[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

اليمن والقنوات الفضائية.. تعارض بين الممكن والمرغوب

تحضر الشواهد غالباً لتوجز التعبير عما آل إليه الحال، ومنها إشارة هنري كيسنجر في إحدى محاضراته إلى ما تنطوي عليه السياسة الخارجية من جهود متعارضة ينبغي لها "الموازنة بين الممكن والمرغوب منهما" وهما:

تحديد مصالح وأغراض وقيم المجتمع. وربطها بمصالح وأغراض وقيم الآخرين.

ولعل هذا الاستشهاد –إن لم يخطئ القلم- يلائم الجدل الدائر حول الإجراءات المتخذة يمنياً تجاه "جهازي بث" قناتي العربية والجزيرة الفضائيتين، إذ تعارض الممكن والمرغوب إعلامياً وسياسياً، وأسفر الإجراء القانوني ظاهرياً عن تضامن الصحافيين مع زملائهم الفضائيين!

ودونما مباركة لبعض الإجراءات السلبية إزاء بعض التغطيات الإعلامية الفضائية المبالغ فيها للأحداث الأخيرة في اليمن، إلا أن الباعث السلبي على رد الفعل السلبي يستوجب الاستنكار أيضاً. إنما ليس على طريقة مغالاة جمع من الزملاء ممن طالبوا بإغلاق مكاتب بعض القنوات الفضائية، ظناً منهم -وبعض الظن "ليس إثماً"!- بأن هذا الإجراء سيجنب "وجه اليمن" محاولة تشويهه (إن لم يكن تم فعلاً) أو يكف نقل صورته على ما هي عليه!

لا يُنسى لهذه القنوات والبلدان المنطلقة منها أو المعبرة عنها أن كانت في معظم الأوقات (العصيبة مؤخراً) مناصرةً لأهم القضايا اليمنية، وشريكةً في المسرات الوطنية والأحزان الإنسانية، ومضيها إلى تغطية حدث ما مستعينة بمقاطع أرشيفية –من وجهة نظر خاصة- لا يؤثر على "الثوابت الوطنية" والوحدة الوطنية والنظام الجمهوري، فما يؤثر على "المقدسات السياسية" هو عدم الذهاب إلى الذود الجاد عن كل تلك الثوابت، بالحيلولة دون تفاقم الأوضاع إلى حد المبالغة بتغطيتها على النحو المستفز لاحتجاز أجهزة البث المباشر بناءً على تكييف قانوني للإجراء!

معالجة الخطأ لا يكون بخطأ أكبر، مؤداه القطيعة وتوتر العلاقة مع أي الأطراف في المنطقة وقنواتها الخاصة. فاليمن، في كل لحظة، محتاج لعون كل الأشقاء والأصدقاء، وحشد كل الأقلام والصحف والقنوات والإذاعات إلى صفه لدعم تنميته واستقراره، لا إلى إثارة المشاكل والقلاقل وإحياء "الموتى سياسياً"، عبر صحف وقنوات كرد فعل لما نفعله كرد فعل أيضاً، وإذا بالمسألة سلسلة ردود أفعال مضطربة!

إن المرغوب استمالة الناس إلى صف البلد لا الاستماتة في استعدائهم عليه. ليعينوا أبناءه على التخفيف من مظاهر السوء لا الإضافة إليها. ربطاً بين مصالح البلد ومصالح محيطه السياسي والإعلامي.

والممكن هو تجاوز التعارض بين الممكن والمرغوب بالذهاب إلى الممكن من المرغوب. وربط المصالح بعضها ببعض، وإثبات سعة الأفق ورحابة الصدر لكل المختلفين مع النهج والمخالفين للنظام. وأن تتذكر القنوات ما عليها من مراعاة للممكن، لتنال المرغوب من مصلحة في التعاون وتسهيل المهام في البلد المضيف، وأن يتنبه القائلون بمخالفة تلك القنوات، أنها طالما عملت في إطار حدود بلد ما فلا يعني أنها موظفة لدى الهيئات الإعلامية الرسمية وعليها اتباع سياساتها وتتجاهل ما تشهد من أحداث وتكف عن تغطيتها، وإلا فما النفع من بقائها. طالما لم تربط بين عملها ومحيط عملها كيفما كان!

من مأثورات الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "من عظّم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها". وما أغنى البلد عن المصائب كبارها وصغارها. وإذا عظّم الإعلاميون صغار الحوادث في هذه "البلدة الطيبة" ونالوا والتنفيذيون نزراً من كبارها، فلا ينبغي ابتلاء النفس بمصائب أكبر، لن تجدي للبلد نفعاً، ولن تجمّل وجهه، أو تحمي ثوابته!

زر الذهاب إلى الأعلى