[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

اليمن: الرياض تتصدَّر الأدوار

إن تبوء مركز الصدارة في الاهتمام العالمي يحمل دائما ميزات مختلطة. فمن ناحية، يعتبر الاستحواذ على عناوين الصحف مؤشرا صحيحا على خطورة كارثة أو أزمة أو فضيحة ما.

ومن الناحية الأخرى، يمكن أن يكون الوقوع في دائرة الضوء الإعلامي خطوة حيوية على طريق حشد كثيف للاهتمام الكبير اللازم للتوصل إلى حل.

ما فتئنا، نحن وأصدقاء آخرون لليمن، نراقب وبقلق متزايد في السنوات الأخيرة تراكم وتفشي التحديات التي تواجهه. وعليه، فإن هناك قدرا من الارتياح جراء ما حظي به اليمن خلال الأسابيع الأخيرة من اهتمام، إذ احتل عناوين الأخبار العالمية وتمحورت حوله تصريحات زعماء عالميين، إضافة إلى أن اليمن أصبح بؤرة جهود دولية منسقة بشكل متزايد، كما حصل في لقاء لندن الشهر الماضي.

نعم، إنه مؤشر على مدى تفاقم الأمور، ولكن إذا ما بادرنا - نحن الأسرة الدولية - وحكومة اليمن إلى العمل بحزم، فقد تتهيأ الفرصة المثالية الحاسمة لإعادة الأمور إلى نصابها.

لقد حقق لقاء لندن، بوصفه خطوة أولى، نجاحا كبيرا لأسباب أهمها المشاركة الإيجابية الفعالة لأطراف من المنطقة، واستعداد الحكومة اليمنية للبحث الواقعي والعملي في الأسباب التي أدت إلى الصعوبات التي يواجهها اليمن، وفي ما يجب عمله إزاءها.

إن مسار «أصدقاء اليمن»، الذي انطلق من لندن، إنما يوفر لنا إطار عمل لضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة، ووفاء الحكومة اليمنية بالتزاماتها، ووصول الدعم الدولي إلى من هم في أشد الحاجة إليه.

وفي سياق هذا المسار، فإنه يسعد بريطانيا أن ترى تحوُّل الأنظار نحو اللقاء الذي يستضيفه مجلس التعاون الخليجي في الرياض هذا الأسبوع للبحث في العوائق أمام تقديم مساعدات فعالة من مجلس التعاون إلى اليمن. حيث تدرك دول المنطقة الدور المهم الذي يجب عليها القيام به في مساعدة اليمن على معالجة مشكلاته، ونحن من جانبنا نرحب بهذه المبادرة أيما ترحيب. ولا شك أن جيران اليمن هم المؤهلون أكثر من غيرهم للإسهام في بناء يمن مزدهر وذي سيادة. فقد قمت بزيارة خلال الأسبوع الحالي إلى كل من الأردن والإمارات العربية المتحدة، وكان موضوع اليمن من القضايا ذات الأولوية في مباحثاتي مع المسؤولين في كلا البلدين.

وقد زرت اليمن في أعقاب لقاء لندن مباشرة، ومما أثلج صدري أن المؤشرات الإيجابية على حصول تقدم قد بدأت بالظهور فعلا. فتوقف القتال في صعدة سيتيح للحكومة اليمنية فرصة معالجة ما تواجهه من تحديات ضخمة. كما بدأت الحكومة اليمنية في التصدي لمسألة مهمة هي دعم أسعار الوقود، وإيضاح نهجها حيال الإصلاح الاقتصادي. بَيد أن الطريق ما زال طويلا.

وسيظل العامل الحاسم هو المحافظة على زخم التحركات وضمان استمرار التركيز الدولي على اليمن. وعلينا، حتى بعد أن يتوقف العنف، أن لا نسمح لأنفسنا بصرف أنظارنا عن الهدف. إننا ننظر إلى العنف في صعده والدعم لحركة الانفصال في الجنوب وتزايد التطرف بمثابة أعراض لمشكلات كامنة أصلا في اليمن. وما لم نعالج الأسباب الجذرية، فإن العنف والتطرف سوف يستمران في تهديد أمن واستقرار المواطنين في اليمن وعموم المنطقة وسائر أنحاء العالم.

إن أجزاء كبيرة من البلاد تعاني من غياب الخدمات، ومن التهميش والفساد والبطالة والفقر. والعجيب أن يحصل هذا بعد عَقْد من تمتع اليمن بأعلى قدْر من احتياطه النفطية. ولقد بدأ هذا الاحتياطي، الذي يشكل أكثر من 70% من ميزانية اليمن العامة، بالنفاد. لقد ولّت أيام بحبوحة المال، وبات على الحكومة مواجهة أوقات صعبة، من شد للأحزمة وتنويع للقاعدة الاقتصادية للبلاد. وسيظل اليمن بحاجة إلى الكثير من المساعدة لردح من الزمن.

كما يحتاج اليمن، أكثر من أي وقت مضى، إلى دعم حقيقي من أصدقائه وجيرانه حتى يبقى دولة فاعلة وقادرة على البقاء. وإذا أخفقنا في مدّ يد العون إلى اليمن في وقت الضيق، فإن العواقب على شبه الجزيرة العربية ستكون هائلة، وليست بحاجة هنا إلا إلى ذكر أشباح انهيار الدولة والهجرة الجماعية والإرهاب والقرصنة وانتشار الأسلحة، إلى جانب تسرب عدم الاستقرار والصراع الأهلي دون هوادة عبر الحدود. إن رسالتنا إلى وزراء الخارجية المجتمعين في الرياض هي: إننا نثمّن قيادتكم وحكمتكم كجزء من الجهود الدولية لمساعدة اليمن.

ولسوف يظل اليمن أولوية بالنسبة إلينا، وسيستمر التزام بريطانيا بدعم شعب اليمن ما بقيت الحاجة إلى هذا الدعم.

زر الذهاب إلى الأعلى