[esi views ttl="1"]
الفكر والرأي

الرئيس.. على خطى باتيستا وسوموزا

لايمكن توصيف ما يجري في صعدة إلاَّ بأنه ظلم فادح بالبشر والحجر تلحقه قيادات فشلت في اخضاع أهلها، وإلاَّ كيف يمكن تصفية اناس يخوضون حرب العصابات مضطرين، ويتمتعون بتعاطف السكان؟

بعيداً عن المهاترات وتسجيل المواقف، فإن علينا جميعاً الاعتراف بأننا نواجه نزيفاً دموياً كبيراً في صعدة، واستنزافاً لموارد البلاد، وإضعافاً لمؤسسات الدولة السيادية، وعلى رأسها القوات المسلحة والأمن، وتدميراً وحشياً للكثير من مديريات محافظة صعدة، طال البشر والحجر ومصادر الحياة الإقتصادية، واحدث شرخاً إضافياً عميقاً في الوحدة الوطنية.

وطبقاً لتقرير الأمن القومي الصادر عشية الجولة السابقة من حرب صعدة، فقد كلفت الجولتان الاوليان 640 مليون دولار خلال فترة 100 يوماً من المعارك، وذلك من 2004/6/20م إلى 2004/9/10م في الجولة الأولى، ومن 2005/3/19م وحتى 2005/4/12م في الجولة الثانية، وبقسمة المبلغ على الفترة الزمنية للمعارك نجد أن التكلفة اليومية بلغت بالريال اليمني 1280 مليون ريال يومياً.

وبالنظر إلى امتداد مساحة المعارك إلى معظم مديريات محافظة صعدة، وتعاظم القوى العسكرية والأمنية الحكومية المشاركة فيها فإن التكلفة اليومية للحرب الماضية (الثالثة) لاتقل في تقديري عن ضعفي التكلفة في الجولتين الاوليين، وحيث أن مدة الحرب في الجولة الثالثة قد بلغت، حوالي، مائة يوم، عندما اوقفها الرئيس متعهدا بعدم العودة اليها غداة اتهام محكمة الجنايات الدولية لرئيس السودان، وعليه فإن تكلفة الحرب في تقديري قد تجاوزت في تلك الجولة ملياري دولار، بمعدل اربعة آلاف مليون ريال يومياً وأكثر. اما عن تكاليف الجولة الحالية -الرابعة حسب توصيفي - فحدث ولا حرج.

الاقتصاديات الضعيفة، كاقتصاد بلادنا لاتستطيع تحمل تكاليف حرب لفترة طويلة دون تعريض الاقتصاد الهش للانهيار، وهو ما سيظهر في انخفاض سعر صرف العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي ستكون له تداعيات واسعة وبعيدة المدى على مستوى معيشة المواطنين، الذين يعيش غالبيتهم اليوم عند وتحت مستوى خط الفقر.

إضافة إلى تأثر كل القطاعات الإقتصادية من ذلك. علاوة على انخفاض مداخيل النفط في الربع الاول من العام الحالي 2009 بنسبة تزيد على % 70 مقارنة بالعام الماضي نتيجة انخفاض الاسعار وتناقص الانتاج الناضب. وسيؤدي استمرار الحرب إلى تعثر امكانيات اجتذاب الاستثمارات النافرة أصلاً.

إضافة إلى أن تنامي قوة الحوثيين، كما هو حاصل حالياً، قد يدفعهم إلى التفكير في تفجير أنابيب النفط الذي يمد البلاد بالجزء الأكبر من مقومات ميزانيتها، وهو ما ستكون له عواقب كارثية.
وهو احتمال قائم، سواءً في حالة تنامي قوتهم أو وصولهم إلى حافة اليأس.

اطلالة على الجذور:
ظهرت الحركة الحوثية نتيجة انشقاق حركة الشباب المؤمن عن حزب الحق ذي الطابع المدهبي الزيدي بتحريض من الرئيس علي عبدالله صالح الذي تبنى الحركة وقدم لها الدعم المادي واستخدمها في مناواة حزب الاصلاح في صعدة.
وقد سيطر ابناء المرجع الزيدي الكبير السيد بدر الدين الحوثي على الحركة فحدث انشقاق ثان في تنظيم الشباب المؤمن، ليبرز الحوثيون متصدرين فسميت باسمهم.

وظل دعم الرئيس مستمرا للحوثيين الذين كانوا قد اصبحوا منذ الانشقاق الاول عن حزب الحق اعضاء في الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام وممثلين له في مجلس النواب.

اما كيف تحولت الرعاية إلى عداء فحرب، فقد ساورت الرئيس الشكوك في ابناء العلامة الحوثي عندما نقل اليه ان قائد الحركة الاول ،حسين بدر الدين، يبني حزبا على غرار حزب الله اللبناني ، مستخدما شعاره الموت لأمريكا الموت لاسرائيل.

