفسه!.

يمتنعون عن تكوين حزب سياسي خاص بهم بفروع في مختلف المناطق اليمنية بحجة أن "المناخ الراهن لا يسمح".. لكأنه يسمح باستمرار تكوين ميليشيات مسلحة وتوسيع نطاق المواجهات؟!

خطاب الحوثيين لا يصدَّق ولا يتقبله منطق. وفي مقابله تعتيم مستغَّل على ما يدور في الساحة وتأخير للحسم المطلوب للمسألة، وحجب للفكر البديل الذي يغذي مقاومة هذا التمرد فكرياً!.

إن سيل الدماء اليمنية من أي جانب يستدعي الإشفاق لكنه لا يمنع من التنادي بأي شكل كان إلى حفظ مكانة النظام الذي يراد إنهاكه وإضعافه بل وإفقاده هيبته الداخلية وسمعته الإقليمية والدولية بتجديد مثل هذه الأزمات التي لا تجد سبيلاً لحلها إلا بالحسم أو بالحوار.

ولقد أُريد الحوار حلاً، ودار بأشكال مختلفة عبر وساطات داخلية وخارجية دون التوصل إلى ناتج يصون هيبة النظام اليمني..

صون هيبة النظام صارت القضية المركزية الآن، مع ضمان وحدة اللحمة الوطنية. لا سيما بعدما نجح التمرد الحوثي في إحداث الشرخ في جدار الوحدة الوطنية باستفزاز مشاعر بعض الفئات الاجتماعية وأتباع المذاهب الدينية ضد السلطات. والسلطات تعاني حرجاً من هذه المسألة فالتعتيم حائل دون توضيح حقيقة الأمر، وتواجه حيرة بين الصمت أو الإفاضة في مناقشات يجرها إما إلى "خطاب منٍ" أو "استثارة نعرات" هي في غنى عنها وعن استجرار خطايا سياسية أخرى!

خطاب وطني معتدل يواجه التطرف عبر إعلام منفتح يصوِّب الخطأ، ونظام مصان الهيبة وضامن لدوام الاستقرار وكاسب لمزيد من الثقة الشعبية، بمقدرة حسم تحمي النظام وتحفظ الاستقرار.. كفيل، كل ذلك، بمنع أي تسرب لفكر هدام أو نشاط خلايا نائمة، وميَّسِر لاستمرار قيادة أي تجمع إقليمي ويمكن من الاندماج في أي محيط مجاور.

أليس هذا ما يريده اليمن؟! فمتى يكون؟!

* كتب هذا المقال في 24-25/6/08م - ولعله يناسب ما يحدث في أغسطس 09م.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى