[esi views ttl="1"]
آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

حرب الهروب من المآزق الشخصية قد تندلع في أية لحظة!

مع أن الشيخ نعيم قاسم، نائب حسن نصر الله، استبعد أن تشن إسرائيل حربا جديدة قريبة على حزب الله إلا أن إثارة إشكال تهريب صواريخ «سكود» عبر الحدود السورية - اللبنانية سواء كان هذا صحيحا أم غير صحيح يشير على نحو يقترب من اليقين إلى أن هذا الأمر وارد وفي أي لحظة بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو التي تواجه مأزقا حقيقيا على مدى العالم كله، وفي مقدمته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تواجه أي حكومة إسرائيلية سابقة مثله حتى بما في ذلك حكومة إسحاق شامير التي كانت خسرت مواجهة سياسية عشية انعقاد مؤتمر مدريد الشهير مع إدارة بوش (الأب) الأميركية.

ربما أن الشيخ نعيم قاسم في تقديره الآنف الذكر، الذي استبعد فيه هجوما إسرائيليا قريبا على حزبه وبالتالي على لبنان، قد استند على حسن النوايا الأميركية وعلى قناعة غالبية قادة الرأي في هذه المنطقة بأن الولايات المتحدة لا تريد حربا شرق أوسطية جديدة وأنها تبذل أقصى جهودها السياسية وتمارس ضغوطا حقيقية على بنيامين نتنياهو لمنعه من القيام بأي عمل عسكري ضد إيران ومفاعلاتها النووية أو ضد حزب الله ولبنان وامتدادا إلى أهداف حيوية سورية.

هناك أسباب كثيرة تجعل واشنطن ضد أي عمل عسكري في الشرق الأوسط حتى وإن كان على نطاق ضيق وأهدافه محدودة، فأولا لأنها تعرف أنها ستنجر إليه، وبالتالي ستغرق في أوحال هذه المنطقة أكثر ما هي غارقة في العراق وأفغانستان، وثانيا لأن إدارة الرئيس باراك أوباما جادة في التوصل خلال سنتين كحد أقصى إلى حل لأزمة الشرق الأوسط وفقا لمعادلة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 إلى جانب دولة إسرائيل، وثالثا لأن ترتيب أوضاع العالم على أساس الحفاظ على وضعية أن أميركا هي القطب الأوحد في هذا العالم يقتضي استقرارا وهدوءا في هذه البقعة الحيوية التي تمتد من جبل طارق في الغرب حتى ممر خيبر في أفغانستان.

لكن يبدو أن بنيامين نتنياهو للتخلص من المأزق الذي هو فيه مصر على إعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط ليبادر بعد ذلك إلى ترتيب معادلة جديدة تأخذ إسرائيل مكانة الرقم الرئيسي فيها، ولذلك فقد افتعل حكاية صواريخ «سكود» هذه التي إن كان فيها شيء من الصحة فقد لجأ إلى تضخيمه أكثر من اللزوم ليكون المبرر الذي يعتقد أنه مقبول دوليا لشن الحرب التي يريدها مخرجا له من ورطته الخانقة والتي طالما لوح بأنها ستستهدف المواقع النووية الإيرانية وأشار قبل التهديدات الأخيرة السافرة بأنها ستستهدف أيضا سورية.

ولعل ما أوردته صحيفة ال«صنداي تايمز» البريطانية في عددها الأسبوعي يوم الأحد الماضي وقالت فيه، نسبة إلى وزير إسرائيلي لم تذكر اسمه: إن إسرائيل بعثت برسالة تحذير سرية إلى دمشق أشارت فيها إلى أنها باتت تعتبر «حزب الله» فرقة في الجيش السوري.. وإن الرد ضد سورية في حال هاجمها هذا الحزب بصواريخ «سكود» سيكون مدمرا وسريعا وسيعيدها إلى العصر الحجري من خلال شل محطات الطاقة والمواني ومخازن الوقود وكل جزء من بنيتها التحتية الاستراتيجية، يؤكد أن اندلاع حرب جديدة في المنطقة متوقف على أي إجراء غير محسوب العواقب بدقة من قبل حسن نصر الله وحزبه.

والخوف هنا هو من أن يبادر حزب الله، لأسبابه الخاصة وخدمة لحسابات إيران الإقليمية وفي إطار تصديها للعقوبات الموجعة التي تهددها بها الولايات المتحدة الأميركية، إلى تسخين جبهة الجنوب مع إسرائيل، والخوف الأشد والأكثر هو من أن يلجأ هذا الحزب إلى استخدام صواريخ «سكود» أو غيرها في أي مواجهة جديدة فيعطي الجنرالات الإسرائيليين المبرر لتنفيذ التهديدات المشار إليها آنفا التي تحدثت عنها ال«صنداي تايمز» البريطانية نقلا عن أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية.

