[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

مصر والجزائر‏:‏ لم لا نسعى إلى إنجاز حقيقي؟

سلوك جماهيري بالغ الدلالة علي حاجتنا الملحة إلي تحقيق إنجاز من أي نوع،‏ وسعينا إلي تسجيل نجاح علي أي صعيد‏.‏ ففي مصر،‏ كما في الجزائر،‏ ومثلما هي الحال في باقي بلاد أمتنا التعسة،‏ فقر في الإنجاز وندرة في قصص النجاح‏.‏ ولذلك فليس جنونا أن ينفعل الناس في مصر،‏ كما في الجزائر،‏ بمباراة في كرة القدم مادامت نتيجتها حاسمة في التأهل لنهائيات كأس العالم‏2010.‏

ومازال هذا الانفعال،‏ الذي تجاوز ماحدث في مواجهة سابقة مماثلة تقريبا قبل عقدين من الزمن،‏ مستمرا بعد أن تأجل الحسم إلي مباراة الغد الفاصلة في السودان‏.‏

وليس في هذا الانفعال ضرب من الجنون،‏ بخلاف مايراه عقلاء لايجدون مبررا لتحويل مباراة في كرة القدم إلي لقاء مصيري تحت راية العلم الوطني‏.‏ فالحالمون بتحقيق أي إنجاز يثبت لهم أن مجتمعنا مازال علي قيد الحياة لم تذهب عقولهم‏.‏ كل ما في الأمر أنهم لم يجدوا إنجازا ممكنا وقريبا إلا في هذا المجال‏.‏ ولو أنهم وجدوا سبيلا إلي دور يمارسونه ومشاركة يساهمون بها في بناء مقومات مجد حقيقي وتحقيق نجاح اقتصادي أو ثقافي أو مجتمعي أو سياسي،‏ لانخرطوا فيه بمثل هذه الروح التي نراها في تفاعلهم مع حلم المونديال وانفعالهم به‏.‏

ففي هذا الحلم المتواضع،‏ الذي يقتصر علي السفر إلي جنوب أفريقيا ولا يرقي إلي العودة باللقب،‏ يستطيع الناس في مصر كما في الجزائر إيجاد دورهم بأنفسهم واعتمادا علي مبادرات فردية من دون أن ينتظروا نخبة تفتح الباب أمامهم وتنير لهم الطريق وتحدد الاتجاه الذي يتحركون فيه سعيا إلي إنجاز يتوقون إليه وتطلعا إلي نجاح يعيد إليهم الثقة في أنفسهم وقدراتهم‏.‏

وكل ماينتظرونه في السعي إلي تحقيق مثل هذا الحلم المتواضع هو أن يكون التوفيق حليف لاعبي منتخبهم الوطني الذي صار قبلتهم الوحيدة في سعيهم إلي تحقيق نجاح ما‏.‏ هكذا كان حال المصريين الذين دعوا لمنتخبهم بالتوفيق في إحراز ثلاثة أهداف،‏ والجزائريين الذين تمنوا أن يوفق لاعبو منتخبهم في الخروج بنتيجة متعادلة أو حتي بهزيمة بفرق هدف واحد‏.‏

ومازال أمل كل من الشعبين في المباراة الفاصلة معلقا علي مدي توفيق اللاعبين خلال‏90‏ دقيقة قد يزاد عليها ثلاثون أخري،‏ أو علي تركيزهم في تسديد ضربات الترجيح من نقطة الجزاء‏.‏ وهذا يعني أننا إزاء حلم معلق في خيوط واهية أكثر وهنا من خيوط العنكبوت‏.‏ ولكنها قلة الحيلة التي لاتترك لشعوبنا العربية في مجملها إلا أحلاما متواضعة علي هذا النحو‏.‏ ولكن ماحيلة الشعب الذي لايجد سبيلا إلي إنجاز أكثر جدارة يتم تحقيقه عبر أفكار مبدعة وسياسات مدروسة وإرادة واعية،‏ وتخطيط سليم وعمل جاد؟

وهل يعيب الناس في هذه الحال أن يتطلعوا إلي قصة نجاح في الميدان الوحيد الذي يمكن أن يرتادوه معتمدين علي مبادراتهم الصغيرة ويمتلكون معرفة كافية به ويجدون مكانا لهم فيه لايمكن استبعادهم منه،‏ خصوصا إذا كان هذا الميدان أثيرا لديهم ومألوفا لهم؟

فلا تشعر شعوبنا العربية عامة بحضورها إلا في ميدان كرة القدم،‏ وربما لهاذ السبب اختاره الروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة ليبني رائعته العائز بالكأس انطلاقا منه‏.‏ فقد أخذ مباراة كرة قدم وجعل تطور أحداثها موازيا بل رديفا للتصاعد الدرامي في هذه الرواية،‏ تخيل مباراة نهائية في مسابقة كأس فرنسا عام‏1957,‏ ووظف أحداثها في خدمة البناء الدرامي للحدث الرئيسي في الرواية وهو عملية اغتيال‏(‏ باش أغا محمد شكالي‏)‏ السياسي المتعاون مع الاحتلال خلال الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي‏.‏

كان هذا السياسي حاضرا إلي جانب الرئيس الفرنسي،‏ وفقا للرواية،‏ في هذه المباراة التي شارك فيها لاعبان جزائريان ضمن تشكيل فريق تولوز،‏ وكان الفدائي الذي ذهب إلي المباراة نفسها بهدف اغتياله حانقا عليه،‏ كما عليهما لأنهما يلعبان في كأس فرنسا التي حولت أرض وطنه ووطنهما إلي حقل تتدفق فيه الدماء‏.‏

وعندما أطلق الفدائي النار علي السياسي في منصة الملعب،‏ كان اللاعب الجزائري يسجل في اللحظة نفسها هدف الفوز بالكأس لفريقه الفرنسي‏.‏ وفي نهاية الرواية تخيل الفدائي أن يرسل إلي أمه قائلا إنه هو الفائز الحقيقي بالكأس،‏ وليس الجزائري الآخر الذي أحرز الكأس لنادي تولوز وهنا المفارقة التي ينبغي أن نلتفت إليها اليوم‏.‏ فالوصول إلي نهائيات المونديال أمر رائع لاشك فيه‏.‏ ولكنه ليس هو،‏ ولا حتي الفوز بكأس العالم،‏ الإنجاز الذي ينبغي أن نتطلع إليه أو النجاح الذي يستحق أن نحتشد من أجله‏.‏

فالفرق كبير،‏ بل ربما جذري،‏ بين الفوز في مباراة لكرة القدم أو أية كرة،‏ والحصول علي مراكز متقدمة في مسابقات رياضية،‏ والانجازات التي تسهم في بناء مستقبل الأمم وتحقيق أمجاد الشعوب‏.‏

فقد وصلنا إلي نهائيات المونديال قبل عقدين فقط في العام‏1990‏ دون أن يغير ذلك شيئا في حياتنا وأدائنا ومستوي تطورنا‏.‏ وأحرزنا كأس الأمم الأفريقية مؤخرا مرتين متواليتين،‏ وفرح الناس وابتهجوا يوما أو أياما دون أن يؤثر ذلك في مسارهم‏.‏

فليس هذا،‏ إذن،‏ هو الانجاز الذي يأخذنا إلي الأمام،‏ بخلاف تحقيق تقدم كبير في بناء الاقتصاد مثلا أو نقلة نوعية في قدراتنا العلمية والمعرفية أو تطور ملموس في حياتنا السياسية ينظر إليه غيرنا باعتباره نموذجا يقتدي به ويستفاد منه‏.‏

ولكن مثل هذه الانجازات لاتتحقق بالحماس وحده،‏ ولابرفع الأعلام والتسابق في زيادة حجمها فقط،‏ ولا بالغناء لمصر والهتاف بحياتها فحسب‏.‏ وهي لاتتوقف علي توفيق لاعب أو أكثر،‏ ولا علي ضربة حظ قد تأتي وقد تروح،‏ ولا علي صدفة تعيد الأمل في لحظة كاد اليأس أن يتمكن منا‏.‏ هب مثلا أن ضربة الرأس التي أحرز منتخبنا منها هدفه الثاني في اللحظة الأخيرة يوم السبت الماضي لم يحالفها التوفيق،‏ أو أن يد الحارس الجزائري كانت أقرب إلي الكرة سنتيمترات قليلة‏.‏ فلو أن هذا حدث لاختلف المشهد الذي نعيشه منذ مساء السبت الماضي رأسا علي عقب،‏ وكنا الآن نبكي دما لادموعا‏.‏

ولايحدث مثل ذلك في الإنجازات الحقيقية والنجاحات التي تغير مسارات ومصائر الشعوب،‏ وهذه النجاحات وتلك الانجازات هي ماينبغي أن نتطلع إلي شيء منها ونحلم به ونبحث عن سبيل لتحقيقه،‏ حتي لانبقي أسري أحلام متواضعة نفرح لما يتحقق منها ونبتهج،‏ ولكنها لاتغير شيئا في حياتنا العشوائية وأدائنا الضعيف وتفكيرنا الذي تزداد الخرافة فيه وقيمنا التي لم يبق للعمل المنتج مكان يذكر فيها‏.‏

زر الذهاب إلى الأعلى