[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

ثلاثة مسارات ليعود اليمن السعيد

لا أعتقد أنّ التصرف الذي قامت به السلطات اليمنية ضد مكتب قناة الجزيرة وصحفيين آخرين فضلاً عن محاصرة صحفيي اليمن واعتقالهم وتغييبهم يمكن أن يفصل عن حالة التقييم المهمة لقدرات صنعاء وفقهها للتجربة الصعبة التي مرت بها الدولة في المرحلة الماضية وقاتلت على جبهات ثلاثة (هي الحوثيون، الحراك، اللقاء المشترك) عسكريا وسياسيا.

وجميل أن نكتب وقد أعيد جهاز البث للزملاء لكن يبقى ذلك الأسلوب غير مقبول ونتمنى أن لا يعود والأهم من ذلك أن تدرك القيادة أنّ اليمن يحتاج إلى إنقاذ لا إلى قمع أو محاصرة الإعلام وإن كان الإعلام قد يخطئ، لكن ما استهدف الإعلام في حالة اليمن كانت حروبًا شرسة فتكت بممانعته وهددت وحدته وهو ما يجب على الرئيس ونخبة الحكم في المؤتمر العام أن يسعوا لمعالجته والانطلاق لعهد إصلاحي جديد مع القوى الوطنية ومع دعم المحيط الإقليمي العربي وهو ما نسعى في هذا المقال لتحديد معالمه.

فقد هدأت جبهة الشمال ولكن لا تزال جبهة الجنوب مشتعلة في واقع اليمن اليوم, ولكنّ ذلك لا يعني عدم ارتياحنا من توقف الحرب ووقف سيل الدماء بين الأشقاء في الشمال وأملنا الجديد المتفائل أن يكون هذا التوقّف هو الأخير وتنخرط كل التيارات الفكرية والحركات السياسية والمناطق في سباق بل وحتى صراع سياسي مشروع عندما تُنظّف الأرض التي تَلطّخت بالفساد وبالدماء وبالآمال المذبوحة, من خلال توحد الرؤية والخطاب المسؤول من الخليج الذي تعتبره صنعاء ظهرها الأول ويراه الشعب كذلك ويُوجّه الخطاب باللغة المناسبة لكن بكل وضوح وشفافية وتحذير بأنه ليس في كل مرة تسلم الجرة فلا تزال مخاطر تقسيم اليمن قائمة أو دخوله في دوامة من الأحداث تؤدي لتفتته وسقوطه وضياع وحدته وما تبقّى من قوته الاجتماعية والاقتصادية.

وهذا يعني ابتداءً أن يُطرق الباب المركزي الذي يقع في واسطة العقد بحكم المركز والنفوذ وهو هُنا الرئيس علي عبد الله صالح وأن يُقنع بضرورة معالجة الأزمة على الجبهات الثلاث بروح المسؤولية لا المصالح وبتقديم السلم الأهلي والوحدة الوطنية على حظوظ المؤتمر الشعبي العام وبالذات بتحذيره بأن اندلاع الأمور بعد الهدوء عادةً ما يكون أشدُّ وأشنع وهو ما يجب أن ترعاه دول الخليج لسلامة اليمن في مسارات المعالجة الثلاثة وذلك بدعمه لدمج اليمن واقتصاده مع مجلس التعاون فعندها يبدأ اليمن مسيرة الإصلاح بعد تثبيت الهدوء وتصفية أوضاع الماضي.

أما المسار الأول فينطلق في تثبيت رؤية سياسية شاملة بين الحركة الحوثية والعمل الوطني الشامل تفرز فيها ما هو طموح لأي حركة فكرية دينية وما هي علاقاتها وتصوراتها الإشكالية التي لا يُمكن للحالة الوطنية أن تحتملها خاصة مع تدخل أطراف إقليمية في العلاقات الداخلية لليمن ونسيجه الاجتماعي والفكري, وهي رؤية تحتاج إلى فضاءٍ واسع من الشفافية وعدم التصعيد وتكريس فرص الحوار واندماج الحراك الحوثي كمدرسة فكرية يمنية لها حقوق وعليها حقوق وواجبات لليمن الوطني واليمن العربي المسلم.

وأما المسار الثاني الذي ينبغي أن لا يتأخر مُطلقًا فهو إعادة مشروع الوحدة في الضمير الوطني باعتبارها عقيدة وطنية جامعة، ولكن بمشروع جاذب يحترم إنسان اليمن في الجنوب ويتيح له شراكة كاملة عبر الإدارة الفدرالية الكاملة لأبناء الجنوب لمناطقهم مع توحد أساسات وأركان الدولة في هويتها وتعريفها وسياستها ومركزيتها.

وأعتقد أن جانبا من الحراك الجنوبي غير مؤهل لمشروع الإنقاذ وهو يُصعّد ويدفع بأبناء الجنوب لتحقيق مشروع الانفصال الذي كان تحت إدارة حزب فكري محدد له إرث لا يُفتخر به ديمقراطيا ولا إنسانيا, ثم تُحرق هذه الجموع من أبناء الشعب لأجل إعادة نفس الوضع السابق والحكم الشيوعي الذي أصبحت قياداته وللمفارقة تُكرّس الكراهية لأبناء الشمال وتتودد للأميركيين فهذه قضية خطيرة يذهب فيها ضحايا من أبناء الشعب ومن قوات الأمن في الجنوب دون وجود مشروع سياسي قابل للتحقيق.

وهذا لا يُقلل من الجرائم التي ارتكبت وتُرتكب في حق الأقاليم الجنوبية وتُسلّط حركة الفساد والقمع عليها, لكن يَبقى أن معالجة هذا المأزق والظُلم لا يُمكن أن تتم برفع خيار الانفصال فقط ولو كان ذلك بالتعاون مع الشيطان، وفي اعتقادي أنّ هناك من القيادات الفكرية والعشائرية والوطنية داخل الحراك وخارجه في الجنوب من يملك قدرات وأهلية وتصوّر للوصول إلى حل يُنقذ الجنوب والوحدة معًا.

وهُنا يأتي المسار الثالث حيث تتأكد مسؤولية الخليج في الدخول في وساطة وبالذات الرياض لوزنها الكبير في المنطقة من خلال تبني مشروع مصالحة والضغط على الأخ الرئيس بالاعتراف بالإنسان اليمني في الجنوب واحترام أهليته والجلوس للتفاوض لتحقيق تعديلات دستورية فدرالية توثّق عهود الوحدة بكِلتا اليدين لبقاء اليمن موحدا وقويا وعزيزا باحترام شعبه وحقوق أقاليمه.

لقد أثبتت التجربة السابقة لتدهور الأوضاع في اليمن والتدخل الإقليمي والدولي سقوطًا نهائيا لذلك التصور الخاطئ بأن الابتعاد عن اليمن يُشكّل وضعا أمنيا مستقرا في الخليج لتجنب ارتداداته وهو ما أثبتت التجربة بالبرهان نقيضه, ويعني ذلك أنّ كل ما يُقال من تحفظات عن طبيعة اليمن السياسية والاقتصادية وغير ذلك من أعذار لتأخير الدمج في مجلس التعاون، ليس له دليل حقيقي خاصةً مع وضوح المشهد بأنّ الخيار الآخر وهو ترك اليمن لمستقبله أضحى دليلاً قائما على الخطورة الإستراتيجية التي تنتقل بسرعة واضطراب إلى داخل دول المجلس وتخلط أوراق الأمن القومي في المنطقة بصورة معقّدة.

والجانب الخطير الآخر هو في ترك اليمن لتتطور أوضاعه الأمنية ونزول الأميركيين إلى الأرض والشارع العام لمطاردة الجماعات المناوئة لهم من القاعدة وغيرها وهو ما بدا مُفجّرًا شاملاً للاستقرار الوطني والاجتماعي الذي يقود إلى فوضى وحرب متنقلة كما جرى في باكستان، وعليه فإن هذا التوغل الأميركي لا يزال يحمل مشروعًاً خطيرًا لمستقبل اليمن وهذا المشروع سيضرب بالضرورة استقرار الخليج وأمنه القومي والاجتماعي.

"
من المهم أن يعتمد الخليج العربي موقفًا واضحًا يدفع الرئيس اليمني وحزبه إلى الوصول إلى مشروع إنقاذ وطني مع اللقاء المشترك تُشكّل على إثره حكومة وحدة وطنية تقود اليمن في مرحلة الشراكة والاندماج مع مجلس التعاون
"
في حين أن تقوية الخليج لليمن اقتصاديًّا ودمجه في مجلس التعاون يُعطي اليمن حركة استقلال واستقرار أقوى فضلاً عمّا ينبغي لدول الخليج أن تعيه من أنّ أي اختلاف أو سلبيات طبيعية يعتقدها البعض لعودة أبناء اليمن إلى سوق العمل والمشاركة في حركة التنمية لا تعادل إيجابيات الدمج وتعزيز الحالة الأمنية والشراكة في الاقتصاد والبناء وخاصة في داخل اليمن إذا أُديرت المشاريع بعيدًا عن قوى الفساد فهذه القوى العاملة تُعتبر رصيدًا للعديد من المشاريع والبرامج التي يستطيع رأس المال الخليجي أن يعزز بها اقتصاده.

إن إعلان دمج اليمن في دول مجلس التعاون يُعزز تلقائيا الهوية العربية المهددة للإقليم ويُعطي دفعة مضادة لبرامج التجزئة واستهداف الهوية ويُجدد حياة مجلس التعاون التي باتت إستراتيجية بقائه أو تماسكه مهددة بالفعل وتنتظر وضعًا صعبًا إذا أُنجزت الصفقة الإيرانية الأميركية أو تصاعدت الأمور إلى حرب باردة, وفاقم الأمر ما أضحى يُسمع بين الآونة والأخرى من خلاف يتوسع بين دول المجلس في موقفها من إيران وما تصريح السفير الكويتي في طهران الذي سخِر من تسمية الخليج بالخليج العربي إلاّ مؤشرًا مهمًّا في هذا الاتجاه.

ومن المهم أن يعتمد الخليج العربي موقفًا واضحًا يدفع الرئيس والمؤتمر الشعبي العام إلى الوصول إلى مشروع إنقاذ وطني مع اللقاء المشترك تُشكّل على إثره حكومة وحدة وطنية تقود اليمن إلى مرحلة الشراكة والاندماج مع مجلس التعاون, والقاعدة التي لا شكّ فيها هي أن اليمن الموحد المتماسك رديف قويٌّ وحليفٌ أمين للخليج العربي الموحد، ومتى ما عاد سعيدا سعد الخليج العربي بأمنه، هكذا أثبت التاريخ وحدة المصير المشترك ليردد عمليا لأمنه.. لابد من صنعاء ولو طال السفر.

زر الذهاب إلى الأعلى