[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

جميلة بوحيرد.. حين يتسول الأبطال على أعتاب جحودنا

".. أنا جميلة بوحيرد التي حُكم عليها بالإعدام في عام 1957 من طرف المحكمة العسكرية في الجزائر العاصمة، إنني أجد نفسي اليوم في وضعية حرجة، فأنا مريضة والأطباء طلبوا مني إجراء 3 عمليات جراحية خطيرة وجد مكلّفة لا يمكنني التكفل بها،

ولهذا، أطلب منكم مساعدتي في حدود إمكانياتكم، وأريد أن أشكر بعض أمراء الخليج العربي الذين أعتبرهم إخواني من أجل سخائهم وتفهمهم، حيث عرضوا علي بعفوية وكرم التكفل بكل النفقات العلاجية.. " – جميلة بوحيرد -.

رسالتان بعثت بهما المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد إلى صحيفة الوطن الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية تكشف فيهما معاناتها مع المرض والعوز المالي، فالمناضلة التي واجهت أبشع صور التعذيب والتدنيس على يد جلادي فرنسا الاستعمارية ماسو وبيجار، تنام بكرامة وإباء على فراش المرض والحاجة، لم تستحضر آلام التعذيب حتى استحضرتها نواتجه السرطانية.

لالا فاطمة نسومر، زهرة ظريف بيطاط، مريم بوعتورة، حسيبة بن بوعلي، باية الكحلة، وردية فلّة آيت حاج محفظ، فاطمة أوزقان.. وغيرهن، قائمة من المجاهدات الجزائريات، ربما لا يقل كفاحهن عن كفاح جميلة بوحيرد، ويجب على التاريخ أن يسطر أسماءهن، وأن يُقدِّرهن الجميع.

ولدت جميلة بوحيرد في حي القصبة بالجزائر العاصمة عام 1935، وهي البنت الوحيدة بين سبعة إخوة شباب لعائلة متوسطة الحال، انضمت لحركة المقاومة السرية حتى أُلقي القبض عليها وقُدِّمت للمحاكمة في يوليو1957، فحُكم عليها بالإعدام باعتبارها حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة «ياسيف السعدي» الذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن مئة ألف فرنك ثمناً لرأسه، وبعد التعذيب لسبعة عشر يوماً متواصلة، وصلت إلى حد أن أوصل جنود الاحتلال التيار الكهربائي بجميع أنحاء جسدها، فأصيبت بنزيف استمر خمسة عشر يوما، دون أن تُرشد عن مكان ياسيف.

بعدها انتقلت جميلة لسجن بار بدوس، لتستمر إحدى جلسات تعذيبها إلى ثماني عشرة ساعة متواصلة حتى أُغشي عليها وأصيبت بالهذيان، بدأت محاكمتها يوم 11 يوليو 1957، وتطوع جاك فيرجيس المحامي الفرنسي للدفاع عن جميلة، ليثور العالم من أجلها، ولم تكن الدول العربية وحدها هي التي شاركت في إبعاد هذا المصير المؤلم عن جميلة فقد انهالت على السكرتير العام للأمم المتحدة وقتها (داج همرشولد) الرسائل من كل مكان في العالم مفادها: "أنقذ جميلة"، مما أجبر الفرنسيين على تأجيل تنفيذ الحكم بإعدامها، وفي عام 1958، نُقلت جميلة إلى سجن ريمس، حتى تم في مايو 1962 توقيع اتفاقيات إيفيان وإعلان استقلال الجزائر، ولتخرج جميلة وتتزوج بعد أشهر من محاميها.

وبذاكرة قصيرة وجحود طويل قابلنا نضال جميلة ورفيقاتها، لتختفي رموز المرأة الحقيقية عنا، ولتظهر شبيهات النساء كما ساد أشباه الرجال في علاقة سببية بينهما، لا تدري أيهما أسبق تحديداً، ولكن إذا لم نستطع أن نكون كباراً حتى نقف إجلالاً لرموزنا العربية والإسلامية؛ فمن العار أن نظل صغاراً مُقعَدين.

زر الذهاب إلى الأعلى