[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

انتهاك الثقة!

مع التقدير والاحترام للواقفين موقفاً مغايراً من الدائر من ‏مواجهات مسلحة على الحدود اليمنية السعودية ويصورون الأمر ‏انتهاكاً للسيادة اليمنية وتهاوناً من النظام اليمني في صنعاء، ‏واستثاروا حساسيات خبت وانطوت في صفحات ماضي علاقات ‏الجوار بشأن الحدود يوم كانت ملتهبة.‏

لا ضير في مجاراتهم بأن للنظام اليمني أخطاءه بلا شك، فوفق ‏منطق الأشياء أن في خطوة كل نظام صواب وخطأ، وبفعل الأخطاء ‏يعلق المعارضون كل السلبيات الواقعية والمُتخيلة، بيد أن بين ‏السلبيات المُتخيلة عدم اكتراث النظام للسيادة الوطنية بسكوته عن ‏المواجهة بين المتمردين الحوثيين والقوات السعودية.‏

مهما بلغت أخطاء النظام وسلبياته، فلن يتهاون في سيادته ‏وسلامة وطنه واستقراره، وإلا لما خاض كل تلك المساجلات ‏واستبسل جنوده حد الإنهاك والاستشهاد تصدياً لشرور الفتنة حتى ‏تصاعد شررها شمالاً في جنوب السعودية حيث حق للجار تأمين ‏حدوده من أي عدوان..

ومحاولة وضع حدود جديدة، ليست بين ‏البلدين إنما بين المتمردين وبين نظم وأسس علائق الشقيقين دونما ‏تجاوز للحدود المرسومة والثابتة بصفة نهائية وقاطعة في ‏المعاهدات الحدودية ومذكرات التفاهم مايو – آيار 1934م، فبراير ‏‏– شباط 1995م، يونيو – حزيران 2000م.‏

وفي صدد الحادث الآن يُتفق مع تفسير موضوعي وقول فصل ‏في مسألة يراد توسيع نطاقها كما اتسع نطاق المواجهة المسلحة. ‏وهو قول رئيس رابطة أبناء اليمن (رأي) الأستاذ عبدالرحمن ‏الجفري: "طالما أن النظام لم يقل أن هناك انتهاكاً لسيادة الدولة فلا ‏يعد ذلك انتهاكاً"، وهو ما لم يصدر عن النظام لأن لا انتهاك، لا ‏انتقاص ولا افتقاد للثقة بين الجارين.

ولكن قولاً كهذا لا يبدل ‏قناعات أسيرة لصراع ماضوي تجاوزه أنصار المستقبل، وإن ‏اعتاش بعض العالمين على الانجرار وراء (انتهاك الثقة) في النفس ‏أولاً ثم في النظام وعلاقاته مع جيرانه.‏

بعيداً عن تفسيرات، يصيب أقلها أو يخيب معظمها بشأن اندلاع ‏حروب بالوكالة من أجل الآخرين أو الأطماع التوسعية المذهبية، ‏واقع الأمر أن شراً حوثياً بخلفيات مثيرة بلغ من اليمن حدود ‏السعودية فوجب التصدي له، أياً كان جنسية بالغ هذا الحد الجغرافي ‏أو مصدره، أفريقياً أو آسيوياً، عربياً أو أعجمياً؛ وإزاء التعدي –أي ‏تعدٍ- لا يقف المعتدى عليه موقف المتفرج، لا سيما وقد ألقى ‏المتمردون الحوثيون بأنفسهم إلى التهلكة ومدار (التضييق) ‏و(التكميش) السعودي- اليمني لهم، واستنفرت طاقة عسكرية كبيرة ‏لا قبل بتحديها طويلاً مهما تعددت المخابئ أو استمرت المعارك ‏جراء تدفق الدعم والمدد والعون المشبوه.‏

ولكن استمرار المعارك لا بد من مآلها إلى الحسم المنتظر. ‏بشكل مشترك يؤكد التزام البلدين بما نصت عليه الاتفاقيات ‏الحدودية والأمنية ومعاهدات الإخاء التي جبت آثار كل احتكاك ‏سابق وألزمت الطرفين باحترام نظام الآخر واستقلاله وسيادته عدم ‏التعدي عليه ووحدة التمثيل والموقف كما نصت مجمل المعاهدات.‏

ومع هذا، ما يزال الطريق طويلاً لانتهاج منهج تعامل جديد من ‏قبل ساسة ومفكرين يمنيين مع قضايا البلدين ومصالحهما المشتركة ‏ولاسيما المتفق عليها ضمناً وإن لم يعلن عنه، وهو مجاز عموماً، ‏وفق توافق على تقديس السيادة الوطنية لكل بلد وصون كرامة كل ‏مواطن كرّم نفسه بعدم التمرد والتعدي والذهاب إلى أبعد من ‏الانتهاك الحدودي ب(انتهاك الثقة) في النظم القائمة وقدرتها..

وهو ‏ما يستلزم التعافي العملي من آثار هذا الانتهاك بإعادة مد جسور ‏الثقة بين القمة والقاعدة السياسية ليسهل النظر إلى أخطاء المعتدين ‏الحوثيين لا تجريم المعتدى عليهم في الحدود.‏

زر الذهاب إلى الأعلى