من المؤلم بالتأكيد أن نحتفل بعد يومين بالعيد السابع والأربعين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ونحن لازلنا نقاتل فلول الفكر الإمامي المريض في محافظة صعده الأبية، لكن لعل الأقدار ساقت هذه المواجهة لتفضح حملة هذا الفكر المريض الذي لا يملك أي مشروع للمستقبل سوى مشروع الدماء والفتن والتكفير وتكريس العصبية المذهبية والسلالية وتمزيق الوطن..
صحيح أن الثمن غال فتضحيات أبناء القوات المسلحة والأمن الأبطال أكبر من أن تقدر بثمن، كما أن الكثير ممن يقتلون من المتمردين هم في الغالب مغرر بهم كما شاهدنا في اعترافات بعض من ألقي القبض عليهم منهم والذين جرت عملية تغييب غير مسبوقة لعقولهم وإراداتهم فاندفعوا يقاتلون أبناء وطنهم وهم يعتقدون أنهم يذودون عن اليمن من احتلال البوارج الأمريكية والإسرائيلية دون أن يعلموا حقيقة المشروع الذين يقاتلون من أجله..
وفي الوقت ذاته يبدو أن عملية تغييب أخرى تجري هنا لعقول وإرادات الكثير من إخواننا في المعارضة الذين لم يعودوا قادرين تماماً كما هو واضح على اتخاذ الموقف الطبيعي والسليم والصحيح في قضية خطيرة كهذه، كما حدث الأسبوع الماضي عندما ادعى المتمردون أن الطيران العسكري قتل ثمانين مدنياً في منطقة (العادي) دون أن يقدموا دليلاً حقيقياً سوى لقطات لجثث يمكن أن تكون التقطت لضحاياهم فسارع المشترك للإدانة والتنديد فيما لم نسمع له موقفاً واحداً يندد بالمتمردين منذ بداية الحرب بما في ذلك الهجوم الذي قادوه على مدينة صعده صبيحة العيد وتناقلته وسائل الإعلام الخارجية بل وبعض وسائل الإعلام التابعة لهم قبل أن ينقلها الإعلام الحكومي..
كان عليهم أن يقفوا محايدين على الأقل حتى وإن كانت معركة كهذه لا تقبل سوى الوقوف ضد مشروع العنف والتخلف الذي يحمله المتمردون، فهل عميت البصائر إلى هذه الدرجة؟!
على كل حال ليس موقف المشترك موضوعنا فلعله يرى أن الحفاظ على وحدته أولى من الحفاظ على وحدة الوطن فهذا شأنه وهو أعلم بشئون دنياه...
إن ما يعنيني هنا أن هو أنه لم يعد مشروع التمرد الإمامي غامضاً بعد أن كان الجميع يتساءلون ما هي مطالب المتمردين فلا يجدون إجابة سوى حديث غامض عن مطالب بالحق والعدل، وقد أعجبني المفكر المعتدل المحترم (محمد يحيى عزان) في أحاديثه المتعددة خلال الفترة الماضية عندما قال: من كان له مطالب عادلة لا يمكن أن يتوسع في استيلائه على الأرض شرقاً وغرباً وجنوباً، وهذا كلام صحيح ومنطقي يجب أن يقف أمامه متأملاً من لازال في نفسه أدنى شك حول مطالب المتمردين...
وإلى جانب ذلك نقول اقرؤوا أفكارهم جيداً ليس فقط من خلال ما صرحوا به علناً خلال الفترة الأخيرة من أفكار عنصرية مريضة، بل وكذلك من خلال ما كتبه عنهم العديد من المفكرين ومن بينهم الصديق الدكتور أحمد الدغشي في كتابه الأخير (الظاهرة الحوثية) الذي خلص إلى نتيجة هامة تتلخص في أن هذه الظاهرة هي امتداد للفكر (الجارودي) المتعصب الذي يعتبر أكثر الفرق الخارجة عن المذهب الهادوي تعصباً في مسألة حصر الحكم في البطنين وأكثرها عدائية ضد الصحابة رضوان الله عليهم وغير ذلك من مظاهر التطرف البائسة التي لم يكتب لها الحياة وإنما انحصر دورها في إثارة الفتن وليس غير ذلك...
ولذلك كله نقول: آن الأوان ونحن نحتفل بأعياد الثورة اليمنية أن نعيد لها اعتبارها بإعادة النظر في الكثير من سياساتنا التعليمية والتربوية والثقافية والإعلامية والإرشادية في الفترة القادمة لنعيد إحياء روح الوطنية وقيم الثورة وأهدافها النبيلة لدى أجيالنا الجديدة التي لم تعد الكثير من هذه المعاني واضحة في أذهانها وذلك من خلال إعادة صياغة كل تلك السياسات التي أثبتت عجزها وهشاشتها حتى نوقف نزيف الثورة الذي تتعرض له حالياً بين فكر إمامي متخلف وفكر انفصالي مريض وسياسات عقيمة أدت لانتعاش ذلك الفكر من جديد!.