والمشكلة، بينما أوضاع الشرق الأوسط تعيش حالة عدم استقرار حقيقية تجعل أي وقوع في أي خطأ في الحسابات سيؤدي حتما إلى كارثة إقليمية محققة، فإن إسرائيل وإيران المختلفتين على أمور كثيرة تلتقيان عند نقطة أن حكومتيهما تريان أن الحرب في مصلحة كل منهما، فالرئيس محمود أحمدي نجاد لا يجد مخرجا من الأوضاع الداخلية التي يواجهها إلا باندلاع مواجهة قد تبدأ بالجنوب اللبناني، لكنها ستصبح حتما حربا إقليمية إذا استخدم فيها حزب الله الصواريخ التي يدعي الإسرائيليون انتقالها عبر الحدود السورية - اللبنانية وهذا ينطبق على بنيامين نتنياهو الذي لديه قناعة بأن مثل هذه الحرب هي المخرج الوحيد من المأزق الذي يعيشه وأنها هي التي ستخلصه من دفع استحقاقات العملية السلمية.

كما أن ما ينطبق على إيران وعلى إسرائيل ينطبق على حزب الله الذي هو بحاجة وأمس الحاجة إلى تحريك جبهة الجنوب (اللبناني) ليجدد فرض سلاحه على أنه سلاح مقاومة مقدسة على كل أطراف المعادلة اللبنانية وليقطع دابر الذين يرفعون أصواتهم في هذه الأيام مطالبين بضرورة ضبط هذا السلاح وإخضاعه لسيطرة الجيش اللبناني حفاظا على التوازنات الطائفية اللبنانية، ومنعا لطائفة معينة من أن تفرض نفسها وسلاحها وتحالفاتها الداخلية والإقليمية على الطوائف الأخرى.

وبوضوح، فإنه إذا كان محمود أحمدي نجاد يسعى لاستدراج حرب منقوصة يتم إيقافها قبل أن تصل إلى أبعادها الحقيقية ليخرج منها «بطلا» إسلاميا على الصعيد الخارجي والإقليمي وقوميا على الصعيد الداخلي كما خرج جمال عبد الناصر من حرب السويس في عام 1956 فإن حسن نصر الله يسعى بدوره لتجديد «بطولته» التي انتزعها بقوة الإعلام والقدرة البلاغية من حرب خسرها في حقيقة الأمر وكانت كارثة الكوارث بالنسبة للبنان والشعب اللبناني هي حرب يوليو (تموز) عام 2006.

لقد فعل حسن نصر الله بالنسبة لحرب 2006 الكارثية، وهذا ما فعلته حركة «حماس» بالنسبة لحرب غزة التي كانت أكثر كارثية، ما فعلته أنظمة الانقلابات العسكرية التي اعتبرت هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967 المنكرة فعلا والمدمرة حقا انتصارا مؤزرا ما دام أن أنظمتها «الثورية» لم تسقط، وذلك على اعتبار أن هذه الحرب كانت تستهدف هذه الأنظمة وبالتالي فإن احتلال الأرض لم يشكل أي خسارة ما دام أن مجالس قيادات الثورة بقيت قائمة وصامدة.

لكن ما يجب أن يأخذه حسن نصر الله بعين الاعتبار هو أنه ليس في كل مرة تسلم الجرة، وأنه إذا كان قد استطاع تحويل هزيمة 2006 إلى انتصار على غرار ما فعلته أنظمة الانقلابات العسكرية بالنسبة لهزيمة 1967 فإن حسابات البيدر قد لا تأتي مطابقة لحسابات الحقل، وعندها فإن كارثة جديدة ستحل بلبنان وربما بغير لبنان أيضا إذا لم يحسب الذين شملتهم التهديدات الإسرائيلية حساباتهم بصورة واقعية ودقيقة.

إنه غير جائز التلاعب بمصائر ومصالح شعوب هذه المنطقة لحساب أوهام ستتحول حتما إلى كوابيس مفزعة ومدمرة إذا وقعت الواقعة وإنها جريمة ما بعدها جريمة أن تقحم دول الشرق الأوسط كلها أو بعضها في حرب قد تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، وهي ستستخدم فيها حتما إن هي اندلعت خدمة للأجندات الإيرانية واستجابة للأوهام البطولية على غرار الأوهام التي غرق فيها صدام حسين إلى أن أوصل العراق إلى ما وصل إليه.

زر الذهاب إلى الأعلى