[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

محاولة ديترويت...و لعبة "القاعدة"

لا يدرك الكثيرون أن هدف عنف تنظيم "القاعدة" لا يقتصر فقط على مهاجمة البلدان الغربية، مع أنه لا يحقق ضدها أي شيء في حد ذاته، على كل حال. ذلك أن الإطاحة بطائرة مسافرين غربية أو تفجير مبنى في الولايات المتحدة أو بريطانيا لا يكتسي أهمية في حد ذاته..

على اعتبار أن المتطرف الإسلامي لا يجني أية فائدة من مجرد قتل مجموعة من الناس المسالمين. بل إن الهدف الأساسي لـ"القاعدة"، هو إحداث اضطراب وفوضى عارمة في العالم الإسلامي نفسه على أمل نشر القلاقل وخلط الحابل والنابل في كل مكان.

وعندما يقول جوردون براون أو باراك أوباما، على سبيل المثال، إن الجنود الغربيين مضطرون لمحاربة الإرهابيين هناك بعيداً حتى لا يضطروا لمحاربتهم في مدنهم، فإنهما لا يضعان إصبعيهما على جميع مواضع الداء، وهذه حقيقة على هذين الرجلين النبيهين أن يعلماها بالطبع. إذ لماذا ترغب "القاعدة" أو "طالبان" مثلاً في خوض قتال في إحدى المدن الغربية مثل بيوريا (ولاية إيلينوي الأميركية) أو إحدى الحدائق الواقعة في أطراف لندن؟

فليس هناك مجندون ليتم تجنيدهم، ولا شيء يمكن تحقيقه في المعركة الجهنمية التي يشنها المتطرفون الإسلاميون على الغرب، وقبله على الشعوب العربية والإسلامية. وإنما هدف المتطرفين الحقيقي هو نشر الراديكالية في العالم الإسلامي، والإخلال بفرص الاستقرار فيه، وفي المقام الأول.

إن الهدف الحقيقي لمهاجمة الغربيين في الغرب، أو في طائرات ركاب في طريقها إلى هناك، كما حدث لطائرة ديترويت هو فقط استفزاز الحكومات الغربية حتى تقوم بإرسال مزيد من الجنود الغربيين إلى أفغانستان وباكستان واليمن وأماكن أخرى في العالم الإسلامي من أجل مهاجمة المتطرفين الإسلاميين في عقر دارهم، حيث يعتقد هؤلاء أنهم يتوفرون على امتيازات تكتيكية وبشرية يصعب على الجنود الغربيين التغلب عليها.

وبدلا من ذلك، فإن ازدياد التوتر والبؤر المحتقنة، يكون هو السيناريو العكسي المتوقع. وبعبارة أخرى، فإن على الولايات المتحدة وبلدان "الناتو" ألا تنطلي عليها لعبة "القاعدة" هذه.

وفي هذه الأيام، أولت وسائل الإعلام الغربية اهتماماً كبيراً لهذا الموضوع، حيث بات معتاداً قراءة عناوين وأخبار من قبيل هذا الذي حملته إحدى الصحف الباريسية: "السي آي إيه والقوات الخاصة الأميركية تقدمان للحكومة اليمنية مساعدات مهمة". كما ورد في عنوان الصفحة الأولى من عدد يوم الثلاثاء من صحيفة "إنترناشيونال هيرالد تريبيون": "الفساد في اليمن يُضعف فعالية جهود محاربة القاعدة" حيث يقول هذا التقرير الصحفي إن "الاقتصاد انهار، في وقت انخفضت فيه عائدات البترول وأخذ النفط والماء ينفدان".

أما في أفغانستان، فقد قرأنا في الصحف نهاية العام الماضي حول اتهامات بالفساد لحكومة كرزاي، وسمعنا عن التجاذب المرير حول نتائج الانتخابات الرئاسية المطعون في نزاهتها. وقبل أيام، دعا الرئيس الأفغاني برلمان بلاده إلى العودة من الإجازة من أجل التصويت على تعيينات وزراء جدد في حكومته. ولكن البرلمان الأفغاني رفض تعيين 17 من بين 24 وزيراً رشحهم لحكومته الجديدة.

وبالطبع، فإن كرزاي هو الرجل الذي دعمته الولايات المتحدة في كابول من أجل جلب الديمقراطية إلى أفغانستان، وذلك من أجل حماية البلد والحيلولة دون وقوعه، مرة أخرى، في براثن متطرفي "طالبان" و"القاعدة".

والحق أنه لا يوجد أميركي واحد، شاهد تحالف أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مع أعضاء الجماعات الضاغطة المدافعة عن مصالح القطاع الصحي خلال الجهود المتواصلة لاعتماد مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، يحس أنه في وضع يسمح له بإعطاء الآخرين الدروس حول الفساد في البلدان الأجنبية. ثم إنه إذا كان لدى الولايات المتحدة جيش يدعم الحكومة الأفغانية أو الباكستانية أو اليمنية، فإن المواطن العادي في تلك البلدان قد يربط بين الأميركيين و"الناتو"، في تلك الحالة، وبين مصادر وممارسات الفساد.

ومع ذلك فإن "طالبان" و"القاعدة" لا تحاربان الحكومات من أجل الإصلاح، بل إنهما ترغبان في زعزعتها فقط ثم تدميرها بالكامل في نهاية المطاف، وذلك من أجل إفساح مجال سياسي من الصراع العارم وعدم الاستقرار حيث يستطيع المتطرفون الإسلاميون إشاعة حالة الفوضى والعنف، وكذلك الاستمرار في استهداف الغرب.

ولا حاجة للقول إن كل تصورات المتطرفين تلك هي على الأقل أضغاث أحلام بالطبع. وهي أضغاث أحلام على الولايات المتحدة و"الناتو" الوعي بأبعادها، وتجنب لعب أدوار رئيسية في خدمتها، ولو بطريقة غير مباشرة.

_____________
*كاتب ومحلل سياسي أميركي

زر الذهاب إلى الأعلى