[esi views ttl="1"]
أرشيف الرأي

إيران.. الحريق في الطريق

يتهيأ الشعب الإيراني في إطار مواجهته للدكتاتورية الحاكمة في إيران لإجراء مراسم ليلة الأربعاء الأخيرة من السنة الإيرانية والتي تبدأ في 21 من آذار بسلسلة احتجاجات ضد حكم الملالي..

حيث يقوم شباب طهران والمدن الإيرانية الأخرى بتجهيز أنفسهم لاستقبال هذا الاحتفال الذي يسمى بالفارسية "جارشنبه سوري" أي أربعاء السرور"، وسط توقعات بأن يكون احتفال هذا العام امتداد للانتفاضة الشعبية العارمة التي اندلعت خلال الشهور القليلة الماضية ضد نظام الحكم. سيما وان هذه الانتفاضة ليست مجرد حالة شعبية تعبر عن اليأس والإحباط الذي اصاب الشعب الإيراني جراء ظروف وأحوال معيشية معينة، بل هي تمثل مرحلة إستراتيجية متكاملة في الصراع مع النظام الحالكم في إيران.

فانتفاضة الشعب الإيراني ليست عملا بائسا بل تعبير صادق عن صراع تكتيكى و عنوان لمرحلة إستراتيجية متكاملة تسير بخطى أكثر هجومية وأكثر ضراوة ضد حكم الملالي في إيران، حيث أن ضربات الانتفاضة تضرب في اللحم الحي لعقل ولجسد النظام الإيراني الذي وصل إلى حالة من الرعب جعلته يتجمع ويستجمع كل تطرفه لمواجهتها. الانتفاضة تخلخل كيان النظام الإيراني الذي يتمسح بالدين، وتخرجه إلى "الواقع" بدلا من زيف العقيدة التي يحملها.

ها نحن على أعتاب أيام قليلة من الاحتفال بالسنة الإيرانية فيما يسمع دوي انفجار المفرقعات والألعاب النارية في مختلف مناطق طهران العاصمة بشكل مستمر وهذا بالرغم من الحضور المكثف للشرطة لإثارة حالة من الرعب. وفي المناطق الغربية بطهران يستمر استقبال "جارشنبه سوري" بأصوات انفجار القنابل اليدوية الصوتية بيد الشباب، حيث يرمون هذه المفرقعات والألعاب النارية في الليل على رؤوس قوات الأمن الداخلي وأثناء إجراء دوريات هذه القوات في الأزقة والشوارع في محاولة بائسة من هذه القوات للسيطرة على الأوضاع المتفجرة.

وفي شيراز، تسمع دوي انفجار القنابل المصنوعة يدويا من قبل الشباب، كذلك الحال في أصفهان المدينة التاريخية حيث كان الشباب في يوم الجمعة 5 من مارس الحالي وقبل نحو أسبوعين من الاحتفال وعند انفجار المفرقعات يهتفون بقوة "هذه مناورة للاحتفال بالليلة الثلاثاء على الأربعاء الأخيرة”.

والموقف في المدن الإيرانية الأخرى لا يختلف حسب التقارير عما ذكرناه.

ويقول ألحرسي ”رادان” قائد قوات الأمن الداخلي لطهران الكبرى وهو يئن فزعاً من استمرار انتفاضة الشعب في "جارشنبه سوري" حول الإجراءات القمعية للنظام لمواجهة المواطنين في هذا اليوم "كان هناك اجتماعات مع الأعزاء في قوة الحرس وقررنا تنشيط دوريات قوات التعبئة (البسيج) في مختلف مناطق طهران وأنحاء البلاد.. المهم ونحن حساسون جدًا أن لا يتمكن "الشباب" من إغلاق الشوارع والميادين والطرق السريعة.. ومن يعتزم القيام بهذا العمل سيتم اعتقاله وسيكون ضيفنا هو وسيارته حتى نهاية عطلة أيام العيد رأس السنة".

أما ملالي الحكم في إيران فالفتاوى جاهزة بحرمة المراسم في هذا اليوم حيث لجئوا كعادتهم إلى تسمية هذا اليوم يوما "أميركياً وانجليزيا واسرائيليا"، ويظهرون فزعهم وخوفهم من تركيز المنتفضين على هذا اليوم.

