[esi views ttl="1"]
دراسات وبحوث

نص رسالة من النعمان للملك خالد يدعوه فيها للوحدة بين السعودية واليمن

تزامنا مع القمة اليمنية السعودية التي تعقد اليوم في الرياض بين الرئيس علي عبدالله صالح وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله.. وتأييدا لدعوة الكاتب اليماني الكبير حسن الأشموري، يعيد نشوان نيوز نشر إحدى الوثائق التاريخية بين البلدين في رسالة من أستاذ الأحرار أحمد محمد نعمان رئيس الوزراء الأسبق في الشطر الشمالي من اليمن سابقا موجهة لجلالة الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز رحمه الله، يحثه فيها إلى توحيد الجزيرة العربية..والوثيقة مهداة للموقع من الزميل لطفي النعمان.. و إلى نص الوثيقة:

بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الجلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود
ملك المملكة العربية السعودية المعظم
سلام الله عليكم صاحب الجلالة ورحمته وبعد؛

فإن ما وصل إليه العالم العربي من المحيط إلى الخليج من التمزق والصراعات والخلافات بين الدول والجماعات وبين الدعوات والاتجاهات وبين النظم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
إن ذلك يدعو المملكة العربية السعودية كقاعدة روحية للأمة الإسلامية التي تنضوي الأمة العربية تحت لوائها إلى إعادة الدرس والتمحيص والنظر في فكرة الوحدة العربية التي ظهرت منذ الانفصال عن دولة الخلافة العثمانية قبل ستين عاما، ولم تكن النتيجة سوى تمزيق البلاد العربية وإقامة الحدود والحواجز بين أبنائها والاتفاق بين الدول الاستعمارية على اقتسامها.

يا صاحب الجلالة
لقد كثر الدعاة للوحدة العربية فاختلفوا اختلافا كبيرا في الوسائل والأهداف، وتنازعوا وفشلوا فشلا ذريعا وذهبت ريحهم فإن لكل داع وجهة هو موليها لا تتفق مع وجهة الداعي لا في الفكر ولا في المذهب ولا في الهدف .
إن الوحدة العربية ظلت الألسن أكثر من نصف قرن تلوكها، والأفواه تتلذذ بذكرها وترديدها دون أن تكون لهذه الوحدة صورة واضحة، أو هدف محدد، أو خط مستقيم، ودون أن تستخدم للدعوة إليها، الوسائل المعقولة والخطط الحكيمة المدروسة.
فقد تصدر للدعوة إليها من لا يفقهونها ولا يؤمنون بها، ليفرضوا سلطانهم على الأمة العربية ويستأثروا بمقدراتها وطاقاتها وخيراتها فشوهوا فكرة الوحدة وطمسوا معالم الطريق إليها، وحولوها إلى فرقة وشتات، واتخذوا منها سلعة رخيصة يتسابقون على المتاجرة بها في أسواق المزايدات والطموحات والشعارات والهتافات.
كما تصدروا الدعوة لإنقاذ فلسطين بأفواههم لا بقلوبهم فدبروا الانقلابات والمؤامرات وأشعلوا نار الفتن والفوضى، وأعلنوا المنظمات الثورية والجبهات التقدمية باسم فلسطين فضيعوا أجزاء غالية من أوطانهم وزادوا فلسطين ضياعا.

يا صاحب الجلالة
إن الذي نتطلع إليه ونعلق آمالنا على المملكة لتحقيقه هو تصحيح الخطأ التاريخي الذي سار فيه الداعون للوحدة العربية الشاملة ارتجالا وبغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وتصحيح هذا الخطأ يبدأ بالدعوة لجمع كلمة القلة من العرب المسلمين في قلب جزيرة العرب، والبداية الصحيحة لتجربة رائدة إذا نجحت في جمع القلة فإنها ستنجح في جمع كلمة الكثرة، لأن وحدة المسلمين في الصدر الأول إنما بدأت بالقلة المؤمنة.
(واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصره) . (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) قلة قليلة. (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت).