وكان اتباعه يرددون الشعار في المساجد عقب كل صلاة، وذلك في اوج تحالف الرئيس علي عبدالله صالح مع بوش في الحرب على الارهاب.

فجرى اعتقال مرددي الشعار في المساجد طوال اشهر، والتنكيل بهم، وحبسهم، خلافا للقانون الذي لايمنع الناس من التعبير.

أما الحرب فعلى الرغم من كل نظريات المحللين، التي لا تخلو من بعض الصدق، إلا أني اعتقد ان الامر ابسط من ذلك بساطة حكامنا وعشوائية قراراتهم ومزاجيتها.

واظن ان مجلسهم التأم ذات يوم من عام 2004 وتدارسوا مماطلة الحوثي في الحضور إلى صنعاء استجابة لأمر الرئيس، وقالوا أنه عصى.. قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك .. ولكن المأساة أنه (حنب) هناك.

تلك ببساطة هي قصة الحرب التي استهلكت الأعمار، ودمرت القرى والدساكر والمدن، وخربت المزارع، واهدرت الاموال، ورسمت الدموع على الخدود، والآهات على الشفاه، والآلام في القلوب.

اذن فهذه المغامرة الرعناء في صعدة ليست الا ثمرة العناد والعنجهية، ومن الخير للسلطة والبلاد معاً طي صفحاتها قبل ان تؤدي إلى العواقب الوخيمة المدمرة، حان الوقت لكي يقول احدهم لهذه القيادات المترهلة كفى.. كفاية بس.. خلاص.

واذا كانوا يعتقدون ان اعترافهم بالعجز عن صعدة سيسلب منهم هالة الانتصار الكاذبة الفضفاضة نتيجة لانتصارهم المزعوم على شعبهم في الجنوب وشركائهم في الوحدة، فان الناس كلها تعرف ان الجنوبيين رفضوا المشاركة في تلك الحرب القذرة.

ومن ثم لم يكن هناك انتصار ولا من يحزنون الا في المخيلة المريضة لهؤلاء الواهمين.

اليوم يحاصر الحوثيون اخو الرئيس الجنرال علي محسن الاحمر، قائد المحور الشمالي الغربي وقائد الفرقة الاولى المدرعة (الذي تمت ترقيته مكفأة على هزائمه الكثيرة) وعددا من قادته الكبار في منطقة الملاحيظ، طبقا لصحيفة التجمع اليسارية عدد الاثنين الماضي. ولا مهرب لهم الا من جهة واحدة وذلك عبر الحدود السعودية. وقد سقطت المنطقة في ايدي الحوثيين الاربعاء الماضي بما فيها من معسكرات مليئة براجمات الصواريخ، والمدفعية، والآليات الثقيلة، والاعتدة والذخائر، وهو ما يضاعف تسليحهم عدة مرات.

لقد حذرنا من قبل من الاوضاع المنهارة في القوات المسلحة والفساد المستشري فيها نتيجة لتصرفات (القادة) الذين تسمروا في مقاعدهم ومناصبهم منذ عشرات السنين، لمجرد صلات القرابة التي تربطهم بالرئيس، الامر الذي جعل الجيش والامن منقسمين بين بنية دستورية لاسلطة لها واخرى غير شرعية بيدها كل السلطة والامكانيات، حيث لايستطيع وزير الدفاع أو رئيس الاركان تحريك دبابة واحدة، وحيث لا يستطيع وزير الداخلية تحريك حتى طقم واحد، فقد تم خصخصة الجيش اليمني والاستيلاء عليه وعلى القوى الأمنية ضداً على الدستور الذي ينص على أنه «يحظر تسخير القوات المسلحة والأمن والشرطة وأي قوات أخرى لصالح حزب أو أفراد أو جماعة ويجب صيانتها من صور التفرقة الحزبية والعنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية وذلك ضماناً لحيادها وقيامها بمهامها على الوجه الأمثل ".

بينما انشغل من بيدهم مقدرات القوات المسلحة والامن الحقيقية بالاستيلاء على الاراضي وجمع الثروات، والبلطجة، كما دل عليه بوضوح الحكم التاريخي الشجاع - نشر في القدس العربي- للقاضي امذيب البابكري، والذي تناول مجرد حالة واحدة من مئات الحالات التي يعرفها القاصي والداني.

حقيقة الامر التي لابد من قولها بوضوح هي: ان فشل القوات المسلحة والامن انما هو من صنع ايدي (القادة) من اهل القرية، والبيت، والعشيرة، والنتيجة جيش وامن مهلهلان كجيش الامام الحافي، وكتهلهل الدولة التي حولتها العصبة الحاكمة إلى لعبة لاطفالها وجهلتها حتى غدت كالقميص البالي المخرق.

زر الذهاب إلى الأعلى