آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

تقديرا لذكرى الرئيس الحمدي

لست أدري لماذا يجعل بعض الأعزاء من الصحافيين والسياسيين من ذكرى استشهاد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي مناسبة لتصفية الحسابات مع النظام الحالي بل وأحيانا مع الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان أحد رجال الرئيس الحمدي ومن أكثر المقربين له الذين يثق بهم ويعتمد عليهم في المهام الكبيرة...

وأتصور لو أن الزملاء الأعزاء جعلوا من هذه الذكرى الحزينة مناسبة لاستذكار محاسن الفقيد الراحل وأدواره الهامة في مراحل مختلفة قبل أن يتولى قيادة البلاد في 13يونيو 1974م وكذلك مشروعه الوطني الذي بدأه مع تسنمه سدة الرئاسة لكان ذلك أفضل وأكثر تأثيرا، فمن الغريب أن يحرص البعض على إظهار الشهيد الحمدي وكأنه خصم للنظام الحالي في حين كان الرئيس علي عبدالله صالح أقرب إليه من كثيرين يصورون لنا اليوم أنهم كانوا (قارورة عقله) ومستشاريه الذين لا يتركونه إلا ليعودوا إليه بعد ساعات يزودونه بآرائهم وأفكارهم.

كثير منا عرف الرئيس الراحل ونحن في بداية الشباب وأحببناه وتأثرنا بأحاديثه وخطاباته وبساطته، وعندما كبرنا ووعينا عرفنا أن حكمه قام على أنقاض مشروع حكم مدني ديمقراطي وأدركنا في الوقت ذاته أنه لم يكن وحده صاحب العمل الانقلابي وأنه كان على الأرجح واجهته فقط لفترة مؤقتة لكن الرجل الذي تشرب الدهاء منذ سنوات عمره الأولى تغدى برفاقه الألداء قبل أن يتعشوا به، وشرع في صياغة مشروعه بالكثير من المثالية والقليل من الواقعية.

ناهيك عن أن خبرته السياسية لم تكن قد بلغت مستوى النضج المطلوب فكلنا يعرف أنه تولى الحكم وهو في الثانية والثلاثين من عمره واستشهد وهو في الخامسة والثلاثين فيما كان قد أقحم نفسه في صراعات لم تكن لتنتهي إلا كما حدث يوم 11أكتوبر 1977م وهي نهاية دامية ومأساوية لم يكن يستحقها بالتأكيد، ورغم محاولات الإساءة إليه في حادثة اغتياله إلا أن ذكراه ظلت طيبة على الأغلب عند من عرفوه وعايشوه حتى وإن اختلفوا معه في نهجه وبعض من سياساته.

إثنان وثلاثون عاما مرت منذ رحيل الرئيس إبراهيم الحمدي وهو زمن طويل بالتأكيد يقتضي منا أن نتذكره بالأسلوب الذي يتناسب مع ما أفترض أن محبيه وأهله وأبناؤه يتمنون أن يذكر به وهو التذكير بطموحاته ومشروعه الوطني وآماله في نقل اليمن من حالة التخلف إلى مواكبة العصر الحديث ومن التشطير إلى الوحدة بدلا من تقليب المواجع والبحث عن ثارات وهمية نعلم جميعا أن القدر قد أخذها بعد ثمانية شهور فقط من الرحيل الدامي...

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الرئيس علي عبدالله صالح رفيق الرئيس الحمدي هو أكثر من رد إليه اعتباره فأنجز كل ما كان يطمح إليه الراحل ولم يتمكن من تحقيقه بل وتجاوزه بكثير بدءاً من تحقيق الأمن والاستقرار إلى تحقيق التنمية الشاملة إلى إعادة الاعتبار والاستقلالية للقرار الوطني السيادي إلى إقامة المؤتمر الشعبي العام والمشروع الديمقراطي إلى إعادة الحياة الدستورية والعمل بالدستور إلى إقامة علاقات خارجية متوازنة مع جميع الدول العربية ومع التكتلات الدولية وأخيرا استعادة وحدة الوطن أرضاً وشعباً ليبدأ مرحلة جديدة تقوم على الأخذ بالتعددية السياسية والحزبية وحرية الصحافة وإنجاز تسوية الحدود اليمنية مع الأشقاء والنجاح في كسب تعاطف العالم ودعمه لليمن الموحد المستقر...

وأتساءل بصدق لو كان الرئيس الحمدي حيا هل كان ليطمح إلى تحقيق أكثر مما تحقق على يد رفيقه الرئيس علي عبدالله صالح؟!

صحيح أن هناك جوانب قصور كثيرة ليس هذا مجال مناقشتها لكن هذه سنة الحياة فهل هناك رئيس معصوم أو قائد لا يخطئ؟! لذلك أقول مجددا من موقع المحب للرئيس الحمدي: لا تكتبوا عنه بطريقة تجعل منه وكأنه – رحمه الله – خصم للنظام الحالي فمن حقكم أن تخاصموا هذا النظام كما تشاءون لكن يجب ألا ينسى أحد أن علي عبدالله صالح هو أكثر القادة الجمهوريين وفاءً لأسلافه وتقديرا لهم.

فهو لم يجرحهم أو يسيء إليهم بل إنه إن تحدث عنهم فلا يذكرهم إلا بخير، فهو لم يكن خصماً لأحد منهم، ويكفيه فخراً أنه من صحح أخطاء انقلاب يونيو وأعاد الاعتبار للثورة اليمنية وأهدافها.

زر الذهاب إلى الأعلى