يا صاحب الجلالة
إن المملكة العربية السعودية في قلب جزيرة العرب تتمتع بمزايا لا تتمتع بها دولة من دول الأرض، فلم تجتمع لدولة من دول العالم قوتين عظيمتين روحية ومادية، كما اجتمع لهذه المملكة، ولذلك فهي تملك من وسائل التأثير وكسب المشاعر وجذب القلوب ما لا يملكه غيرها.
إن على المملكة أن تبدأ بجمع كلمة أشقائها وأبنائها في قلب جزيرة العرب ، في اليمن بشطريها، وعمان، والإمارات العربية المتحدة، وقطر والبحرين والكويت، وأن توجه الدعوة فورا إلى رؤساء دول هذه الأقطار الشقيقة لعقد مؤتمر قمة تطرح عليهم فكرة التضامن والتعاون، حتى يشعر الجميع أنهم مشتركون مع المملكة في أمن واستقرار الجزيرة وحماية مقدسات الإسلام والدفاع عنها ضد من يتربصون بالعرب الدوائر.

يا صاحب الجلالة
إن الفرصة سانحة لحماية قلب الجزيرة وجنوبها وخليجها من أخطار الانقسامات والصراعات والعقائد المستوردة ، والمنظمات الثورية ، والجبهات التقدمية التي غرقت فيها بعض الأقطار الشقيقة ، وتفجرت أخيرا في لبنان حربا أهلية ضارية ، ودماء مسفوحة ، ومذابح وحشية ، وخرابا ودمارا لم يسبق لهما مثيل .
إن الفرصة ما زالت سانحة فلنغتنمها (اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب ) .
والحماية الحقيقية لا يكفلها سوى التضامن الحقيقي بين المملكة وجيرانها والوقوف صفا واحدا لمواجهة هذه الأخطار تضامنا يبدأ خطوة خطوة حتى يصبح في المستقبل أساسا لوحدة صحيحة مبنية على قواعد راسخة من الشريعة والأخلاق والتقاليد الكريمة.

يا صاحب الجلالة
إن المتربصين بالعرب والمسلمين لن يتوقفوا عن العمل على تشتيت الشمل وتمزيق الأوطان وإثارة الحروب والصراعات ونشر الفوضى بواسطة العصابات التي يمولونها ويسلحونها ويدربونها ويلقنونها مختلف الشعارات .
إن الأعداء جادون في رسم خطط تمزيقنا ليشغلونا بمحاربة بعضنا بعضا ، وبالمعارك الجانبية ، والمشاكل الصغيرة التي لا تشكل خطرا ، حتى يتمكنوا من سحب الطاقة التي تختزنها أرضنا ، والتي تلعب الدور الأول في عصرنا الحاضر في خدمة العالم ومجالات الصناعة والزراعة والإبداع والاختراع .
إن الأعداء لن يهدأوا حتى يستنزفوا طاقاتنا التي لا حياة لهم بدونها، ويسحبوا أموالنا لاستثمارها، ولن يتركوا لنا سوى التناحر والجهل المطبق والفقر المدقع والحزازات والأحقاد، مصلحتهم أولا ولا يهمهم مصيرنا ولا استقرارنا ولا رخاءنا، إنهم سيقدموننا قربانا لمصالحهم وأطماعهم ولن يبالوا بنا في أي واد هلكنا .. تلك طبيعة أعدائنا قديما وحديثا..

يا صاحب الجلالة
إن آمالنا الكبيرة بالمملكة تدفعنا لطرح هذه الفكرة ، فكرة الدعوة الفورية لعقد مؤتمر قمة لدول الجزيرة في هذه الفترة العصيبة ، وثقتنا عظيمة أن الدعوة ستلقى الاستجابة السريعة من الجميع لما للمملكة في نفوسهم من تقدير وتأثير ، ولأنهم أصبحوا يشعرون بالخطر أكثر من أي وقت مضى بعد أن شهدوا ما جرى ويجري في لبنان ، وإن جميع الناصحين والمخلصين والمفكرين ما زالوا يحذرون وينذرون بأن لبنان ليست سوى البداية . ومن أمثال العرب ( ما حل بجارك أصبح بدارك) .

يا صاحب الجلالة
إن هذه تذكرة من ناصح مخلص ، ولست إلا من جنود الذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين ، وجلالتكم حفظكم الله في طليعة هؤلاء المؤمنين .

المخلص
أحمد محمد نعمان
الطائف في 19 رمضان 1396
الموافق 13 سبتمبر

زر الذهاب إلى الأعلى