يقول ”رجل دين” موالي للنظام ”برأيي ان الاحتفال بهذا اليوم في هذه السنة له لون خاص على الصعيد السياسي.. حيث بدأ تدريب المشاغبين عن طريق الفضائيات والإنترنت.. ووضعوا إثارة الشغب وتخريب الأماكن العامة والحكومية في هذا اليوم في جدول أعمالهم”.

والأمر الآخر المثير للانتباه والدهشة هو ذلك الحجم الهائل من أطنان المواد المتفجرة يدوية الصنع التي يتم الإعلان عن كشفها من قبل القنوات المتلفزة ووسائل الإعلام التابعة للنظام في عرض مسرحي هزيل للعضلات. ويقول "ساجدي نيا" من قادة الشرطة في طهران "إن المشاغبين يقصدون توزيع هذه المواد بين الشباب..” فطبعا المواد التي يتم كشفها هي نسبة قليلة جدًا مقارنة بالحجم الذي بحوزة المواطنين للاحتفال بهذا اليوم وإضرام النار برموز النظام الدكتاتوري.

وإثر دعوة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية لإجراء هذا الاحتفال بشكل أفخم فان هناك تقارير تفيد أن الشباب المنتفضين في إيران رحبوا بالدعوة لانتفاضة عارمة في هذا اليوم، حيث أعلنت زمرة ولي الفقيه وفي رد فعل تجاه الترحيب الشعبي الواسع بهذه الدعوة "إن منظمة مجاهدي خلق وفي رسالتها الأخيرة لأنصارها داخل البلاد طالبتهم بالاستعداد والتهيؤ الكامل لهذا اليوم وإثارة الاضطرابات وأعمال الشغب كما وطالبت بتحويل هذه المراسم إلى "انتفاضة عنيفة وجبارة ومفعمة بالنار" (صحيفة رسالت 17 مارس الحالي).

سلطات الأمن في إيران وباعتراف واضح وصريح أكدت أن انتفاضة الشعب الإيراني والتي وصلت ذروتها في يوم عاشوراء (28 ديسمبر الماضي) لو التحقت بها المناطق الخمس في طهران لسقطت بيد من وصفتهم ب"المشاغبين"، ونعرف أن سقوط طهران يعني سقوط النظام برمته..

وفي الوقت نفسه، فان الانتفاضة وبعد مرور 9 أشهر ما زالت مستمرة وتتعمق أكثر وأكثر ولن تثنيها أبدا الإجراءات القمعية لملالي إيران.. نعم لن تقف هذه الانتفاضة عاجزة على الوقوف في وجههم ولن تثنيها حملات الإعدام والاغتيال والقتل المبرمج وعجرفة السلطات ولن توهن قوتها ولن ترفع الراية البيضاء ولن ترضى الدنية في مبادئها وقيمها ومثلها التي تربت عليها.. فمن بين الأنقاض والركام يعود شباب الانتفاضة أكثر قوة وإصرارا وعنفوانا وأكثر إصرارا وعزما، وهذا عهد قطعه الشباب الثائر المتحمس على نفسه ليكونوا نهرا متدفقا معطاء وحماسا متفجرا في وجه أعدائهم ممن لا يراعون إلا ولا ذمة.

إن شباب ومواطني إيران شدّوا الأحزمة هذه المرة بكل ثبات وبصيرة، مصممين على نيل حريتهم وعزتهم مهما غلت التضحيات، غير آبهين بالمؤامرات متكفلين هم وحدهم بالتصدي لهذه الطغمة الحاكمة التي تتمسح بالدين وتوظف الإسلام في غير مكانه لأهدافهم القبيحة التي لم تعد تخفى على احد.

وهنا فانه لا بد للمجتمع الدولي برمته من أن يعي تماما أن انتفاضة الشعب في إيران لها هدف محدد وهو إسقاط دكتاتورية خامنئي ومهرجه احمدي نجاد الذي ليس له رد عليها سوى العنف والقمع والاغتيال.. نداء المتظاهرين كان واضحا وسيبقى واضحا "الموت للديكتاتور وخامنئي قاتل وحكمه باطل”، ونقول بكل صراحة ووضوح انه آن الاوان للمجتمع الدولي ان يخرج من حالة الغموض ويقف إلى جانب الشعب الإيراني من اجل التخلص من استبداد قمعي..

هناك حريق كبير قادم في الطريق.. ونحن على موعد إن شاء الله مع يوم ستكون فيه منطقتنا خالية من النظام القمعي الإرهابي في إيران وان غدا لناظره قريب.

* كاتب سياسي إيراني

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى