عندما تقصر الدول في واجباتها الدستورية والقانونية تبدأ الاختلالات دائما وليس ذلك فقط بل إن شرعية الحكم فيها لا تهتز إلا عندما يحدث هذا التقصير... وأكثر ما تكون مثل هذه الإشكاليات وضوحا في الدول التي تتخذ النهج الديمقراطي والتعددي كأسلوب حكم سواء كانت ديمقراطية عريقة أو كانت ديمقراطية ناشئة كما هو حالنا في اليمن...
وعندما تفي الدول خصوصا ذات الديمقراطيات الناشئة بهذه الواجبات ستجد أنها ترسخ جذور حكم القانون فيها وبالتالي تتقوى داخليا وخارجيا ويصبح لها تأثير واحترام كبير على كل الأصعدة ناهيك عن أن مساحات تلاعب قوى المعارضة فيها على جوانب القصور والاختلالات تتضاءل وتضيق!
والحال ينطبق على اليمن فكلما قامت الدولة بواجباتها الدستورية والقانونية حفظت هيبتها وحافظت على تماسكها واكتسبت احترام شعبها وأدت ما فرضه عليها الشرع الحنيف من الحفاظ على الأولويات أو الأصول الخمسة المتمثلة بالدين والنفس والعقل والمال والعرض...
وعلى قدر ما نعانيه من تعثرات واختلالات بسبب التقصير في تطبيق الدستور والقوانين النافذة، فإننا نجد بين أيدينا نماذج متعددة للحرص على تطبيق القوانين بصورة حاسمة تنعكس إيجابا على الحياة العامة كما لاحظنا بالنسبة لنتائج حملة منع حمل السلاح في المدن على سبيل المثال، وكما نلاحظ حاليا من حملة إلزام سائقي السيارات تركيب حزام الأمان ومنع التحدث بالتلفون المحمول أثناء قيادة السيارة..
والأمر نفسه ينطبق –مع الفارق– على تصميم الدولة اليوم على القضاء على فتنة التمرد في صعده بعد انسداد كل سبل الحوار والتفاوض، فالدولة اليوم رغم كل الخسائر والتضحيات تقوم بما يفرضه عليها واجبها تجاه المواطنين بالحفاظ على هيبتها وتماسكها ووحدة أراضيها وأمن المواطنين واستقرارهم وإلا انتفى الهدف من وجودها وفقد الحكم مشروعيته إذا تساهلت في أداء هذه الواجبات، فلا توجد دولة على وجه الدنيا يحترمها شعبها والعالم تترك جزءا من أرضها لعبث متمردين ومخربين أيا كان انتماؤهم، فمن كان صاحب قضية عادلة فهناك طرق دستورية وقانونية كثيرة يعبر بها عن رأيه ومطالبه ويوصل بها رأيه هذا ومطالبه للعالم كله.
وفي تصوري لو أن الدولة تقوم بواجباتها الدستورية والقانونية في جميع الاتجاهات لارتحنا وأرحنا، وسنجد الآثار الإيجابية لذلك في مختلف نواحي حياتنا... ويحضرني مؤخرا قرار الدولة بمؤسساتها المختلفة ضرورة إجراء الانتخابات في الدوائر النيابية الشاغرة وتصميمها على ذلك رغم اعتراض أحزاب المشترك وطعنها وتشكيكها في سلامة الإجراءات دون إبراز حجة منطقية واحدة..
بل إنها لم تعد تخفي رغبتها في الطعن بمشروعية الوضع القائم الذي شاركت هي في صياغته بكل تفاصيله عبر كل العمليات الانتخابية التي جرت خلال السنوات الماضية دون أن تدرك خطورة ما ستنتهي إليه الأمور من تدمير لكيان الدولة التي هي جزء منها شئنا أم أبينا وشاءت هي أم أبت وخاصة في حال استمرت تتعامل مع الأمور بالعدمية التي أصبحت العلامة المميزة لأدائها...
وأخشى أنها أصبحت تعمل على الحيلولة دون إجراء الانتخابات النيابية المؤجلة حتى إبريل 2011م بغرض إدخال البلاد في نفق اللامشروعية حتى تتمكن من فرض أجندتها السياسية كما تتصور! إن النظام القائم يتمتع بكامل المشروعية الدستورية والسياسية أمام شعبه وأمام المجتمع الدولي بأكمله، وعليه أن يقوم بواجبات الدولة وفاء بحق الشعب الذي انتخبه بدلا من تضييع الوقت بانتظار تكرم أحزاب المعارضة عليه بالموافقة على الحوار... فالوقت يمضي باتجاه المواعيد الدستورية والقانونية للعملية الانتخابية في 2011، وإذا كانت المقاطعة حقاً من حقوق المعارضة فإن إجراء الانتخابات في موعدها واجب ليس من حق الدولة التخلي عنه.